لا يزال الاتفاق النووي المدني بين الولايات المتحدة والسعودية بعيدا عن الاكتمال، إذ تصطدم المفاوضات بإصرار السعودية على حقّها في تخصيب اليورانيوم ورفض الولايات المتحدة ذلك ضمن ما يُعرف بـ”المعيار الذهبي” لمنع الانتشار. وبين ضغوط الكونغرس ومواقف الإدارة الأميركية وتطلع المملكة إلى تطوير برنامج نووي متقدم، تظلّ الصفقة معلّقة في منطقة رمادية دون جدول زمني واضح لإنجازها.
واشنطن - رغم الود الواضح الذي اتسم به اللقاء الأخير بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض، أفادت التقارير بأن إتمام اتفاقية رسمية للتعاون النووي المدني بين الولايات المتحدة والسعودية لا يزال بعيد المنال.
وتقول الكاتبة راشيل أوزوالد في تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” إن نقطة الخلاف الرئيسية حُدّدت على أنها إصرار الرياض المستمر على حقّها في تخصيب اليورانيوم محليّا.
ورغم أن البيت الأبيض ووزارة الطاقة الأميركية سلّطا الضوء على توقيع “إعلان مشترك بشأن استكمال المفاوضات”، إلا أن اتفاقية “123” الرسمية التي يتعيّن على الكونغرس مراجعتها قانونيا لم تُبرم بعد، دون تحديد جدول زمني لإتمامها. وتُجيز هذه الاتفاقية، المسماة نسبة إلى بند من قانون الطاقة الذرية لعام 1954، تصدير المفاعلات والمعدات والوقود النووي الأميركي.
وطالما كان الأمير محمد بن سلمان يكرر تعبيره عن رغبته في امتلاك سلاح نووي، لاسيما إذا امتلكته إيران. ونتيجة لذلك قاومت حكومته قبول ضمانات منع الانتشار التي اعتبرتها الإدارات الأميركية المتعاقبة شرطا أساسيا للوصول إلى التكنولوجيا والخبرة النووية الأميركيتين.
وتُصرّ واشنطن على أن تتبنى المملكة الخليجية ما يُسمى “المعيار الذهبي”، وهو تعهد بالتخلي عن إعادة معالجة الوقود النووي المُستنفد وتخصيب اليورانيوم، وهما المساران الرئيسيان لإنتاج المواد الانشطارية اللازمة لصنع رأس حربي نووي.
ولاحظ هنري سوكولسكي، المدير التنفيذي لمركز تعليم سياسات منع الانتشار، جهدا مُبذولا لخلق انطباع الوفاء بالموعد النهائي. وأشار إلى وجود فريق تفاوض سعودي في واشنطن لعدة أسابيع، محدّدا أنه لو كان الهدف هو التوصل إلى اتفاق نموذجي، لكان الأمر واضحا ومباشرا.
وأضاف أنه في حين قد يعتبر الكثيرون الإعلان المشترك التزاما بإبرام صفقة، إلا أنه يُمكن تفسيره أيضا على أنه إشارة إلى أن الجانبين لم يتوصلا بعد إلى اتفاق، وكانا يتوقعان النجاح بحلول ذلك الموعد.
واشنطن تُصرّ على أن تتبنى الرياض ما يُسمى “المعيار الذهبي”، وهو تعهد بالتخلي عن إعادة معالجة الوقود النووي المُستنفد وتخصيب اليورانيوم
وأشار الرئيس ترامب خلال تصريحات أدلى بها أثناء جلوسه بجانب ولي العهد السعودي في المكتب البيضاوي إلى أنه ليس في عجلة من أمره لإبرام اتفاقية تجارة نووية. وعندما سُئل عما إذا كان سيتم التوصل إلى اتفاق رسمي قريبا، قال إن ذلك ممكن، لكنه أكد أنه ليس أمرا مُلحا.
وفي مقابلة لاحقة أوضح وزير الطاقة الأميركي كريس رايت، الذي وقّع الإعلان المشترك مع نظيره السعودي، أنه لن يُسمح للرياض بتخصيب اليورانيوم كجزء من أي اتفاق نووي ثنائي.
وبيّن أن الاتفاق يتعلق ببناء محطة طاقة باستخدام التكنولوجيا الأميركية، وأن الصفقة النهائية المُقدمة إلى الكونغرس ستكون اتفاقية “123”، وتركز حصريا على الطاقة النووية المدنية لتوليد الكهرباء، مع استبعاد التخصيب أو أي شيء يتعلق بالأسلحة.
وأصرّ أعضاء مجلس الشيوخ الذين يقودون النقاش في الكونغرس حول أية اتفاقية “123” محتملة على أن تقبل الرياض بالمعيار الذهبي، كما فعلت الإمارات العربية المتحدة عام 2009.
وصرحت السيناتورة جين شاهين، كبيرة الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بأن أي اتفاقية تعاون نووي مدني مع السعودية يجب أن تشمل عمليات تفتيش مُعززة، وأن تقبل البلاد الالتزام بالمعيار الذهبي، بما يضمن عدم تخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجة البلوتونيوم. وجادلت بأن نية المملكة المعلنة لامتلاك أسلحة نووية إذا فعلت إيران ذلك تستدعي توخي الحذر الشديد، وأن على الولايات المتحدة تجنب تأجيج سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط.
وقال نظيرها الجمهوري، السيناتور جيمس ريش، إن هناك فرصة جيدة للتوصل إلى اتفاقية “123” مع الرياض، لكنه أكد على ضرورة تضمين المعيار الذهبي. كما أفادت التقارير بأن السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام تحدث بنبرة أقل حدة بشأن صفقة نووية محتملة مع السعودية التي وصفها بالحليف الجيّد.
وأشار إلى أن مسألة تطوير قدرات نووية سلمية في المملكة ستكون محور نقاش منفصل في وقت لاحق، لافتا إلى احتياطيات اليورانيوم الكبيرة في البلاد، وملمحا إلى أن التخصيب قد يكون جزءا من اتفاقية أوسع لمنع الانتشار.
ونظريا، يمكن أن يرفض الكونغرس أي اتفاقية نووية، لكن هنري سوكولسكي أوضح أن ذلك يبقى صعبا للغاية عمليا بسبب الفيتو الرئاسي. ومع ذلك أشار إلى أنه لا يزال من الممكن اعتماد عملية الرقابة في الكونغرس للضغط من أجل تقديم تنازلات أو تعديلات على اتفاقيات التعاون النووي