تُشكّل زيارة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، إلى الولايات المتحدة الأمريكية للمشاركة في أعمال الدورة الـ(80) للجمعية العامة للأمم المتحدة، لحظة سياسية مفصلية تحمل أبعادًا استراتيجية تتجاوز البروتوكول الدبلوماسي التقليدي. إنها مشاركة تحمل في طياتها رسالة واضحة إلى الداخل والخارج: الجنوب حاضر بقوة، والقيادة السياسية الجنوبية باتت لاعبًا محوريًا لا يمكن تجاوزه في أي ترتيبات تخص مستقبل الجنوب، واليمن، والمنطقة.
هذه الزيارة الثانية على التوالي للرئيس الزُبيدي إلى نيويورك خلال عامين، تؤكد أن الحضور الجنوبي لم يعد حدثًا عابرًا أو استثناءً، بل أصبح تقليدًا سياسيًا متجذرًا يرسخ شرعية المجلس الانتقالي الجنوبي ويضعه على خارطة الفاعلين الدوليين. فالزيارة لها دلالاتها العميقة بالنسبة لقضية الجنوب العادلة.
-أهمية استراتيجية تتجاوز الرمزية
أهمية هذه الزيارة لا تكمن فقط في كونها حضورًا جنوبيًا في محفل أممي رفيع، بل في الرسائل السياسية التي تحملها إلى الأطراف الدولية والإقليمية، وإلى خصوم الجنوب وحلفائه على حد سواء. فالرئيس الزُبيدي يدخل الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو يحمل ملفًا متكاملًا لقضية الجنوب، مدعومًا بشرعية شعبية صلبة وموقف سياسي متماسك، ورؤية واضحة للحل السياسي ترتكز على حق الجنوبيين في تقرير مصيرهم واستعادة دولتهم على حدود ما قبل مايو 1990م.
الحضور الجنوبي في نيويورك يرسل إشارات قوية بأن الجنوب لم يعد مجرد ملف هامشي يتم تداوله في الغرف المغلقة، بل أصبح قضية مفتوحة على النقاش الدولي، يحضرها ممثلو الجنوب بأنفسهم، ويعرضون رؤيتهم وخياراتهم مباشرة أمام المجتمع الدولي، وهو تحول تاريخي في مسار قضية الجنوب منذ اندلاعها قبل عقود.
-بناء شراكات استراتيجية
من أبرز أهداف زيارة الرئيس الزُبيدي إلى الولايات المتحدة تعزيز الشراكات الدولية، وبناء تحالفات استراتيجية مع الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ومع المؤسسات الدولية المؤثرة. فالجنوب يمتلك موقعًا جيوسياسيًا بالغ الأهمية على خطوط الملاحة الدولية في بحر العرب وخليج عدن وباب المندب، ما يجعل استقراره مصلحة مشتركة للقوى الدولية.
وتتيح المشاركة في الدورة الـ(80) للجمعية العامة فرصة للقاء بزعماء دول ومنظمات دولية مؤثرة، وفتح قنوات تواصل جديدة تعزز من حضور المجلس الانتقالي الجنوبي كطرف مسؤول وفاعل، يسعى لتحقيق السلام والاستقرار ومكافحة الإرهاب وتأمين الملاحة الدولية. وهذه اللقاءات لا تحمل بعدًا بروتوكوليًا فحسب، بل تفتح آفاقًا لتفاهمات عملية قد تنعكس على دعم سياسي ودبلوماسي مباشر لقضية الجنوب.
-رؤية الجنوب للحل السياسي
من أبرز المحاور التي يركز عليها الرئيس الزُبيدي في لقاءاته بنيويورك عرض رؤية المجلس الانتقالي الجنوبي للحل السياسي الشامل. هذه الرؤية تقوم على أساس الاعتراف بحق الجنوبيين في تقرير مصيرهم عبر عملية سياسية عادلة ومنصفة، تؤمن مشاركة الجنوب كطرف أصيل في أي مفاوضات ترعاها الأمم المتحدة.
وتحظى هذه الرؤية باهتمام متزايد من القوى الدولية التي تدرك أن تجاهل مطالب الجنوب قد يؤدي إلى تعقيد أي تسوية سياسية مستقبلية، وأن إشراك المجلس الانتقالي في العملية السياسية يمثل ضمانة لتحقيق حل مستدام ينهي دوامة الصراع ويؤسس لمرحلة جديدة من الاستقرار.
-أبعاد دبلوماسية متقدمة
الحضور الجنوبي في نيويورك يمثل نقلة نوعية على المستوى الدبلوماسي، ويؤكد أن القيادة السياسية الجنوبية أثبتت حضورها على الطاولة الدولية كرقم صعب لا يمكن تجاوزه. فالمجلس الانتقالي بات يُنظر إليه كشريك رئيسي في أي ترتيبات مستقبلية، وهذا الحضور يعزز شرعيته ويمنحه وزنًا تفاوضيًا أكبر في أي محادثات سلام قادمة.
كما أن مشاركة الرئيس الزُبيدي للعام الثاني على التوالي تعكس اهتمام المجتمع الدولي بالاستماع لصوت الجنوب، وهو ما لم يكن متاحًا قبل سنوات قليلة. هذا الاهتمام الدولي يشكل رافعة قوية للمشروع الجنوبي، ويدعم مساعي المجلس في حشد التأييد لقضية شعب الجنوب على أوسع نطاق.
-قضايا الأمن والإنسانية في صلب الأجندة
زيارة نيويورك ليست محصورة في الجانب السياسي فحسب، بل تحمل بعدًا إنسانيًا وأمنيًا مهمًا. فمن المقرر أن يعرض الرئيس الزُبيدي أمام المجتمع الدولي التحديات الأمنية التي تواجه الجنوب، خصوصًا في ظل نشاط الجماعات الإرهابية وتهديدات الأمن البحري، إلى جانب الوضع الإنساني المتردي الذي يعيشه ملايين الجنوبيين.
ويهدف الرئيس من طرح هذه الملفات إلى حشد الدعم الدولي لمعالجة الأوضاع الأمنية والاقتصادية والإنسانية، بما يسهم في تحقيق الاستقرار وتخفيف المعاناة عن المواطنين، وتهيئة الأرضية لعملية سياسية ناجحة.
-الجنوب ليس معزولًا
تحركات الرئيس الزُبيدي الخارجية تعكس رؤية سياسية واضحة تقوم على الانفتاح على المجتمع الدولي والإقليمي، وتأكيد أن الجنوب ليس معزولًا كما كان قبل عام 2015م. فمنذ تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي في 2017م، تغيرت المعادلة، وأصبح الجنوب حاضرًا على الطاولة الدولية، شريكًا في صناعة القرار لا مجرد تابع.
هذا الحضور الدولي يؤكد أن مشروع الجنوب لم يعد حبيس الداخل، بل تجاوز حدوده ليصبح قضية دولية تتقاطع مع مصالح الأمن الإقليمي والدولي. وهي رسالة إلى خصوم الجنوب بأن تجاوز إرادة الجنوبيين لم يعد ممكنًا.
-رسائل إلى الداخل الجنوبي
إلى جانب الرسائل الخارجية، تحمل زيارة الرئيس الزُبيدي رسائل داخلية عميقة، أهمها دعوته أبناء الجنوب إلى المشاركة الفاعلة في إحياء الذكرى الـ(62) لثورة 14 أكتوبر المجيدة، والاستعداد للاحتشاد في عدن لإحياء الذكرى الـ(58) ليوم الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر. هذه الدعوات تعكس رغبة القيادة في تعزيز اللحمة الوطنية وترسيخ الهوية الجنوبية في لحظة سياسية فارقة.
-فتح آفاق تعاون جديدة
زيارة الرئيس الزُبيدي إلى الولايات المتحدة تفتح آفاقًا واسعة للتعاون الدولي في مجالات الأمن البحري، ومكافحة الإرهاب، والاستثمار في البنية التحتية والاقتصاد الجنوبي. فالعالم يدرك أن استقرار الجنوب يمثل حجر زاوية لاستقرار المنطقة، وأن تمكين الجنوبيين من إدارة مواردهم ومناطقهم سيخلق بيئة أكثر أمانًا واستقرارًا.
-رسم ملامح مرحلة جديدة
من نيويورك، يرسم الرئيس الزُبيدي ملامح مرحلة جنوبية جديدة قوامها الشراكة والسلام والانفتاح على المجتمع الدولي، مع التمسك بحق الجنوبيين في استعادة دولتهم وبناء مؤسساتها على أسس حديثة. إنها مرحلة تعكس تضحيات الشعب الجنوبي وجيشه، وتضع الجنوب على مسار الاستقلال السياسي والاقتصادي، بما يليق بتاريخ هذا الشعب ونضالاته.
-حق تقرير المصير
على المدى القريب، من المتوقع أن تسهم زيارة الرئيس الزُبيدي في تحريك المياه الراكدة في الملف السياسي اليمني، عبر دفع المجتمع الدولي لتبني مقاربة جديدة تُشرك الجنوب كطرف أساسي في أي عملية سياسية. أما على المدى المتوسط، فإن الحضور المتكرر للمجلس الانتقالي في المحافل الدولية يعزز شرعيته ككيان سياسي يمثل إرادة شعب الجنوب، ويمهد الطريق نحو اعتراف أوسع بحق تقرير المصير.
كما يمكن أن تؤدي اللقاءات الثنائية التي سيعقدها الرئيس الزُبيدي في نيويورك إلى بناء تفاهمات حول ملفات الأمن البحري ومكافحة الإرهاب، بما ينعكس على استقرار الملاحة في واحد من أهم الممرات البحرية في العالم. وعلى الصعيد الإنساني، قد تفتح هذه الزيارة الباب أمام دعم دولي أكبر لمشاريع تنموية وإغاثية تخفف من حدة الأزمة الاقتصادية والخدمية التي يعاني منها الجنوب.
إن زيارة نيويورك لا تمثل مجرد محطة دبلوماسية، بل هي مؤشر على تحوّل استراتيجي يضع الجنوب على مسار الاعتراف الدولي المتدرج، ويرسخ حضوره كطرف أساسي في رسم ملامح مستقبل الجنوب واليمن والمنطقة.