المؤسسات القضائية بكل مكوناتها هي السلطة الثالثة في النظام السياسي لدولة الى جانب السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. والقضاء العمود الفقري لدولة وتقع علية مسؤولية فرض الرقابة الدستورية والإدارية على ممارسة أنشطتها باستثناء القرارات السيادية.
من اهم وظائفه حماية سمو الدستور، وسيادة القانون. ويسعى لتحقيق العدل بين الناس، ومن أجل ضمان نزاهة القاضي، وامانته تجاه مهنته اشترط المشرّع اليمني قبل أن يؤدي القاضي عمله ملزم بالقَسم المهني أمام الله والشعب، ليكون هذا القسم بمثابة عقد شرف وميثاق امانة عظيمة واخلاق سامية، وتعتبر اليمين المهنية من أهم المواضيع القانونية التي لها تأثير كبير على مسؤولية الشخص المكلف بادئها.
وتعد اليمين المهنية من المواضيع التي أثارت جدلا واسعا ومستمرا بين فقهاء القانون الدستوري والاداري منذ نشأتها، باعتبار اليمين كأساس لمباشرة الشخص المكلف بدائها لمهام وظائف أساسية من عدمها، وبالرغم من أهمية هذا الموضوع ودقته المشرع اليمني اشترطها على أي قاضي، ويحضر عليه الحنث بميثاق القسم المهني تحت أي ظرف من الظروف.
وأن حنث باليمين المهنية سقط في مستنقع الخيانة ومعها هوت ولايته القضائية يتوجب عليه الاستقالة طوعاً او العزل كرهاً. لماذا؟ الحنث خيانة عظيمة للغاية شرعاً وقانوناً واخلاقاً، وسقطت عنه الثقة تجاه لمن اقسم لهم باليمين المهنية وللأمانة اليمين المهنية قاعدة ملزم وليس مجرد شعائر او تقليداً طاؤوسينا.
المادة (85) من قانون السلطة القضائية اليمني رقم (1) لسنة 1991م وتعديلاته تنص على أن القاضي يقسم بالله العظيم أن يتمسك بكتاب الله وسنة رسوله، ويحترم الدستور والقانون، ويحكم بين الناس بالعدل، ويحافظ على شرف القضاء ومصالح الشعب، ويتصرف وفق واجباته القضائية.
هذا النص القانوني ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو قاعدة جوهرية تحوّل الوظيفة القضائية من سلطة إلى أمانة في عنق القاضي، وتجعل من احترام الدستور والقانون التزامًا شرعياً وأخلاقياً ومهنياً. فاليمين المهنية في قانون السلطة القضائية النافذ هو الرابط بين القاضي والشعب، وهو الضمانة الأولى لعدم تحول القضاء إلى أداة للظلم أو التسلط تجاوزاً لحدود اختصاصاته، وسوء استخدامها من خلال اتخاذ القرارات الإدارية لتعسفية ضد المواطن اهدرا لحقوقه التي يكفلها الدستور والقانون، ومخالفة للشرعية الدستورية ومعيب من حيث الاختصاص الوظيفي، وتعدياً صارخ على اختصاص البرلمان. هل بعد الحنث بالقسم ستجدون للوجه ماء؟ لا وعظمة رب العالمين لن تجدون في ذلك الوجه ذرةً من قطرة لشرف المهنة.
اللافت أن صيغة القسم المهنة القضائية تتوافق في جوهرها مع اليمين الدستورية المنصوص عليها في المادة (160) من الدستور، والتي يؤديها رئيس الجمهورية وأعضاء السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية قبل مباشرة مهامهم. فكلا القسمين يقومان على القسم بالله العظيم والتمسك بكتابه وسنة رسوله الكريم واحترام الدستور والقانون، وحماية مصالح الشعب.
وهذا التوافق يعكس فكرة مركزية أن القاضي مثل الحاكم لا يملك سلطة مطلقة، وإنما يمارسها في حدود الدستور والقانون، وتحت رقابة الشعب.
ويتضح جلياً ان الموافقة وإصدار قرار رئيس مجلس القضاء الأعلى رقم (41) بشأن تعديل قانون الرسوم القضائية النافذ خرقاً للدستور وحنث للقَسم المهنية.
ورغم وضوح هذه الالتزامات، فوجئ الرأي العام في اليمن بصدور القرار الاداري رقم (41) لسنة 2025م عن مجلس القضاء الأعلى، الذي عدّل قانون الرسوم القضائية. والذي يمثل مخالفة دستورية صريحة، لأن المادتين (12) و(13) من الدستور نصتا حصراً على أن فرض الرسوم أو تعديلها لا يكون إلا بقانون، ولا تملك أي سلطة أخرى هذا الحق والاختصاص الدستوري.
وبموافقتهم على القرار، يكون أعضاء مجلس القضاء قد أخلّوا بقَسمهم المهني، إذ حنثوا بما تعهدوا به من احترام الدستور والقانون. بل إن رئيس المحكمة العليا المتمتع بعضوية مجلس القضاء الأعلى وافق وشارك في إصدار القرار الطعين، وهو قانوناً رئيس الدائرة الدستورية المنوط بها دستوريا في نص المادة رقم (135) النظر قضائياً في الطعن المقدم امام المحكمة العليا – الدائرة الدستورية لمخاصمة ذلك القرار المخالف للدستور وقانون السلطة القضائية! وهذه الازدواجية تشكل تضارب مصالح يفقد العدالة حيادها ويهدم استقلال القضاء من أساسه. وللأسف الشديد ان رئيس المحكمة العليا للجمهورية جسد ذلك عمليا برفضه شخصياً قيد الدعوى الدستورية متحججاً على المدعين احضار أصل القرار رقم (41) لسنة 2025م الذي يعتبر معروفا بالشهرة. وقد تم تعميمه من وزارة العدل، وتطبيقه في كل المحاكم بما فيها المحكمة العليا للجمهورية ذاتها. وبينما في كل المحاكم الدستورية في العالم لا يتطلب احضار أصل القرارات واللوائح والأنظمة والقوانين المخالفة للمشروعية الدستورية، ورسوم تلك الدعاوى الدستورية عالميا معفية من الرسوم القضائية او برسوم زهيدة جدا، وبدليل ان القانون رقم (26) لسنة 2013م بشأن الرسوم القضائية حددت المادة رقم (28) منه رسوم الدعوى الدستورية مبلغ ثلاثة ألف ريال. بينما جاءت قيمة الرسوم على الدعوى والطعون الدستورية في القرار المطعون فيه رقم (41) لسنة 2025م بتعديل الرسوم القضائية في المادة رقم (28) "مبلغ ثلاثمائة ألف ريال"! ونترك للشعب المكره بتنفيذ ذلك القرار المخالف للدستور احتساب معدل النسبة المئوية بين قيمة الرسوم في القانون لتلك الدعوى، وقيمة التعديل في القرار الطعين لنفس الدعوى، وحينها ستعرفون العجب العجاب لنموذج واحد فقط من أوجه التعديل.
وعلاوة على ذلك وتحسبا لتك الحجة الوهمية لفضيلة القاضي العلامة رئيس المحكمة العليا رئيس الدائرة الدستورية ارفق المدعون وهم أستاذ وطلاب القانون الدستوري بكلية الحقوق قسم القانون العام -جامعة عدن طلب قانوني مستعجل بإلزام المدعى عليه بتسليم أصل القرار المطعون لمخالفته للدستور والقانون وفقاً للأسس الدستورية والقانونية والفقهية كما يلي:
تنص المادة (51) من الدستور على أن: (يحق للمواطن أن يلجأ إلى القضاء لحماية حقوقه ومصالحه المشروعة وله الحق في تقديم الشكاوى والانتقادات والمقترحات إلى أجهزة الدولة ومؤسساتها بصورة مباشـرة أو غيـر مباشـرة.)
تنص المادة (1) من قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 1991 على أن: (القضاء سلطة مستقلة في أداء مهامه، والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية جهة وبأية صورة التدخل في القضايا أو في شأن من شؤون العدالة، ويعتبر مثل هذا التدخل جريمة يعاقب عليها القانون، ولا تسقط الدعوى فيها بالتقادم). وكذلك المادة رقم (2) من نفس القانون نصت على (المتقاضون متساوون أمام القضاء مهما كانت صفاتهم وأوضاعهم.)
نصت المادة (8) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المصادق عليه من الجمهورية اليمنية (على كفالة الحق في مراجعة القضاء دون عوائق.)
استقر الفقه والقضاء الدستوري المقارن على أن حجب المستندات الرسمية اللازمة لإثبات دعوى دستورية يُعد تعسفاً في استعمال السلطة، ويقوم مقام الإقرار الضمني بصحة ما يزعمه المدعون.
وبما ان القرار المطعون مستند من مستندات الدعوى الدستورية وذاته موضوع المخاصمة. وهو معروف بالشهرة والتعميم على المحاكم بدرجاتها وانواعها، ويمس كل المواطنين من حيث التقاضي والخدمات القانونية التي ينظمها مصفوفة من القوانين النافذة يتمسك المدعون بإلزام المدعى عليه بتسليم مستند أصل القرار موضوع الطلب والدعوى الدستورية استناداً الى نصوص واحكام المواد (112,113, 114, 115, 116, 117, 118, 119. 120) من قــرار جمهوري بالقانون رقم (21) لسنة 1992م بشــأن إثبات النافذ وتعديلاته.
ان اصرار رئيس المحكمة العليا للجمهورية - رئيس الدائرة الدستورية على عدم قيد الدعوى الدستورية لمخاصمة القرار الإداري المطعون فيه يعتبر انكاراً للعدلة بحكم القانون من ناحية، ومن ناحية أخرى أعلن انحيازه الى جانب مصدر القرار الطعين من خلال موافقته على ذلك القرار بحكم عضويته في مجلس القضاء الأعلى. وكان من واجبه القانوني ان يوجه الى الشؤون القضائية بقيد الدعوى الدستورية, وعند نظر الدعوى الدستورية يعطي المدعى عليه فرصة في تقديم دفع بعدم احتوى حافظة مستندات الدعوى على أصل القرار المطعون فيه. لكنه للأسف الشديد حل محل المدعى عليه عندما طلب أصل القرار وهو يدرك تماماً ان أصل ذلك القرار او صورة طبق الاصل لم يوزع حتى على المحاكم. واصرار رئيس المحكمة العليا رئيس الدائرة الدستورية للأسف الشديد قد اصابنا اليأس في مخاصمة القرار الإداري المخالف للمشروعية الدستورية امام المحكمة المختصة دستوريا بدون أي مسوغ قانوني. ولم يكن امامنا غير محكمة الشعب المباشرة من خلال بوابات السلطة الرابعة مثل والصحف والمواقع الالكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، ونحن المدعون وهم الناشرون لهذه الواقعة بوصفها سابقة خطيرة لم تشهدها النظم القضائية في العالم. ولكي نسجل بين دفات صفحات التاريخ هذا الموقف دفاعاً عن المشروعية الدستورية. ومن خلالها نرفع الامر الى السلطة السياسية في البلد أصحاب الفخامة رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي لوضع حدا لهذه الفضيحة التاريخية لمجلس القضاء الأعلى في الجمهورية اليمنية.
في يوم الأحد تاريخ 07 أغسطس, 2022 – في الساعة 03:35 مساءً أدوا أعضاء مجلس القضاء الأعلى اليمين للمهنة القضائية امام فخامة رئيس الجمهورية د. رشاد العليمي. وسجل، وبثت مراسيم قسمهم على القنوات الفضائية، وهي ليس مجرد كلام يقال او ينشر بل هو التزام قانوني وعقداً ملزماً أمام الله والشعب. والحنث به تعني سقوط الشرعية القانونية والمهنية عن رئيس وأعضاء مجلس القضاء الاعلى، ومعه فقدت الثقة الشعبية والمهنية في صحة قيادة ذلك المجلس للهيئات القضائية. وبالتالي يصبح بقائهم في مناصبهم خطرًا على العدالة والمشروعية الدستورية لمستقبل القضاء اليمني.
ولم تكن التجاوزات القضائية في تاريخ الدول تمر دون حساب: ففي الولايات المتحدة الأمريكية، عزل قضاة اتحاديون بسبب خيانة اليمين المهنية أو التورط في مخالفات دستورية. وفي جمهورية مصر العربية، أحيل قضاة إلى مجلس التأديب والعزل عندما خالفوا التزاماتهم الدستورية أو أساؤوا إلى هيبة القضاء. وفي أوروبا، شهدت حملة محاسبة صارمة ضد قضاة تورطوا في الفساد السياسي والاداري، وتم عزلهم، وفقدوا مناصبهم مدى الحياة.
وهذه الأمثلة تؤكد أن القاضي الذي يحنث بيمينه لا يعاقب فقط تأديبياً، بل يسقط عنه شرف الانتساب للقضاء ويفقد وظيفته التي بنيت على القسم المهني.
إن أخطر ما يترتب على مخالفة القسم المهني هو اهتزاز الثقة بين الشعب والقضاء. فالمواطن حين يشعر أن القضاة وهم حماة الدستور والقانون قد خانوا الأمانة المهنية، لن يعودوا إلى المحاكم طلباً للعدل، بل سيلجأ إلى وسائل أخرى قد تهدد السلم الأهلي. وانتشار ظاهرة عرقلة التقاضي امام المحاكم من خلال تقديم الدفوع القانونية بعدم دستورية القرار رقم (41) لسنة 2025م استناداً الى نص المادة رقم (186/7) من القانون رقم (40) لسنة 2002م بشأن المرافعات والتنفيذ المدني وتعديلاته وهي دفوع قانونية متعلقة بالنظام العام لن يتجاوزها قضاة المحاكم الشرفاء.
ومن هنا نتوجه بهذه الاستغاثة الى فخامة رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي:
إن استمرار القرار (41) نافذاً يعني احداث ازمة دستورية ساحقة من خلال إرساء وتكريس مبدأ غريب: أن مجلس القضاء الأعلى فوق الدستور، وفوق القانون، وفوق مجلس النواب، وأن القسم المهني لرئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى ليس مجرد كلمات بلا قيمة، وهو ما لا يمكن أن يقبله الشعب وفئاته من حقوقيين، وقانونيين، وأساتذة القانون، والمحاميين، وطلاب القانون، ومنظمات المجتمع المدني الحقوقية، ونقابات المحاميين وما في حكمها.
وعليه، فإننا نرفع نداء استغاثة لضرورة القصوى لرسالتنا هذه فخامتكم، بضرورة التدخل لحماية الدستور، والقانون ومحاسبة من خانوا يمينهم القانونية المهنية، وحماية المشروعية الدستورية من الفوضى التشريعية، واتخاذ الإجراءات الواجبة.
إن الشعب اليمني والمؤسسات القضائية والادارية يستحق مجلس اعلى بقضاةً يتمتعون بالنزاهة وافياء بالعهد والقسم بالله، ويحافظون على كتاب الله وسنة رسوله، ويحترمون الدستور والقانون ويحافظون على مصالح الشعب.
والقيادة السياسية اليوم أمام امتحان تاريخي: إما أن تحمي الدستور وتستعيد الثقة بمجلس القضاء الاعلى، أو يترك الحبل على الغارب لانتهاك المشروعية، والعدالة تنهار في ظلال الحركة التصحيحية الشجاعة التي يشهدها المجال الاقتصادي بأشراف فخامتكم وتنفيذ رئيس الحكومة.