يمر الجنوب العربي بمرحلة مفصلية وحاسمة في تاريخه المعاصر، تتطلب قيادة حكيمة ورؤية استراتيجية قادرة على الموازنة بين طموحات التحرير والاستقلال وبين تعقيدات الواقع السياسي والأمني المعقد. في هذا السياق، جاء قرار المجلس الانتقالي الجنوبي بتعيين شخصية ذات ثقل وخبرة لقيادة هيئته السياسية. ومن منظور حزب الخضر الجنوبي، الذي يمثل تيارًا واعيًا بأهمية البناء المؤسسي والالتزام بالمبادئ الوطنية، فإن اختيار الأستاذ الشَّرَفِي لرئاسة الهيئة السياسية لم يكن مجرد تبديل إداري، بل كان خطوة استراتيجية صائبة تعكس فهمًا عميقًا لمتطلبات المرحلة.
تميزت مسيرة الأستاذ الشَّرَفِي، سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي، بالقدرة على بناء التحالفات وتجاوز الخلافات الضيقة، وهي صفات ضرورية لقيادة هيئة سياسية تمثل طيفًا واسعًا من المكونات الجنوبية المتنوعة. إن الهيئة السياسية هي العقل المدبر للمجلس الانتقالي، وهي المسؤولة عن صياغة الخطاب الموحد وترجمة الأهداف الكبرى إلى خطط عمل قابلة للتطبيق. وفي ظل استمرار التحديات الأمنية والجمود النسبي في مسارات الحل الشامل، كان من الضروري أن يتولى هذه القيادة شخص يمتلك القدرة على الحفاظ على زخم القضية الجنوبية دون الانزلاق إلى مربع الاستقطاب الداخلي غير المنتج.
إن تقييم صوابية أي اختيار قيادي يعتمد على مدى توافق قدرات هذا الشخص مع متطلبات المرحلة. المرحلة الحالية تتطلب دبلوماسية هادئة وقدرة على التفاوض الفعال، مصحوبة بحضور قوي ومقبول دوليًا وإقليميًا. يمتلك الشَّرَفِي سجلًا في التعامل مع الملفات الحساسة، مما يعزز موقعه كقائد قادر على إدارة الحوارات المعقدة، سواء مع الأطراف اليمنية الأخرى أو مع دول المنطقة والتحالف الداعم. هذه القدرة على بناء الجسور بدلاً من حرقها هي ما يميز القيادة الناجحة في ساحات النزاع المعقدة مثل الساحة الجنوبية.
علاوة على ذلك، فإن تعيينه يعكس توجهًا نحو تعزيز الجانب المؤسسي في عمل المجلس. الهيئة السياسية ليست مجرد واجهة، بل هي مركز صنع القرار الذي يحتاج إلى إدارة تتسم بالانضباط والشفافية. وبما أن الانتقالي يسعى لتحقيق الاعتراف الدولي باستعادة الدولة، فإن قيادة هيئته السياسية بشخصية تملك المصداقية وتلتزم بالعمل المؤسسي الرصين تصبح حجر الزاوية في هذا المسعى. إن الالتزام بالعمل ضمن الأطر التنظيمية يقلل من مخاطر القرارات الفردية غير المدروسة ويزيد من فاعلية المخرجات السياسية للمجلس ككل.
من زاوية حزب الخضر الجنوبي، الذي يركز على التنمية المستدامة وحفظ البيئة كركيزتين أساسيتين للمستقبل الجنوبي، نرى في قيادة الشَّرَفِي فرصة لدمج هذه الأولويات ضمن الأجندة الوطنية الشاملة. فالمشاريع التنموية المستدامة لا يمكن أن تتحقق في ظل حالة من الفوضى السياسية أو الإدارية. إن توفير غطاء سياسي مستقر وفعال هو الشرط الأول لتمكين أي أجندة تنموية من أن ترى النور.
لهذا السبب، نؤمن بأن صوابية الاختيار تنبع من فهم الحاجة إلى قيادة قادرة على توحيد الجهود نحو أهداف المرحلة. لقد أظهرت التجربة أن القيادات التي تعتمد على الكاريزما المفرطة دون عمق استراتيجي غالبًا ما تتعثر عندما تواجه تحديات تتطلب عملًا تنظيميًا دقيقًا. أما الأستاذ الشَّرَفِي، فيمثل نموذجًا للقيادي الذي يجمع بين الرؤية الواضحة والقدرة على العمل ضمن هيكل تنظيمي معقد. هذا التوازن ضروري لضمان استمرارية العمل السياسي وعدم توقفه بتوقف شخص معين، وهو ما يمثل تحديًا دائمًا للحركات السياسية الناشئة.
إن الشَّرَفِي هو “الرجل المناسب في المكان المناسب” ليس مجرد تعبير عن الدعم السياسي، بل هو تقييم واقعي لمدى توافق خصائصه القيادية مع الاحتياجات الملحة للساحة الجنوبية في الوقت الراهن. المرحلة تتطلب رئيسًا للهيئة السياسية يستطيع استيعاب التباينات وتوجيه البوصلة نحو الهدف الأسمى، مع الحفاظ على علاقات عمل إيجابية مع جميع الأطراف الفاعلة محليًا وإقليميًا. هذا الدور القيادي يتطلب حصافة وتوازنًا، وهما صفتان طالما رافقتا مسيرة الأستاذ الشَّرَفِي.
في الختام، يمكن التأكيد على أن قرار المجلس الانتقالي الجنوبي بتعيين الأستاذ الشَّرَفِي رئيسًا للهيئة السياسية يمثل قرارًا حكيمًا ومدروسًا. إنه يعكس نضجًا سياسيًا في إدراك أهمية اختيار القادة بناءً على الكفاءة والتوافق مع متطلبات المرحلة التاريخية. إن التحديات التي تواجه الجنوب كبيرة، وتتطلب قيادة قادرة على الصمود والتفاوض والتنظيم. وبناءً على سجل أدائه السابق والتحديات الراهنة، فإن الشَّرَفِي هو بالفعل الشخص الذي يمكنه تولي هذه المسؤولية الكبيرة والمضي قدمًا في مسار استعادة الدولة الجنوبية وتحقيق تطلعات شعبها، مؤكدًا أن الاختيار كان صحيحًا وصائبًا.
#دوله_الجنوب_العربي