في الجنوب، لا تقتصر الحرب على ميادين القتال، بل هناك حرب أكثر خبثًا، حرب التجويع والخدمات ، يمارسها نافذون في هرم السلطة الشرعية، خدمةً لأجندات خارجية، تهدف إلى إنهاك الجنوب وتقويض قدرته على النهوض، في مخطط ممنهج لا يقل ضراوة عن المواجهات العسكرية في الجبهات.
إن سياسة التجويع ليست عشوائية، بل مدروسة بعناية ، حيث تشهد المحافظات الجنوبية انهيارًا اقتصاديًا مخططًا، وتدهورًا ممنهجًا في الخدمات الأساسية ، في ظل تفشي الفساد المالي والإداري، وتحركات تسعى إلى إبقاء الجنوب رهينة الأزمة الاقتصادية والخدماتية ، ليظل مكبلًا بقيود العجز والمعاناة، في وقت يحتاج فيه إلى استقرار يليق بتضحيات أبنائه.
وفي المقابل، لا تزال المليشيات الحوثية الإرهابية تتلقى ضربات قاصمة من سلاح الجو الإسرائيلي والأمريكي ، لكنها تستمر في الزج بالمواطنين الأبرياء إلى الجبهات على حدود الجنوب، في محاولة لخلق معادلات جديدة قائمة على استنزاف الأرواح، بينما المواطن الجنوبي يدفع الثمن الأكبر في هذه الحرب التي لا يبدو لها نهاية قريبة.
الحرب الخدماتية المفروضة على الجنوب ليست مجرد إهمال إداري، بل هي سياسة خنق ممنهجة، تهدف إلى إبقائه في حالة من التقهقر الاقتصادي والسياسي، واستنزاف موارده في معارك جانبية تخدم المصالح الضيقة لأدوات الفساد والنفوذ ، حيث يُصاغ الواقع وفق أجندة لا تريد لهذا الشعب أن ينطلق نحو الاستقلال الحقيقي، بل تسعى إلى تكبيله بأزمات لا تنتهي.
متى تنتهي الحرب؟ سؤال يضع الجنوب في مواجهة الحقيقة ، فالمعركة اليوم ليست فقط معركة البندقية والمدفع ، بل هي أيضًا معركة الوعي السياسي والاقتصادي ، حيث النصر لا يكون كاملًا إلا بكسر أدوات الابتزاز التي تمارس التجويع، وإسقاط القوى التي تعمل على تقويض الإنجازات التي تحققت بدماء الشهداء.
إن الجنوب أمام مفترق طرق، إما أن يكسر الحلقة المفرغة من الارتهان والتلاعب، ويفرض واقعه الجديد بالقوة والإرادة، أو أن يبقى عالقًا في دوامة الاستنزاف ، حيث لا خيار إلا المواجهة الشاملة، لأن السيادة الحقيقية لا تُنتزع إلا بيد من يملك القدرة على حمايتها، سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا.
حان الوقت لكسر هذا المخطط، وإعادة صياغة المشهد بما يليق بتضحيات أبناء الجنوب، الذين دفعوا الغالي والنفيس ليكون لهم وطن يستحقونه، دون قيود أو مساويات