استطلاع : مريم بارحمة
تشهد كليات التربية ومهنة التدريس في العاصمة عدن ومحافظات الجنوب تراجعًا ملحوظًا في أعداد الطلاب، مما يشكّل تهديدًا حقيقيًا لمستقبل التعليم والأجيال القادمة. وللتصدي لهذا الخطر وضمان استدامة مهنة التدريس، نظم مركز "مدار للدراسات والبحوث" ورشة عمل متخصصة بعنوان: "التعليم بين العزوف والاستدامة.. مسؤوليتنا جميعًا"، برعاية الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي.
شارك في الورشة نخبة من عمداء كليات التربية وخبراء تربويين وأكاديميين، إلى جانب ممثلين عن وزارة التعليم العالي والتربية ومنظمات المجتمع المدني، لمناقشة أسباب تراجع الإقبال على كليات التربية ووضع حلول واستراتيجية فعّالة لتعزيز التعليم وتشجيع الطلاب على الالتحاق بهذه الكليات.
وخلال الورشة أكد الأستاذ نزار هيثم، عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي وممثل المجلس في الفعالية، في كلمته أن "المجلس الانتقالي الجنوبي يضع التعليم في قلب مشروع بناء الدولة الجنوبية الحديثة، ويولي اهتماماً خاصاً برفع مكانة المعلم وتحسين جودة التعليم، باعتباره أساس النهضة الوطنية".
كما شدد البروفيسور د. فضل عبدالله الربيعي، وكيل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ورئيس مركز مدار على "أهمية الشراكة المجتمعية في معالجة ظاهرة عزوف الطلاب عن كليات التربية، وإعادة تأهيل المعلمين، وتطوير المناهج بما يتواكب مع متطلبات العصر".
في هذا الاستطلاع نسلط الأضواء على آراء نخبة من عمداء الكليات وخبراء تربويين وأكاديميين مشاركين بالورشة العلمية لمعرفة :
أبرز الأسباب التي تدفع الطلاب للعزوف عن الالتحاق بكليات التربية في العاصمة عدن ومحافظات الجنوب؟ وكيف يمكن استعادة مكانة المعلم وتحسين صورة مهنة التدريس في المجتمع؟ وما أبرز التحديات التي يواجهها المعلم اليوم، وما الحلول الممكنة؟ وما جدوى إدماج التدريب العملي في سنوات الدراسة الأولى بكليات التربية؟ وما المبادرات الأكثر فعالية لتحفيز الطلاب على اختيار كليات التربية؟ وكيف يمكن تحسين جودة التعليم والمخرجات الأكاديمية؟ وما الدور الذي يجب أن تضطلع به الجهات الرسمية والمجتمع المدني في دعم التعليم؟ وكيف يمكن بناء شراكات استراتيجية مستدامة بين الجامعات وقطاع التعليم؟
-عزوف الطلاب
الدكتورة نوال جواد أوضحت أن تراجع الإقبال على كليات التربية يعود إلى جملة من العوامل المتداخلة، أبرزها ضعف الحوافز المادية والمعنوية لمهنة التعليم وغياب الاستقرار الوظيفي، إضافة إلى ازدحام سوق العمل بخريجي التخصصات التربوية مقابل محدودية فرص التوظيف. وأشارت إلى أن النظرة الاجتماعية التي لا تعطي التعليم مكانته الحقيقية، إلى جانب ضعف البنية التحتية والدعم المخصص لكليات التربية، تدفع كثيراً من الطلاب إلى اختيار تخصصات يرونها أكثر جدوى لمستقبلهم المهني.
-رؤية شاملة لإصلاح التعليم
بدورها الأستاذة إيمان موسى، مديرة دائرة التعليم العام في هيئة التعليم والشباب والرياضة، رؤية شاملة لإصلاح التعليم وتأهيل المعلمين، مؤكدة ضرورة خطة طوارئ لإعادة بناء النظام التعليمي بعد الحرب. ركزت أبرز مقترحاتها على:
إصدار استراتيجية عاجلة لتعافي التعليم. وتحديث المناهج وتعميم تدريس الحاسوب واللغات، ورفع رواتب المعلمين (300 دولار للمدارس وألف دولار للجامعات)، وإنشاء صندوق دعم التعليم من عائدات النفط والقطاع الخاص، وتأهيل كليات التربية وبرامج تدريب بالشراكة الدولية، وعقد شراكات مع جامعات عربية وتخصيص منح لأوائل الثانوية، وإطلاق حملة إعلامية لتحسين صورة مهنة التدريس، وتنظيم ورش تعريفية لطلاب الثانوية بالتخصصات التربوية، وإشراك المجتمع والقطاع الخاص في دعم التعليم، وكذلك استحداث مسارات مهنية واضحة وربط الأجور بالترقية.
-مكانة المعلم وصورة مهنة التدريس
بينما تتحدث الأستاذة أشواق طه، عميدة ثانوية عدن النموذجية، عن مكانة المعلم وصورة المهنة المقدسة، قائلة: "رفع مكانة المعلم يبدأ بتحسين أوضاعه المعيشية عبر هيكلة رواتب تحقق العدالة والكرامة، وتوفير ترقيات وحوافز مرتبطة بالأداء. نحتاج أيضاً إلى حملات إعلامية تثقيفية لإبراز الدور الحضاري للمعلم، وإعادة الاعتبار لمهنة التدريس كأرقى المهن."
- التحديات التي تواجه المعلمين
أوضح د. ناصر مسعود ناصر، أستاذ جامعي، قائلاً: "المعلم اليوم يعاني من ضغوط نفسية واقتصادية هائلة، ومن نقص في التدريب والتأهيل المستمر. نحتاج إلى إعادة بناء الثقة بين المعلم والمؤسسات التعليمية، وإطلاق برامج دعم نفسي ومهني ترفع معنوياته وتعزز انتماءه لمهنته."
-هوة كبيرة بين القيادة والقواعد
ويتحدث د. صلاح سالم أحمد، أستاذ الجغرافيا السكانية وعلم الهجرة إلى المدن، جامعة عدن، قائلا:" أهم التحديات التي تواجه الأساتذة والمعلمين في جميع مراحل التعليم: توجد هوة كبيرة بين قيادة التعليم العليا (الوزراء والوكلاء) وبين القواعد التعليمية (العمداء والأساتذة)، حيث عزلت القيادة نفسها دون الشعور بالمسؤولية، تاركة المؤسسات التعليمية تعمل بجهود ذاتية وبدون الحد الأدنى من الإمكانات. إضافة إلى غياب التخطيط والرؤية لدى وزارتي التعليم العالي والتربية، ما يجعل العملية التعليمية تعاني من ارتباك مستمر، مضيفا:" المعلم يعاني أزمة معيشية حادة منذ عقود: تعليق الرواتب، غياب الدعم الصحي والسكني والتدريب، وضعف البنية التحتية والأدوات التعليمية، مما يعيق تقديم تعليم ذو جودة ويؤثر على قدرته على الابتكار. القيادات التعليمية تتحمل المسؤولية الكاملة لأنها تتقاعس عن الدفاع عن حقوق المعلمين، مما يهدد مستقبل التعليم والأجيال القادمة". ويرى د. صلاح سالم: أن الحل يكمن في تفاعل عملي وميداني حقيقي من القيادات مع المعلمين، أو التخلي عن المناصب إن لم يكن لديهم استعداد لتحمل المسؤولية الوطنية والأجيالية.
-دمج التدريب العملي
بينما دعت د. أمل صالح: إلى إدراج مادة التدريب العملي في خطط الأقسام والكليات منذ المراحل المبكرة (مثل المستوى الثاني)، مع تنفيذ برامج نزول ميداني للمؤسسات المجتمعية لإكساب الطلاب مهارات العمل الميداني وحل المشكلات. وأكدت أهمية التوأمة مع مؤسسات المجتمع وتنظيم أنشطة داخل الكلية كالمحاضرات، الحملات التوعوية، وزيارات دور المسنين والأيتام، لإعداد طلاب أكثر كفاءة وخبرة.
-الحوافز وسوق العمل
بدوره د. خالد أحمد الفقيه، عميد كلية الضالع الجامعية- جامعة عدن، يقول:
"الحوافز المالية جزء من الحل، لكن الأهم هو ضمان التوظيف للخريجين وربطهم مباشرة بسوق العمل. يمكننا تقديم منح دراسية للطلاب الموهوبين، وتفعيل السكن الجامعي لاستيعاب طلاب الأرياف، مما يسهل عليهم الالتحاق بكليات التربية."
-جودة التعليم
وأشارت د. صوفيا مهدي الهدار، أستاذ مساعد بكلية التربية عدن، قائلة: "لا يمكن تحسين المخرجات دون إعادة النظر في آليات القبول، بحيث يتم اختيار طلاب ذوي قدرات عالية. كذلك يجب تحديث المناهج بشكل دوري، وتأهيل أعضاء هيئة التدريس، وتوفير معامل ومكتبات متطورة تدعم العملية التعليمية."
-دور الجهات الرسمية والمجتمع المدني
قالت د. هناء شفيق أمان، شعبة التوجيه – مكتب التربية والتعليم -عدن: "الدور مشترك بين الجهات الرسمية والمجتمع المدني عبر دعم متكامل يشمل رفع رواتب المعلمين بما يتناسب مع متطلبات الحياة، وتوفير مواد تعليمية حديثة تحفز الطالب وتطور مهاراته، وتنشيط دور منظمات المجتمع المدني في نشر الوعي بأهمية التعليم. كما دعت إلى تفعيل الإذاعة المدرسية والأنشطة اللاصفية بشكل منتظم، وإطلاق حملات تربوية ومجتمعية شاملة تهدف إلى تحسين العملية التعليمية والاهتمام باحتياجات الطالب، باعتبار أن الطلاب هم الاستثمار الحقيقي لمستقبل الوطن."
- تأسيس شراكات مستدامة
وأكد أ.د. صالح عوض سعيد الرطيل، عضو هيئة تدريس بكلية التربية- جامعة عدن، قائلاً: "نحتاج إلى شراكات حقيقية تشمل تبادل الخبرات بين الجامعات والمدارس، ودعم البحوث التطبيقية التي تلامس مشاكل التعليم على الأرض. كما يجب إنشاء منصات مشتركة لتقييم أداء الخريجين وتطوير البرامج الأكاديمية بشكل مستمر."
أجمع المشاركون على أن إنقاذ التعليم في الجنوب يتطلب خطة استراتيجية شاملة تركز على تحسين أوضاع المعلم، تحديث المناهج، ضمان فرص التوظيف، وتفعيل التدريب العملي المبكر. كما دعوا إلى شراكات طويلة الأمد بين الحكومة والجامعات والمجتمع المدني لضمان استدامة العملية التعليمية، وتحويل مهنة التدريس إلى مهنة جاذبة للأجيال القادمة.