شهد ملف جنوب اليمن وتحديداً قضية شعب الجنوب، زخماً دولياً وإقليمياً متصاعداً يعبّر عن إدراكٍ متزايد لدى الأوساط السياسية والحقوقية العالمية بضرورة معالجة جذور الأزمة اليمنية على نحوٍ عادل يضمن تطلعات الجنوبيين في تقرير مصيرهم واستعادة دولتهم، باعتبارها الركيزة الأساسية لأي سلام شامل ومستدام في المنطقة.
دعوات المنظمات الدولية
ففي جلسات الدورة الـ60 لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان المنعقدة في جنيف، دعت المنظمة الدولية للبلدان الأقل نمواً (OIPMA) إلى إعادة هيكلة مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، بما يحقق التوازن والعدالة بين مكونات البلاد.واقترحت المنظمة في مداخلتها أمام المجلس تشكيل هيكل قيادي جديد يضم رئيساً فخرياً ونائبين يمثلان شؤون الشمال والجنوب، بما يعكس الواقع السياسي والجغرافي على الأرض، ويؤسس لمرحلة انتقالية أكثر شمولاً وعدلاً.كما طالبت بتشكيل حكومتين انتقاليتين؛ الأولى تتولى تحرير العاصمة صنعاء واستعادة مؤسسات الدولة من قبضة الميليشيات الحوثية، والثانية تُعنى بـ إعادة بناء مؤسسات الجنوب وترسيخ الاستقرار الأمني والإداري فيه، تمهيداً لقيام دولة فيدرالية تضمن حقوق جميع المكونات.وأكدت المنظمة أن هذه الرؤية تأتي في سياق دعمها لجهود السلام العادل والمستدام في اليمن، وتوزيع السلطات والمسؤوليات وفق مبدأ الشراكة الوطنية، بما ينهي حالة الصراع ويُمكّن المواطنين من إدارة شؤونهم السياسية والاقتصادية بحرية وعدالة.
البرلمان البريطاني
وفي موقف بريطاني لافت، أعرب مجلس البرلمان البريطاني في مذكرة مبكرة قُدمت خلال الدورة البرلمانية (2024–2026)، عن قلقه العميق إزاء استمرار الصراع والأزمة الإنسانية في اليمن، مشيراً إلى ضرورة تبني مقاربة شاملة تأخذ في الاعتبار التطلعات السياسية لشعب الجنوب.
وأكدت المذكرة أن أي سلام دائم في اليمن لن يتحقق دون الاعتراف بحق الجنوب في تقرير مصيره وتمثيله العادل في مفاوضات الحل السياسي، داعيةً الأمم المتحدة إلى تكثيف جهودها لتيسير عملية سلام شاملة وعادلة.
كما حثّ البرلمان حكومة المملكة المتحدة، بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي، على الضغط من أجل ضمان شمول القضية الجنوبية في مفاوضات الحل النهائي، وتشجيع الحوار بين الأطراف اليمنية في الجنوب والشمال والإقليمية والدولية لتحقيق مستقبل يقوم على العدالة والمواطنة المتساوية وتقرير المصير.
تحركات الانتقالي
في السياق ذاته، يواصل المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي تحركاته الدبلوماسية على الساحتين الإقليمية والدولية لإيصال صوت الجنوب إلى مراكز صنع القرار العالمي.فقد عقد وفد المجلس برئاسة محمد الغيثي، عضو هيئة رئاسة المجلس، الأسبوع الماضي سلسلة لقاءات في العاصمة الأمريكية واشنطن مع عدد من أعضاء الكونغرس الأمريكي بمجلسيه الشيوخ والنواب، حيث قدّم الوفد إحاطة شاملة حول مستجدات الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في الجنوب، مؤكداً على أهمية إدراج قضية الجنوب في أجندة أي مفاوضات سلام قادمة باعتبارها جوهر الأزمة باليمن والمنطقة.
تفاعل أوروبي
وفي العاصمة عدن، التقى الأمين العام للأمانة العامة لهيئة رئاسة المجلس الانتقالي عبدالرحمن جلال شاهر بوفد المعهد الأوروبي للسلام، ممثلاً بالمستشارين الإقليميين ثانوس بتوريس ولوكا نيفولا، لبحث سبل تعزيز الجهود الرامية لتحقيق السلام والاستقرار في الجنوب والمنطقة.وخلال اللقاء، أكد شاهر حرص المجلس الانتقالي الجنوبي، بقيادة الرئيس الزُبيدي، على دعم مسار السلام وتثبيت الأمن والاستقرار، مشيراً إلى أن النظر بواقعية إلى القضية الجنوبية يمثل مدخلاً أساسياً لإنهاء الصراع وتحقيق التوازن في بنية الدولة المستقبلية.وأشاد وفد المعهد الأوروبي بجهود المجلس في مختلف الجوانب السياسية والأمنية، مؤيداً ضرورة وضع القضية الجنوبية في مسارها الصحيح ضمن عملية السلام الدولية، وتبني الرؤى والمقترحات التي من شأنها تعزيز فرص الحل العادل والمستدام في الجنوب والشمال اليمني .
تحول نوعي
تؤشر هذه المواقف مجتمعة إلى تحول نوعي في الرؤية الدولية والإقليمية تجاه الجنوب، إذ باتت الأصوات المطالبة بتمكين الجنوبيين من تقرير مصيرهم تمثل اتجاهاً متزايداً داخل أروقة صنع القرار الدولي، مع تزايد القناعة بأن أي سلام في اليمن لن يكتمل دون معالجة منصفة لقضية الجنوب.ويُعد هذا التوجه مؤشراً على تصاعد الدعم السياسي والدبلوماسي لقضية الجنوب، بما يمهد الطريق أمام حل سياسي عادل يضمن للشعب الجنوبي حقه المشروع في إدارة أرضه وبناء دولته المستقلة، وفق تطلعاته الوطنية ومرجعياته التاريخية