في وطن أنهكته الأزمات وتكالبت عليه المحن، يظل الأمل معلقًا على أكتاف رجالٍ نذروا أنفسهم لخدمة الأرض والناس، بعيدًا عن الأضواء والمكاسب الشخصية. ومن بين هؤلاء الرجال يبرز اسم المهندس علي عبدالله الطب، الذي سلك درب النجاح بشق الأنفس، متحديًا الظروف ومؤمنًا أن البناء يبدأ من الميدان، لا من المكاتب.
بدأت قصة هذا المهندس العصامي من مقاعد الدراسة، حيث ذاق مرارة المشقة وضيق الحال، لكنه أصر أن يرفع رأسه عاليًا يوم تخرّجه، متسلحًا بالعلم والعزيمة. ولأن الطموح لا يعرف الراحة، انطلق يعمل في مختلف محافظات الوطن، متنقلًا من موقع إلى آخر، يبحث عن الخبرة ويتمرّس على الصعاب، ليتحوّل مع الوقت إلى اسم يُشهد له بالكفاءة والانضباط والمسؤولية.
وعقب حرب 2015، حين كانت مؤسسات الدولة في حالة انهيار شبه تام، وقع عليه الاختيار ليقود فرع المؤسسة العامة للطرق والجسور – محافظة الضالع، في وقت كانت فيه المعدات متناثرة في مناطق النزاع، والأمل مفقود. لكنه لم يستسلم. بل انطلق بروح وطنية خالصة نحو إعادة الروح لهذا الكيان الهندسي العريق. صان المعدّات، أعاد تأهيل ما يمكن، ونجح في تنفيذ مشاريع نوعية رغم الإمكانيات المنعدمة، حتى غدا فرع الضالع نموذجًا يُحتذى به في الأداء والكفاءة على مستوى الوطن.
لكن الطريق لم يكن مفروشًا بالورود. فبينما كان الوطن بحاجة إلى جهود المهندس علي، كانت بعض المؤسسات تقف حجر عثرة. وعلى رأسها صندوق صيانة الطرق، الذي بدلًا من أن يدعم المؤسسة الوطنية الأم، كان أحد أبرز التحديات في طريقها، بعجزه عن صرف المستحقات وتعطيل الكثير من المشاريع.
رغم كل ذلك، بقي المهندس علي شامخًا، يحمل الهمّ وحده، ويقود المؤسسة العامة للطرق والجسور في المحافظات المحررة بعد تعيينه مديرًا تنفيذيًا لها، دون موازنة تشغيلية، ولا رواتب منتظمة، بل وديون مستحقة بمليارات الريالات لدى صندوق صيانة الطرق. إلا أنه لم يتراجع، بل قاد المؤسسة ومعه كادر وفيّ وجنود مجهولون يستحقون كل التحية، وواجهوا جميعًا المستحيل ليخففوا معاناة المواطن في ظل وضع اقتصادي مأساوي.
اليوم، وبعد الكثير من الاتهامات والمواجهات، جاء القرار المنتظر بإعفاء رئيس صندوق صيانة الطرق السابق المهندس معين الماس، وتكليف المهندس حسين العقربي خلفًا له. ويأمل الجميع أن يكون العقربي عند مستوى التحدي، وأن يمد يده لزميله المهندس علي الطب، ليعملا معًا على استنهاض قطاع الطرق في اليمن، واستكمال المشاريع المتعثرة، وتجاوز سنوات الإهمال والتعطيل.
إننا لا نطلب معجزة، فقط نريد أن يُترك المهندس علي الطب ليعمل دون عراقيل، ليواصل خدمة وطنه كما عودنا، وليبقى مثالًا حيًا لما يجب أن يكون عليه المسؤول في زمن الأزمات.
ختامًا، لا يسعنا إلا أن نقول:
تحية لكل يد تبني، وكل قلب يخلص، وكل عقل يُدير المشهد بعقلانية وولاء لهذا الوطن المتعب.
وكل التوفيق لمن جعل همّه الأول والأخير هو خدمة الناس لا خدمة الذات.
"نعثرة قلم"
م. عبدالله مشرح