تقرير / مريم بارحمة 

 

تعيش حضرموت لحظة سياسية فارقة تضعها في قلب التحولات الجنوبية المتسارعة، حيث يشهد الحقل القبلي في المحافظة إعادة تشكّل واسعة تستند إلى وحدة الصف الحضرمي والجنوبي وإعادة بناء التماسك الداخلي بين مختلف المكوّنات الاجتماعية. وتأتي هذه المرحلة في ظل إدراك جمعي أن استعادة الثروات والقرار وفرض السيادة على الأرض لن يتحقق إلا عندما تتقاطع الإرادة القبلية والشعبية مع المشروع الجنوبي العام، وبعيداً عن المصالح الشخصية أو النزاعات الفئوية.

 

تشهد المحافظة اليوم توافقاً لافتاً بين القوى الاجتماعية والقبلية، وقدرة غير مسبوقة على تجاوز الخلافات التي عطّلت دور حضرموت لسنوات. ويرى مراقبون أن هذا التقارب يفتح المجال أمام أبناء حضرموت لاستعادة دورهم الطبيعي كحماة للثروة والأرض، وتمكينهم من طرد ما تبقى من قوات الاحتلال اليمني وإعادة رسم المشهد الأمني والسياسي بما يتوافق مع الإرادة الشعبية الجنوبية.

 

 

 

-إجماع حضرمي يعيد رسم خريطة الحلف القبلي

 

اتجهت الأنظار في الأيام الماضية نحو الإجماع القبلي العريض على اختيار الشيخ خالد الكثيري رئيساً لحلف حضرموت، وهو إجماع لم يأتِ من فراغ، بل نتج عن إدراك واسع بأن الحلف بحاجة إلى إعادة بناء مؤسسية تتناغم مع توجهات دولة الجنوب العربي ورؤيتها الأمنية والتنموية. وترى شخصيات اجتماعية أن هذا الاختيار يعكس شعوراً عاماً بأن حضرموت يجب أن تعود إلى لعب دورها الحقيقي ضمن المشروع الجنوبي، وأن الحلف ليس كياناً مستقلاً أو بديلاً عن الدولة، بل جزء من نسيج أمني واجتماعي يصون الموارد ويحمي المكتسبات.

يأتي الإجماع القبلي أيضاً ليؤكد أن حضرموت بقبائلها ومقادمتها ووجهائها لا تقبل أن تكون جزءاً من لعبة سياسية ضيقة أو رهينة لقرارات فردية، بل تدرك أن مصلحة المحافظة تكمن في الاندماج مع السياق الجنوبي الذي يشكل لها عمقاً استراتيجياً ومظلة سياسية وأمنية واسعة.

 

 

 

-هيكلة متكاملة تعيد الحلف إلى موقعه الطبيعي

 

شهد الحلف عملية إعادة هيكلة واسعة تمت بطريقة سلمية ومؤسسية، هدفت إلى تصويب مساره بعد مرحلة من التباينات في المواقف بين القيادة السابقة والجهات الرسمية. ويؤكد مشاركون أن إعادة الهيكلة أعادت للحلف موقعه الطبيعي كإطار يخدم أبناء حضرموت ويعزز استقلالية القرار القبلي بعيداً عن الاستخدام السياسي المشوّه الذي طغى على المشهد خلال السنوات الأخيرة.

تأتي هذه الخطوة ضمن رؤية تهدف إلى إعادة التوازن السياسي الداخلي وإعادة التفاعل الإيجابي بين القبيلة والدولة، بما يخدم مشروع استعادة دولة الجنوب العربي ويمنح حضرموت موقعها الحقيقي كشريك في صناعة القرار الجنوبي لا كمنطقة معزولة أو معرضة للتجاذبات.

 

 

 

-تغيير القيادة استجابة للمرحلة لا صراع على النفوذ

 

تُعد خطوة تغيير قيادة الحلف ضرورة فرضتها طبيعة الظروف الأمنية والسياسية في حضرموت. وتؤكد مصادر قبلية أن القيادة الجديدة ستكون أكثر قدرة على التحرك السريع، وبناء الشراكات الفاعلة مع السلطات المحلية والعسكرية، بما يمكّن الحلف من أداء دوره الحقيقي في حماية الأمن والاستقرار بالمنطقة.

يُنظر إلى اختيار خالد الكثيري باعتباره تجسيداً لعملية تداول القيادة وإفساح المجال أمام دماء جديدة، وهو ما يعزز من فاعلية التمثيل داخل الحلف ويوسّع دائرة المشاركة التي افتقدها في مرحلة القيادة السابقة. كما يعكس هذا القرار توجهاً نحو تعزيز الشورى القبلية، والابتعاد عن احتكار القرار أو تسييسه لصالح جهات لا تتوافق مع المسار العام لحضرموت والجنوب.

 

 

 

-رمزية المكان رأس حويرة تكتب تاريخاً جديداً

 

يحظى اجتماع الحلف في منطقة رأس حويرة بضيافة قبائل سيبان كبرى قبائل حضرموت بدلالات كبيرة، فهو اجتماع يمنح قرارات إعادة الهيكلة ثقلاً قبلياً وتاريخياً لا يمكن التشكيك فيه. ويرى المراقبون أن اختيار هذا المكان بالذات يعكس رغبة القبائل في إرسال رسالة واضحة بأن القرار صادر من عمق حضرموت، وليس نتيجة ضغوط أو ترتيبات سياسية خارجية.

ويتعمق هذا الزخم بوجود مدير أمن ساحل حضرموت وقائد المنطقة العسكرية الثانية ومقادمة القبائل، وهو حضور يؤكد أن الأمن والقبيلة أصبحا مكوّنين متكاملين يعملان لهدف واحد هو حماية حضرموت واستعادة قرارها.

 

 

 

-تمرد بن حبريش نقطة الانعطاف التي عجّلت بالتغيير

 

برزت ملامح الأزمة داخل الحلف في السنوات الأخيرة عندما بدأ عمرو بن حبريش باتخاذ قرارات أحادية لا تعبّر عن رأي المكوّنات القبلية ولا تستند إلى إجماع قبلي، ما أدى إلى خروج الحلف عن مساره الطبيعي وتحوّله إلى كيان متصادم مع مؤسسات الدولة. وتؤكد مصادر متعددة أن قيادة بن حبريش وقعت في فخ تحويل الحلف إلى ذراع سياسية متوترة، في حين تأسس الحلف أصلاً كإطار قبلي جامع لحماية حضرموت ودعم السلطات الرسمية.

إضافة إلى ذلك، تسبب تمرده على توجيهات مجلس القيادة الرئاسي والسلطة المحلية والتحالف العربي في إضعاف الحلف وعزله عن المسار العام، وهو ما انعكس سلباً على دوره الأمني والقبلي. وخلقت هذه القرارات حالة من الارتباك عطّلت جهود مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وأضعفت الروابط بين الدولة والقبيلة.

 

 

 

-الآثار الملموسة للتمرد

 

أدى التمرد إلى خلق حالة فراغ قيادي داخل الحلف استغلتها جهات لا تريد استقرار حضرموت. وعوضاً عن أن يكون الحلف مظلة جامعة، أصبح جزءاً من حالة الصدام السياسي التي لم تخدم سوى الأطراف المناوئة للمشروع الجنوبي. كما تسبب احتكار القرار القبلي داخل الحلف في تعطيل دوره كمؤسسة تمثيلية جامعة، وفتح الباب لخلخلة البنية الاجتماعية والسياسية.

وتشير مصادر ميدانية إلى أن تأثيرات التمرد لم تقتصر على الجانب السياسي، بل طالت الجوانب الأمنية، حيث أضعفت التنسيق بين القبيلة والأمن، وعرقلت عمليات مكافحة الإرهاب والحد من انتشار المخدرات، وسمحت بتنامي الجريمة في بعض المناطق.

 

 

 

-استعادة القرار الحضرمي عودة للثوابت

 

تجسّد إعادة الهيكلة استعادة حضرموت لقرارها بعد مرحلة من الالتباس والتجاذب. ويؤكد المقادمة أن توافقهم يمثل رداً عملياً على فترة التفرد، وإشارة واضحة إلى أن القبيلة تملك القدرة على تصحيح مساراتها عندما تشعر بأن مستقبل المحافظة في خطر.

وتشير التحركات الأخيرة إلى أن حضرموت تعود اليوم إلى جذورها في العمل القبلي القائم على الشورى والحكمة، بعيداً عن النزعات الفردية التي جرّتها إلى التوتر والانقسام.

 

 

 

-التغيير ليس خطوة انتقامية

 

أجمع المشاركون في اجتماع إعادة الهيكلة على أن الإزاحة لم تكن خطوة شخصية أو ناتجة عن خلافات فردية، بل جاءت بعد تكرار التجاوزات وتجاهل اللوائح الداخلية للحلف. ويؤكدون أن القرار جاء استجابة لدعوات واسعة داخل الحلف والساحة القبلية العامة، وانسجاماً مع المصلحة العامة التي تفرض اليوم توحيد القرار وتحصين الصف الداخلي.

 

 

 

-بداية عهد جديد

 

يؤسس التغيير لمرحلة جديدة تقوم على الشورى القبلية والمؤسسية واحترام قرارات الدولة، ويعكس رفض حضرموت رهن مستقبلها لقرارات غير منسقة مع المشروع الجنوبي أو التحالف العربي. وتؤكد التحركات أن الحلف سيعود إلى دوره الحقيقي كإطار اجتماعي داعم للدولة، وذراع مجتمعي يسهم في تعزيز الاستقرار.

 

 

 

-شرعية القيادة الجديدة

 

يحمل حضور مدير أمن ساحل حضرموت وقائد المنطقة العسكرية الثانية رسالة واضحة بأن القيادة الجديدة تحظى بشرعية مؤسسية كاملة، وأن زمن الحلف الموازي قد انتهى. وتشير هذه الرسالة إلى أن أمن حضرموت جزء لا يتجزأ من أمن الجنوب، وأن الهياكل الجديدة للحلف ستعمل بانسجام تام مع السلطات العسكرية والأمنية، بما يمنع أي محاولة لاستخدام الحلف كأداة لإرباك المشهد.

 

 

 

-مرحلة استقرار سياسي واجتماعي جديد

 

تشير التطورات الأخيرة إلى أن حضرموت تضع قدميها بثبات على طريق استعادة دورها الريادي في الجنوب. وتبرهن القرارات الأخيرة أن القبيلة قادرة على إعادة بناء ذاتها وتوحيد صفها بما يخدم المصلحة العامة، ويعيد للحلف دوره الطبيعي في حماية المجتمع والدولة، انسجاماً مع التوجهات الجنوبية العامة.

تدخل حضرموت مرحلة جديدة عنوانها وحدة الصف، استعادة القرار، وتكامل القبيلة مع الدولة، ما يفتح الباب لمرحلة أكثر استقراراً وقوة، قادرة على مواجهة التحديات وفرض الإرادة الشعبية واستعادة السيادة الكاملة على الأرض الجنوبية.