في مشهدٍ يجسد حالة الانفصام بين مؤسسات الشرعية وواقع اليمنيين المنهك، أثار الاجتماع التشاوري الذي عقده مجلس النواب اليمني الخميس الماضي عبر الاتصال المرئي، برئاسة الشيخ سلطان البركاني، موجة انتقادات حادة، بعدما وصف مراقبون الاجتماع بأنه دليل إضافي على تآكل شرعية مؤسسات الدولة، وعجزها عن ممارسة مسؤولياتها داخل الوطن.
الاجتماع الذي خُصص لمناقشة ما وصفه النواب بـ"المخالفات الدستورية والإدارية والمالية" في مؤسسات الدولة، تحوّل سريعًا إلى نموذج صارخ من التناقض السياسي؛ إذ وجّه المجلس اتهامات للحكومة ومجلس القيادة الرئاسي بالفساد وسوء الإدارة، في حين اعتبر كثيرون أن المجلس نفسه جزء رئيسي من معادلة الفشل والتقاعس التي أوصلت البلاد إلى هذا الوضع.
برلمان من الخارج.. ومؤسسات غائبة
البيان الصادر عن مجلس النواب بتاريخ 30 أكتوبر 2025 لم يحدد مكان انعقاد الاجتماع، مكتفيًا بالإشارة إلى أنه جرى "عبر الاتصال المرئي"، في إقرار ضمني بأن المجلس لا يزال يعمل من فنادق الخارج، بعيدًا عن أرض الوطن التي يدّعي تمثيلها.
ويرى مراقبون أن هذا الاجتماع الافتراضي لا يعدو كونه استعراضًا سياسيًا بلا أثر فعلي، ويعكس عجز البرلمان عن الانعقاد داخل اليمن بسبب الانقسامات الحادة وفقدان السيطرة الميدانية، ما يجعل حديثه عن الرقابة والمساءلة نوعًا من المفارقة المؤلمة.
وقال ناشط سياسي إن “مجلس النواب الذي فقد شرعيته الزمنية والمكانية لم يعد يملك الحد الأدنى من المصداقية، إذ يعيش أعضاؤه في الخارج منذ سنوات، بينما يتحدثون عن معاناة الشعب الذي يواجه الجوع والبطالة وانهيار الخدمات دون أن يروا ذلك بأعينهم”.
حكومة عاجزة وقيادة منقسمة
وخلال الاجتماع، تناول النواب ما وصفوه بـ"المخالفات المالية والإدارية والانتهاكات القانونية" داخل مؤسسات الدولة، محمّلين الجهات التنفيذية مسؤولية الأوضاع المأساوية التي يعيشها المواطنون.
لكن مراقبين يرون أن الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي لا يقلان فشلًا عن البرلمان، إذ تحولا – بحسب وصفهم – إلى كيانات شكلية تفتقر للفاعلية والقرار الموحد، في ظل صراعات داخلية وتنازع نفوذ بين المكونات المختلفة.
وقال خبير اقتصادي إن “الشرعية باتت كيانًا منقسمًا على ذاته؛ حكومة تتقاذفها الولاءات، ومجلس قيادة عاجز عن إدارة التوازنات، وبرلمان غائب عن أرضه، وكل ذلك يدفع بالبلاد نحو مزيد من الانهيار والفوضى”.
شرعية "منتهية الصلاحية" تبحث عن شماعة
اللافت – بحسب متابعين – أن الاجتماع اكتفى بلوم جهات أخرى على ما وصفه بـ"الأوضاع المأساوية"، متجاهلًا مسؤولية المجلس نفسه في تمرير الحكومات الفاشلة والتغطية على الفساد طيلة السنوات الماضية.
واعتبر محللون أن محاولة البرلمان تحميل الحكومة والقيادة وحدهما المسؤولية تثير السخرية أكثر مما تقنع، لأن مؤسسات الشرعية الثلاث – البرلمان، الحكومة، ومجلس القيادة – تشترك جميعًا في إنتاج المشهد الحالي من الفساد والتدهور والعجز.
وقال أحد المراقبين إن “ما يجري يؤكد أن الشرعية فقدت صلاحيتها السياسية والأخلاقية، وأن استمرارها بهذا الشكل لم يعد يخدم سوى مصالح قادتها الذين يعيشون في الخارج ويتبادلون الاتهامات بينما يدفع المواطن الثمن”.
أزمة شرعية شاملة
ويرى خبراء أن الأزمة لم تعد مجرد "أخطاء في الأداء"، بل أزمة بنيوية شاملة في شرعية الدولة اليمنية المعترف بها دوليًا، التي فشلت في بناء نموذج حكم فاعل أو تقديم بديل مقنع للانقلابيين في صنعاء.
ويؤكد المراقبون أن استمرار هذه الحالة من الشلل المؤسسي والتنازع السياسي سيؤدي إلى مزيد من تآكل ثقة الشارع، وربما إلى فقدان ما تبقى من الغطاء الشعبي للشرعية ما لم يُتخذ إصلاح جذري يعيد هيبة الدولة ويضع حدًا للفوضى والفساد.