( الناقد برس) تقرير: مريم بارحمة
في لحظة استثنائية من عمر قضية الجنوب، يواصل الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، تحركاته السياسية والدبلوماسية بحنكة القائد وبصيرة رجل الدولة الذي يدرك حجم التحديات وخطورة المرحلة. ومن الرياض إلى عدن، ومن اجتماعات المجلس إلى اللقاءات الدولية، يرسم الزُبيدي ملامح مرحلة جديدة عنوانها الشفافية والشراكة واستعادة القرار الجنوبي.
-لقاءات دبلوماسية تعيد الجنوب إلى المشهد الدولي
شهدت العاصمة السعودية الرياض لقاءً رفيع المستوى جمع الرئيس الزُبيدي ونائبه اللواء فرج البحسني بسفيرة بريطانيا عبده شريف، وسفيرة فرنسا كاثرين قرم كمون، والقائم بأعمال السفير الأمريكي جوناثان بيتشيا، بحضور عدد من قيادات المجلس الانتقالي وهيئة التشاور والمصالحة.
اللقاء لم يكن بروتوكولياً فحسب، بل حمل رسائل سياسية قوية للعالم: الجنوب شريك أساسي في مستقبل العملية السياسية، وقضيته لا يمكن القفز عليها. ناقش الزُبيدي والبحسني التحديات الأمنية والاقتصادية والإنسانية، مؤكدين على التزام المجلس الانتقالي بتحسين الوضع المعيشي للمواطنين وتعزيز الشراكة الوطنية وصون وحدة الصف في مواجهة الحوثيين والإرهاب.
أشاد السفراء بالدور المحوري للمجلس الانتقالي والقوات الجنوبية في مكافحة الإرهاب وتهريب الأسلحة وحماية الملاحة الدولية، معتبرين أن استقرار الجنوب ركيزة أساسية لأمن المنطقة.
-بيان مفصلي يعيد الاعتبار للمجلس ويكشف الاختلالات
في الداخل، أحدث البيان الصادر عن مجلس القيادة الرئاسي بشأن مراجعة القرارات منذ أبريل 2022 صدى واسعاً، إذ مثّل محطة تاريخية تعكس نهاية عهد الاستفراد بالقرار وبداية مرحلة جديدة من الشفافية والمساءلة. البيان أقر بوجود خلل بنيوي في آلية عمل المجلس أدى إلى تجميد ملفات حيوية، وهو ما دفع الرئيس الزُبيدي إلى التحرك لكسر الجمود وإطلاق عملية تصحيح شاملة.
اللجنة القانونية التي ستراجع القرارات خلال 90 يوماً ستكشف حجم الانحرافات التي جرت في “الغرف المغلقة”، وقد تلغي مئات القرارات التي افتقدت الشرعية المؤسسية. هذه الخطوة تضع المجلس أمام اختبار حقيقي لإعادة بناء الثقة بين مكوناته وتعزيز مبدأ الشراكة.
-إعادة التوازن وفرض قواعد الشفافية
قرارات القائد الزُبيدي الأخيرة كانت بمثابة قوة دفع جديدة قلبت المعادلة داخل المجلس القيادي الرئاسي. لم تعد القرارات تمرر دون تشاور، بل باتت تخضع لرقابة دقيقة ومراجعة مؤسسية. هذه الخطوة أعادت التوازن المفقود داخل المجلس وأكدت أن زمن التفرد بالقرار قد انتهى.
المحللون السياسيون يرون أن تدخلات الزُبيدي مثلت بداية مرحلة جديدة عنوانها الشفافية والمساءلة، وهو ما أضعف نفوذ القوى التي كانت تراهن على تمرير أجندتها بمعزل عن بقية الأعضاء.
-أبعاد استراتيجية إقليمية ودولية
تحركات الزُبيدي تكتسب بعداً استراتيجياً يتجاوز حدود الداخل اليمني. فالدول الكبرى تدرك أن استقرار الجنوب يعني حماية الممرات البحرية الدولية وضمان استمرار تدفق التجارة العالمية، ولذلك فإن لقاءات الزُبيدي مع سفراء بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة تفتح قنوات دعم سياسي واقتصادي للجنوب.
كما تعكس هذه اللقاءات التزام القيادة الجنوبية بالعمل مع المجتمع الدولي والتحالف العربي لبناء مؤسسات دولة قوية وقادرة على حماية حدودها ومكافحة الإرهاب. وهي رسالة واضحة تؤكد أن الجنوب ماضٍ بثقة نحو استعادة قراره السياسي وترسيخ مشروعه الوطني. هذه التحركات عززت موقع المجلس الانتقالي الجنوبي كقوة سياسية مسؤولة، وكشفت حجم الاختلالات في إدارة الدولة،
القوى المناوئة.. حملات التشويش ومحاولات عرقلة الإصلاح
لم تمر تحركات الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي دون أن تثير قلق القوى المناوئة لمشروع استعادة الدولة الجنوبية. فقد سارعت هذه القوى إلى شن حملات إعلامية منظمة، هدفها التشويش على الرأي العام وإضعاف الزخم الشعبي الذي حققته قرارات الزُبيدي الأخيرة. وتنوعت أساليب هذه القوى بين بث الشائعات حول مستقبل الشراكة السياسية داخل مجلس القيادة الرئاسي، وتحريك أدواتها لافتعال أزمات سياسية واقتصادية بغية تصوير خطوات الإصلاح على أنها سبب للتوترات.
ورغم ذلك، كشفت هذه الحملات هشاشة القوى التي تقف خلفها، إذ سرعان ما تراجع تأثيرها أمام الموقف الصلب للرئيس الزُبيدي والدعم الشعبي الجنوبي الواسع. بل تحولت هذه الحملات إلى أداة عكسية أكدت للرأي العام أن خطوات الزُبيدي تمس جوهر الإصلاح، وأن خصومه يخشون نجاحه في فرض قواعد الشفافية والتوازن. هذا المشهد عزز التفاف الشارع الجنوبي حول قيادته، ورسخ قناعة أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة فرز حقيقي بين من يقف مع مشروع الجنوب ومن يحاول تعطيله.
-الالتفاف الشعبي.. الجنوب رهن إشارة قائده
الشارع الجنوبي تابع تحركات الزُبيدي بارتياح واسع، ووسوم مثل #الجنوب_رهن_اشارتك_عيدروس تصدرت مواقع التواصل الاجتماعي، في دلالة على الثقة الشعبية الكبيرة بقدرة القيادة على تحقيق تطلعاتهم. هذا الالتفاف الشعبي يمنح الزُبيدي ورقة قوة إضافية في مفاوضاته ومعاركه السياسية.
لقد أثبت الزُبيدي أنه يتعامل مع الملفات الشائكة برؤية استراتيجية، مستنداً إلى التفويض الشعبي الواسع، ما جعل قراراته تضرب ماكينة الأكاذيب الإعلامية التي حاولت التشكيك بمشروع الجنوب. فالإصلاحات التي دشنها وضعت النقاط على الحروف، وأعادت الاعتبار للجنوب وممثليه في المعادلة السياسية.
-قراءة مستقبلية لمجلس القيادة
الأيام القادمة ستكون حاسمة، إذ ستكشف نتائج مراجعة القرارات حجم الاختلالات السابقة وتعيد رسم ملامح التوازن داخل المجلس. إذا التزمت جميع الأطراف بمبدأ الشراكة، فإن المجلس سيكون أكثر تماسكاً وقدرة على إدارة الملفات الاقتصادية والخدمية والأمنية.
-قائد يصنع التاريخ
إن ما يقوم به الرئيس الزُبيدي اليوم ليس مجرد رد فعل على اختلالات الماضي، بل هو مشروع استراتيجي يؤسس لمرحلة جديدة تعيد الاعتبار لقضية شعب الجنوب وتضع أسس بناء دولة عادلة قائمة على الشراكة والشفافية. من خلال قراراته الجريئة وحراكه الدبلوماسي وحنكته في إعادة التوازن للمجلس القيادي، يثبت الزُبيدي أنه قائد يصنع التاريخ ويمضي بالجنوب بثبات نحو المستقبل المنشود.
إن التحديات التي تواجه الرئيس الزُبيدي ونائبه المحرمي كبيرة، لكن الإصرار الشعبي والدعم الإقليمي والدولي المتزايد يجعل من مشروع استعادة الدولة الجنوبية واقعاً يقترب من التحقق يوماً بعد يوم.