في مثل هذا اليوم، 5 مايو 2019م ، رحل الفارس الذي حمل العدسة والبندقية ، وغادر ساحات النضال تاركًا وراءه إرثًا لا يُمحى وذكرى تأبى أن تندثر. الشهيد الإعلامي غالب لبحش لم يكن مجرد ناقلٍ للأحداث، بل كان جزءًا لا يتجزأ منها، عاش المعركة بروح المقاتل وشغف الإعلامي، ولم يفصل بين الطلقات وكبسات التصوير سوى نبضه الذي خفق بكل قوة دفاعًا عن الأرض والقضية.
غادرنا غالب تاركًا فراغًا لا يُسد ، فالرجال الذين يصنعون التاريخ لا يُستبدلون، ولا تعوضهم الأيام مهما حاولت، وما زالت ساحات القتال تفتقد روحه، وصدى صوته الذي كان يُبعث طمأنينة بين الصفوف. لقد كان رمزًا للمهنية والإقدام والشجاعة ، رجلًا جمع بين الصلابة العسكرية والالتزام الإعلامي، فكان يُقاتل عندما تستدعي الحاجة، ويوثق عندما يتطلب الأمر، رجلٌ فهم أن الصورة قد تكون سلاحًا لا يقل شأنًا عن البندقية، وأن الحقيقة وحدها هي الرصاصة التي لا تخطئ.
بعد يومين فقط من رحيله، كان جرح الغياب ينزف في قلوبنا، وكانت الأرض التي احتضنت دمه لا تزال تشهد على بطولاته، وحين امتزج الحزن بالغضب، لم يكن هناك خيار سوى أن اتقدم برفقة طلائع تشكيلات قواتنا، فكانت حبيل الفلاح منطلقًا لنا صوب بلدة حبيل المشيع، شاهدة على معركة أخرى، معركة سُجلت في مسافة صفر مع العدو، حيث الوثائق كانت تُسطر بالبندقية والعدسة معًا، وحيث اخترقت طلقة حوثية غادرة جسدي، كادت أن تجعلني ألحق برفيقي الراحل غالب، لولا مشيئة الله، ولولا تلك النسوة النبيلات اللواتي رفضن النزوح، وانتشلنني من وسط النيران، في صورة أخرى من صور الوفاء الذي يبقي جذوة المقاومة متقدة، ويجعل للحياة معنى وسط الموت المتربص بنا، في لحظةٍ ظننت فيها أن الخروج ضربٌ من المستحيل، قيّض الله لي أحد أبطالنا، فاندفع بدراجته النارية بشجاعةٍ نادرة في مهمة أقرب إلى الانتحار، ليتمكن بإقدامه من إنقاذي بمعجزة من قلب المعركة في بلدة حبيل المشيع، حجر الضالع .
ستة أعوام مضت ، ولم يشفَ الجرح الذي تركه رحيل غالب، فالغياب الذي لا تعوضه الأيام يبقى ألمًا يتجدد في كل ذكرى، يبعث الأسى ويُجدد الفخر، يُحيي تفاصيل رجلٍ لم يكن مجرد إعلامي، بل كان عنوانًا للمقاومة، ورمزًا للشجاعة، وأسطورة نضالية ستظل محفورة في صفحات التاريخ.
طيفك يا غالب لا يزال حيًا بيننا، في الصور التي التقطتها، في الأحاديث التي دارت بيننا، في المعارك التي خضناها جنبًا إلى جنب، وفي الإرث الذي تركته محفورًا بدمائك الطاهرة. نم قرير العين، فإنّ الرجال الذين عاهدوا الله على النضال لا يموتون، بل يبقون خالدين في صفحات الزمن، وفي ذاكرة الوطن.
ستة أعوام وذكراك تزداد بريقًا، والوفاء لك لا ينكسر.