كتب : ذياب الحسيني
في الـ27 من أبريل 1994م، دخلت اليمن مرحلة مظلمة من تاريخها، حيث أعلن النظام الحاكم في صنعاء، بقيادة قوى التحالف بين الدين والقبيلة والعسكر، حربًا شعواء على الجنوب، كانت نتائجها مدمرة على الأرض والإنسان. هذا اليوم المشؤوم كان بداية لنكسة تاريخية، حين أباح النظام اليمني دماء أبناء الجنوب عبر فتوى تكفيرية، ثم شرّع أبواب الاجتياح العسكري بكل أدوات الظلم والقمع والنهب، في انتهاكٍ صارخٍ لكل القيم الإنسانية والشراكات الوطنية.
حملت الحرب أبعادًا تتجاوز الصراع العسكري، حيث هدفت إلى فرض سياسة الضم والإلحاق، وتنكر النظام لما كان قائمًا من أسس شراكة بين الطرفين، واستُهدفت كافة كوادر الجنوب، العسكرية والمدنية، بقرارات تعسفية شملت التسريح القسري والتقاعد الإجباري. تطاولت الأيادي العابثة على الجنوب، محاولةً طمس الهوية الوطنية من خلال تغيير أسماء المدارس والشوارع، ونهب الثروات، وتفكيك البنية التحتية، بالإضافة إلى تدمير المنشآت الصناعية والخدمية التي كانت تمثل عصب الحياة في الجنوب.
لم تكن تلك الحرب مجرد اعتداءٍ عسكري، بل كانت هجمة شاملة على كل معاني الوجود الجنوبي، محاولةً بائسة لطمس تاريخه وإرثه وهويته. ومع ذلك، ظل شعب الجنوب صامدًا في وجه هذه الكارثة، متمسكًا بحقه المشروع في استعادة دولته، ونابذًا كل محاولات الإلحاق والتهميش. الشعب الجنوبي حمل إرثًا مليئًا بالتحديات والصعوبات، إلا أنه استطاع، عبر إرادة صلبة، أن يحافظ على هويته ويدافع عنها بكل ما أوتي من قوة.
اليوم، ونحن نحيي الذكرى الحادية والثلاثين لهذه الحرب الظالمة، فإننا نستذكر تضحيات شهداء الجنوب الذين قدموا أرواحهم في سبيل الدفاع عن الأرض والهوية، ونُعيد التأكيد على ضرورة الوقوف صفًا واحدًا لمواجهة كل المؤامرات التي تسعى للنيل من وحدة الجنوب وتماسكه. هذه المناسبة التاريخية ليست فقط للتأمل، بل هي دعوة للأجيال الجديدة لاستلهام الدروس والعبر من هذه المرحلة المفصلية، وتجديد العهد بأن الجنوب لن يعود يومًا تحت أي وصاية أو احتلال.
إن الجنوب اليوم، رغم التحديات المستمرة، يمثل نموذجًا حيًا للصمود والمقاومة، وشعبه يحمل روحًا لا تنكسر وإرادة لا تلين. ومع استمرار الكفاح لاستعادة الحقوق المسلوبة، يظل الجنوب في وجدان أبنائه أرضًا مقدسة تستحق أن تُدافع عنها بكل غالٍ ونفيس.