نشرت شبكة اريج للصحافة الاستقصائية الدعومة دنماركيا، تحقيق استقصائي، الثلاثاء 30 سبتمبر 2025، كشفت فيه عن الطرق والجهات التي تعمل على تهريب الاسلحة الاوروبية والامريكية الى عصابة الحوثي الايرانية باليمن.
ووثق التحقيق الذي اعده الصحفي انور دهاق، والصحفي احمد الواسعي، وجود أسلحة أوروبية لدى تاجر سلاح حوثي بصنعاء من إنتاج العام 2023، أي أنه انتج حديثا، فكيف وصل إلى هناك في ظل عمليات مراقبة سواحل ومنافذ اليمن، من قبل قوات متعددة الجنسية لمنع تدفق الأسلحة الإيرانية للحوثيين المصنفين إرهابيين؟
ولمعرفة الاجابة على هذا السؤال ننشر التحقيق بالتزامن مع نشره في شبكة اريج..
هكذا تصل الأسلحة الأوروبية والأمريكية للحوثيين
في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، نشر تاجر سلاح يمني عبر حسابه على فيسبوك صوراً لسلاح ذهبي، متباهياً بأنه صناعة أوروبية، قد يستقطب هواة اقتناء السلاح في صنعاء، الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي.
هذا السلاح من طراز X-Calibur MK23، يعود تاريخ إنتاجه إلى عام 2023؛ أي أن الفارق الزمني بين تاريخ تصنيعه وظهوره في اليمن لا يتعدى عدة أشهر فقط.
وثقت “أريج”، في الجزء الأول من هذا التحقيق، أن شركة غراند باور السلوفاكية هي المُصنِّعة لهذا السلاح. كشف هذا الجزء المنشور في كانون الأول/ديسمبر 2024، وصول عشرات المسدسات الأميركية والأوروبية والبرازيلية حديثة الصنع إلى مدينة صنعاء.
في هذا التحقيق، نتتبع السلاح السلوفاكي وغيره من الأسلحة الأوروبية الصنع، ونكشف أنه صُدّر إلى التشيك ومنها إلى شركة رماية سعودية، قبل أن ينتهي به المطاف في صنعاء، بالمخالفة لمعاهدة تجارة الأسلحة ATT، وفي انتهاك لقرارات الأمم المتحدة.
ونُقلت عشرات الأسلحة الأوروبية والأميركية؛ على رأسها مسدسات “غلوك”، إلى اليمن، بالمخالفة لشهادات المُستخدِم النهائي، في ظل عدم تطبيق إجراءات تتبع الأسلحة بعد تصديرها، لضمان عدم إعادة تصديرها أو تهريبها أو إساءة استخدامها.
كيف وجد السلاح ضالته إلى اليمن؟
عرض تاجر السلاح اليمني أشرف منيف، عبر حسابه على “فيسبوك”، السلاح السلوفاكي، غير مكترث مثله مثل غيره من تجار الأسلحة، بسياسات غالبية منصات التواصل الاجتماعي، التي تمنع عرض الأسلحة النارية. وظل ينشر صوراً لمسدسات وبنادق، حديثة وقديمة، أوروبية وأميركية الصنع.
عقب نشر تحقيقنا أواخر عام 2024، أغلقت منصة “إكس” حسابات عدد من تجار الأسلحة اليمنيين، الذين كشفنا أنشطتهم المخالفة لسياسة المنصة، لكنّ حساب منيف ظل نشطاً على كل من “إكس” و”فيسبوك” حتى الآن.
ونشر تقرير فريق الخبراء المعني باليمن، المُعين من قبل الأمم المتحدة، تقريراً عن نشاط تجار يمنيين على منصات التواصل الاجتماعي، إذ عرضوا أسلحة صغيرة وخفيفة، من أنواع متعددة ودول تصنيع مختلفة.
وجود هذا السلاح، دفعنا للبحث في تاريخ التجارة بين سلوفاكيا -الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي- واليمن في الأسلحة الصغيرة والخفيفة.
أفضى بحثنا إلى قاعدة بيانات التجارة في الأسلحة التابعة للأمم المتحدة ROCA، وقاعدة بيانات معهد ستوكهولم لدراسات السلام، وغيرهما من قواعد البيانات التجارية، إلى عدم وجود سابقة تعامل تجاري بين البلدين في الأسلحة عامة، والأسلحة الصغيرة والخفيفة على وجه الخصوص.
وعبر الخبراء في مؤسسة “مسح الأسلحة الصغيرة” السويسرية، حددنا أن شركة “غراند باور” السلوفاكية صنعت هذا السلاح عام 2023.
تواصلنا مع شركة “غراند باور” عبر البريد الإلكتروني، لمعرفة كيفية وصول السلاح إلى اليمن، إلا أننا لم نتلقَّ أي رد في بداية الأمر.
عبر مصدر من داخل الشركة، حصلنا على معلومات عن أن قطعة السلاح من طراز X-Calibur MK23، جرى نقلها إلى شركة Kaliber Gun في التشيك، في العام نفسه، وهي الوكيل الموزع لمسدسات شركة “غراند باور” السلوفاكية، وإحدى حلقات الوصل بين أسلحة الشركة والدول المستوردة لها.
ويعاني اليمن اضطرابات منذ حراك عام 2011، وما أعقبه من نزاعات واضطرابات بين عناصر القاعدة في اليمن والجيش اليمني تارة، وبين الأخير وجماعة الحوثيين تارة أخرى، حتى بلغت الصراعات ذروتها عام 2014 باستيلاء الحوثيين على صنعاء. بعدها، توسعت دائرة الصراع في اليمن بتكوين تحالف عسكري تقوده السعودية عام 2015؛ لشن عملية عسكرية ضد جماعة الحوثي.
وعقب اشتعال الحرب في اليمن، حظر قرار مجلس الأمن -التابع للأمم المتحدة- رقم “2216”، توريد الأسلحة إلى كيانات وأفراد في اليمن؛ بما في ذلك الحوثيون.
يقول الدكتور إيان إيفرتون، المدير التنفيذي لمنظمة العمل ضد العنف المسلح، إن اتفاقيات تصدير الأسلحة غالباً ما تتضمن بنوداً تهدف إلى منع إعادة التصدير إلى دول خاضعة لحظر توريد الأسلحة إليها، أو تقييد التوريد.
عشرات المسدسات الأوروبية والأميركية :
تشير قاعدة بيانات التجارة في الأسلحة، التابعة للأمم المتحدة، إلى أن اليمن لم يستورد أسلحة صغيرة منذ عام 2016، ولم يتلقَّ أي شحنات من الأسلحة الخفيفة منذ عام 2013.
ومع ذلك، كشف تقرير صادر عن لجنة الخبراء بمجلس الأمن عام 2024، عن رصد مسدسات في سوق صنعاء للأسلحة، تحمل العلامات التجارية لسبع من كبرى الشركات الأوروبية والأميركية.
وثقت اللجنة عرض 98 قطعة من الأسلحة الصغيرة والخفيفة في ثلاثة محال أسلحة في صنعاء، رغم قرارات الحظر.
وحدد التقرير عشرة مسدسات غلوك نمساوية وأميركية الصنع، تُباع عبر وسائل التواصل الاجتماعي في مناطق سيطرة الحوثيين.
عقب نشر التحقيق، أغلق موقع التواصل الاجتماعي “إكس” صفحة هذا المتجر، لكنّنا كنا قد استطعنا توثيق بيع عدد من مسدسات غلوك الأميركية والنمساوية.
لغز ظهور غلوك في اليمن
تتبع معدا التحقيق مسدسين من نوع “غلوك”، يحملان رقمي تسلسل BYUF521 وBTGW987، كان متجر “غلوك” بصنعاء قد عرضهما على منصة “إكس”.
وللتأكد من أن صورتي المسدسين قد التُقطتا في اليمن، زار أحد أعضاء فريق التحقيق المتجر في صنعاء، وتأكد أن معالم المكان تتطابق مع الصورتين اللتين يظهر فيهما مسدسا “غلوك”.
كما تواصلنا مع صاحب المتجر، الذي أكد أن موقع “إكس” أغلق حسابه، وأن المسدسين بيعا خلال الفترة الماضية.
تواصلنا مع شركة “غلوك” النمساوية للاستفسار عن تاريخ صنع المسدسين من طراز Glock 19، لكنّنا لم نتلقَّ أي رد.
عبر الاستعانة ببريد إلكتروني آخر، تحدثنا إلى خدمة العملاء في شركة “غلوك” باعتبار أن ملكية المسدسين انتقلت إلينا. وردت الشركة علينا بأن تاريخ إنتاج أحد المسدسين يعود لأيلول/سبتمبر 2022، والآخر في شباط/فبراير 2021؛ ما يعني أن السلاحين وصلا إلى اليمن بعد نحو سبع سنوات من قرارات التقييد الأممية.
وعبر شريكنا الألماني “Paper Trial Media”، تواصلنا مع الشركة للسؤال عن وصول هذين السلاحين إلى اليمن، فردت الشركة بأنها لم تُصدّر أي أسلحة إلى اليمن، رافضة أن توضح جهة الشراء الوسيطة.
يقول العضو السابق في لجنة الخبراء المعينة من قبل مجلس الأمن في اليمن، كريس وولف، إن النمسا تلتزم بالمعايير الأوروبية المتعلقة بشهادات المُستخدِم النهائي، مستدركاً أن هذه الشهادة عبارة عن مجرد ورقة تؤكد بها الدولة المستوردة أنها ستستخدم الأسلحة، ولن يعاد تصديرها، وتسجل الشركة المستوردة هذه الشهادة في هيئة الرقابة على الصادرات، ثم تنتظر الموافقة على التصدير.
فيما يفصح رد هيئة مراقبة الأسلحة النمساوية عن جانب من عملية تحويل الأسلحة، تقول الهيئة إن لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة أرسلت لها عام 2023 صوراً وأرقاماً تسلسلية متنوعة لعشرات من مسدسات غلوك، التي عرضت للبيع في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن. وأسفر تحقيقها عن أن غالبية الأرقام التسلسلية ذات الصلة إما أنتجت في الولايات المتحدة وإما -في بعض الحالات- صُدّرت إليها برخصة تصدير نمساوية؛ وهو ما استدعى تقديم نتائج التحقيق إلى السلطات الأميركية لمتابعة الأمر، غير أن السلطات النمساوية ليس لديها علم بما أسفرت عنه التحقيقات الأميركية في هذا الصدد، حتى تاريخ ردها على فريق التحقيق.
وتشير هيئة مراقبة الأسلحة إلى أن الأسلحة المُصنَّعة في النمسا، لا تصدر حصرياً من النمسا إلى دول ثالثة؛ فمن جهة، يمتلك العديد من مُصنِّعي الأسلحة مواقع إنتاج في دول أخرى، ومن جهة أخرى، تلجأ إلى التجارة لتوزيع الأسلحة (داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه). وتعتمد مسؤولية مراقبة الصادرات على موقع المصدر.
وتشير إلى أن الرقمين المتسلسلين، اللذين وثقهما فريق التحقيق في اليمن، لا يندرجان ضمن قائمة المسدسات التي أحالتها لجنة العقوبات، مطالِبة بتزويدها بتفاصيل أكثر بشأنهما.
الدول الوسيطة
أسفر تحقيق لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة عن تحديد عدة دول وسيطة، تمر عبرها الأسلحة المصنعة في دول أوروبية وفي الولايات المتحدة وأميركا الجنوبية، وصولاً إلى اليمن.
وفي نيسان/أبريل 2025، ضبطت السلطات اليمنية في رأس العارة، بمحافظة لحج، شحنة مكونة من 800 مسدس غلوك، قادمة من اتجاه الساحل الغربي، ويُعتقد أنها كانت متوجهة إلى مناطق سيطرة الحوثيين.
وفي الجزء الأول من التحقيق، وثقنا أن المنافذ الحدودية، بين سلطنة عُمان واليمن، تتخذ طريقاً معتاداً لتهريب الأسلحة، كما أن بحر العرب، جنوبي اليمن، أصبح نقطة تهريب لآلاف القطع؛ إذ ضُبطت به 29 ألف و253 قطعة سلاح صغيرة وخفيفة، ونحو مليونين و380 ألف قطعة ذخيرة، في الفترة بين عامي 2015 و2023.
وفي بعض الحالات، تُدرج شحنات الأسلحة تحت مسمّيات مضللة؛ مثل “قطع غيار” أو “معدات زراعية” لتفادي تدقيق الجمارك.
يقول عضو لجنة الخبراء سابقاً، كريس وولف، إن جيبوتي كانت محطة لعبور مسدسات برازيلية، شُحنت عام 2015 على أنها مخصّصة لشرطة جيبوتي، لكنها انتقلت لاحقاً عبر شركة جيبوتية وهمية إلى اليمن.
توضح هيئة مراقبة الأسلحة النمساوية أنها تطبق العديد من التدابير؛ لتجنب خطر تحويل مسار الأسلحة. وتشمل هذه التدابير إرفاق ملفات تعريف تفصيلية للشركات، وسجلات المبيعات والإيصالات، وإقرارات الاستخدام النهائي، وبنود إعادة التصدير. ولا تعتمد تراخيص التصدير للأفراد والتجار إلا بموافقة السلطات المختصة في بلد المقصد.
يوضح كريس وولف أن جوهر مشكلة تحويل مسار الأسلحة يكمن في غياب إجراءات رقابية تتابع مسارها بعد التصدير، بما يضمن الالتزام بإقرارات المستخدم النهائي. في المقابل، تشير هيئة الرقابة على الأسلحة في النمسا إلى أنه جرى الاتفاق منذ عام 2025 على تنفيذ عمليات تحقق بعد الشحن ضمن نطاق مسؤوليتها، مع التركيز على الأسلحة عالية المخاطر؛ مثل بنادق القنص، غير أن أياً من هذه الضوابط لم يُطبق حتى الآن.