كتب / جليلة الشاعري
حين أكتب عن الضالع، لا أكتب عن مدينة عابرة في الجغرافيا، بل عن نبض يسكن القلب، عن ذاكرة محفورة في تفاصيل الوجوه، في ملامح الجبال، في أصوات الأطفال التي تتردد في الأزقة.
الضالع ليست مجرد محافظة جنوبية، بل هي حالة وجدانية، تختصر في طياتها معاني الصمود، والكرامة، والتحدي.
لكنني اليوم لا أكتب عن ماضيها، بل عن مستقبلها.
عن تلك المسافة الفاصلة بين ما نحلم به وما نعيشه، بين الأمل الذي يسكننا، والعمل الذي ينتظرنا.
نشأتُ في الضالع، بين جبالها الشامخة ورجالها الصامدين .
عرفت من والدي معنى الانتماء للوطن والاخلاص والوفاء ، وتعلمت منهُ أن الكرامة لا تُشترى، وأن الصبر ليس ضعفًا بل قوة.
رأيت كيف ينهض الناس من تحت الركام، كيف يزرعون الأمل في أرض أنهكتها الحروب بكل انواعها، وكيف يبتسمون رغم الألم.
لكنني رأيت أيضًا وجوهًا أنهكها الانتظار، وعيونًا تبحث عن بارقة أمل في أفقٍ ملبدٍ بالغيوم. رأيت شبابًا يحملون الشهادات ولا يجدون عملًا، وأطفالًا يقطعون المسافات الطويلة إلى مدارس بلا أبواب ولا نوافذ الى مدارس بلا جدران تحت العراء.
رغم كل شيء، لا تزال الضالع تحلم. تحلم بمستقبل أفضل، بمدارس حديثة، بمستشفيات تليق بكرامة الإنسان، بطرقات تصل القرى بالمدن، وبفرص عمل تحفظ للشباب كرامتهم.
هذا الأمل ليس وهمًا، بل هو وقود الحياة. هو ما يجعلنا ننهض كل صباح، نكافح، ونؤمن أن الغد سيكون أفضل.
لقد رأيت بأم عيني مبادرات شبابية تنبت من رحم المعاناة.
رأيت شبابًا ينظفون شوارعهم، يرممون مدارسهم ومساجدهم، ويطلقون حملات توعية صحية وتعليمية.
رأيت نساءً يفتحن مشاريع صغيرة من منازلهن، متحديات كل الظروف. هذا هو الأمل حين يتحول إلى فعل.
لكن الأمل وحده لا يكفي.
لا بد من العمل، من التخطيط، من الإصرار. الضالع تحتاج إلى مشاريع تنموية حقيقية، إلى بنية تحتية تُبنى لا تُرمم فقط، إلى تعليم يُخرّج مفكرين لا مجرد حملة شهادات، إلى اقتصاد محلي يُبنى على الزراعة والصناعة الصغيرة، لا على المساعدات.
نحتاج إلى أن نؤمن بأن التغيير يبدأ من الداخل، من كل فرد فينا. أن نكف عن انتظار الحلول من الخارج، وأن نبدأ نحن في صناعة الفارق. أن نُعيد الثقة بأنفسنا، ونُعيد للضالع مكانتها كمنارة للوعي، ومهدٍ للنضال، وموطنٍ للكرامة.
الضالع تستحق أن نحلم لها، وأن نعمل من أجلها. تستحق أن نُعيد لها بريقها، وأن نُخرجها من دائرة الحرب إلى فضاء التنمية.
لا أحد سيبنيها سوانا، ولا أحد سيحمل همها غير أبنائها.
فلتكن خطواتنا القادمة مزيجًا من الأمل والعمل. لنُحسن الظن بالغد، لكن دون أن نغفل عن مسؤوليتنا تجاه اليوم.
لأن الضالع، بكل ما فيها من وجع وجمال، لا تزال تنتظرنا… تنتظر من يكتب فصولها القادمة، لا بالحبر، بل بالعرق، وبالإرادة، وبالإيمان.