كتب / الصحفي الأردني محمد سبتي
جماعة الإخوان المسلمين غير مقتنعة بحصّتها في السلطة (مجلس القيادة الرئاسي) فقادتهم يحتفظون بطموحهم القديم للإمساك بمقاليد السلطة في اليمن، مستغلين تعثّر المجلس في قيادة السلطة وفشل الحكومة التابعة له في إدارة شؤون المناطق الواقعة ضمن سلطتها.
والفشل الذي رافق مسيرة السلطة الحالية طوال الأعوام الـ (3) الماضية أحيا أمل (الفرع اليمني من تنظيم الإخوان المسلمين) في الإمساك بمقاليد السلطة المعترف بها دوليًا، والتي كان حزب (الإصلاح) يحظى بمكانة أرفع فيها خلال فترة قيادة الرئيس السابق عبد ربّه منصور هادي.
ووفق صحيفة (العرب) اللندنية، فقد استغل الإخوان حلول الذكرى الثالثة لتشكيل المجلس، لإطلاق حملة كثيفة من قبل الإعلام التابع لحزب (الإصلاح)، روّجت بقوّة لفشل المجلس وضعفه وعدم تحقيق التجانس بين أعضائه، وخلصت في بعض التقارير إلى ضرورة تغيير شكله وقيادته بالعودة إلى نمط القيادة وفقًا لما كان معمولًا به في عهد هادي.
وكان من أوضح ما توصّلت إليه بعض تلك التقارير هو أحقية القيادي الكبير في الحزب علي محسن صالح الأحمر برئاسة السلطة التي كان قد شغل فيها منصب نائب الرئيس، حين كان له دور مؤثر في صياغة قرارها السياسي والعسكري.
والتقطت منابر إعلامية إخوانية دراسة أصدرها مركز المخا للدراسات الاستراتيجية لتجديد دعوتها إلى عودة هادي للعب دور في السلطة، ولو لمرة واحدة، يتمثّل في إلغاء تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الحالي وتعيين نائبه السابق رئيسًا.
الترويج لسيناريو عودة عبد ربه منصور هادي إلى الرئاسة في مهمة محددة تتمثل في إلغاء مجلس القيادة وتنصيب رئيس جديد، لا تعتبر تلك الدعوة الإخوانية جديدة، فقد سبق أن مثّلت مدار حملة أعقبت قرار تشكيل المجلس.
وممّا جاء في الدراسة المذكورة أنّ الكثير من اليمنيين باتوا يطرحون في وسائل التواصل الاجتماعي ضرورة سحب الرئيس هادي التفويض الذي منحه لمجلس القيادة الرئاسي. ويحن كثيرون إلى عودة نائب رئيس الجمهورية السابق علي محسن الأحمر.
ولا يخلو الحديث عن دور إخواني في العمل العسكري ضدّ الحوثيين من مبالغة كبيرة، ويقول كثيرون إنّ دور الإخوان كان عكسيًا تمامًا، فقد أسهموا في إفساح المجال للجماعة بالضغط على نظام علي عبد الله صالح وإشعال "ثورة" ضدّه، وقد مهدّت هزيمة القوات التابعة لحزب (الإصلاح)، خصوصًا في محافظة عمران عام 2014، الطريق لجماعة الحوثي لدخول العاصمة صنعاء والسيطرة عليها.
هذا، وبات تراجع شعبية مجلس القيادة وحكومته والسلطة الشرعية على وجه العموم أساسًا لحملة فرع الإخوان المسلمين لاستبعاد القيادة الحالية ممثلة بالرئيس رشاد العليمي، والدفع بأحد قادة الجماعة للحلول محلّه.
وقالت الدراسة المذكورة: إنّ مجلس القيادة فشل أمنيًا وعسكريًا، ولم ينجح في دمج التشكيلات العسكرية تحت مظلة وزارتي الدفاع والداخلية. وانتقد معدّوها الأداء الاقتصادي للمجلس واصفين إيّاه بالمخيّب للآمال، إذ عجز عن إدارة الموارد المالية وفقد قدرته على تصدير النفط ممّا أدّى إلى انهيار الريال اليمني وتفاقم الأوضاع المعيشية للمواطنين. وأشارت إلى أنّ هذا الفشل تزامن مع اتساع نطاق الفساد واستحواذ أعضاء المجلس على موارد الدولة.
وتذكّر الحملة الإخوانية الجارية ضد مجلس القيادة الرئاسي بتلك التي أعقبت تشكيله مباشرة قبل (3) أعوام، وقد نزل فيها الإخوان بكل ثقلهم السياسي والإعلامي للطعن في شرعية المجلس والضغط باتّجاه عودة الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي إلى السلطة.
وذهبت بعض قيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح آنذاك إلى حدّ رفضها الاعتراف بشرعية رئاسة العليمي للمجلس، مستندة إلى أنّ "نص إعلان هادي عن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي يؤكد على أنّه هو رئيس الجمهورية، ولم يقدّم استقالته."
ويرى مراقبون أنّ إحياء الطموح الإخواني في الاستحواذ على السلطة لا يرتبط فقط بالوضع الداخلي لليمن وبأداء مجلس القيادة الرئاسي وحكومته، بل يتصل أيضًا بالوضع الإقليمي والدولي وما حمله من تطورات بدا أنّها تسير في مصلحة الإسلاميين وحلفائهم في المنطقة، وهو ما ينطبق تحديدًا على سوريا التي آلت فيها السلطة إلى حكومة موالية لتركيا.
ووفق ما نقلت مواقع محلية، فإنّ الإخوان أخذوا موقفًا من مجلس السيادة، وقرروا التصعيد ضده منذ كانون الأول (ديسمبر) الماضي، عندما أصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني الدكتور رشاد العليمي قراراً بتغيير قائد اللواء 135 مشاة التابع للمنطقة العسكرية الأولى، الموالي لحزب (الإصلاح) "ذراع الإخوان المسلمين في اليمن"، اللواء الركن يحيى أبو عوجاء، وتعيين الإخواني العميد الركن علي يحيى الأديمي الذي ينتمي إلى محافظة حجة، خلفاً له.
ووفق صحيفة (الأمناء نت)، فإنّ بعض المراقبين آنذاك علقوا على القرار مؤكدين أنّه يعكس تصاعد الخلافات بين الإخوان والسلطات الشرعية، وبعضهم أكد أنّ حزب (الإصلاح) يحاول امتصاص غضب الشارع بتغيير الوجوه، وتوقع الكثيرون أنّ هناك تفاهمات مع المجلس الرئاسي حول الموضوع بهدف حفظ ماء وجهه، في ظل المعارضة التي تقابل قراراته يومياً من قبل الميليشيات التابعة لحزب (الإصلاح).
وفي سياق منفصل، كشف الكثير من الانتهاكات الانسانية والحقوقية بحق الشعب اليمني في مدينة مأرب الخاضعة لهيمنة الإخوان أنّ هناك من يريد عزل محافظة مأرب عن السلطات الشرعية في عدن، رغم أنّ محافظها اللواء سلطان العرادة يمثل عضوًا في مجلس القيادة الرئاسي.
وأشار مصدر حقوقي في مأرب لـ (اليوم الثامن) إلى أنّ منظمات حقوقية محلية ودولية حاولت دفع النائب العام والسلطات القضائية للتدخل في التحقيق في الكثير من الانتهاكات داخل السجون التي تديرها قيادات إخوانية، يرتبط بعضها بتنظيم القاعدة، إلا أنّ دعواتهم لم تجد آذانًا صاغية، ممّا يؤكد أنّ المدينة مختطفة من قبل الجماعة، وأنّها لا تخضع للسلطات الشرعية.
ووفق الصحيفة ذاتها، فقد تسبب الدعم الإقليمي لجماعة الإخوان في مأرب في إضعاف سيطرة الحكومة المركزية في عدن، وأوجد مراكز نفوذ موازية في مأرب وتعز ووادي حضرموت، وهي مناطق باتت بعيدة عن سلطة مجلس القيادة الرئاسي.
واللافت أنّ جرائم الإخوان في المدن الخاضعة لهيمنتها تُفاقم الغضب الشعبي تجاه السلطة الشرعية وحلفائها، حتى إنّ المنظمات الحقوقية أصبحت تدرك أنّها لا تستطيع إجراء أيّ تغييرات على الأوضاع في تلك المناطق التي تنتشر فيها الفوضى، والإفلات من العقاب، والأجهزة الأمنية التي تحركها الولاءات السياسية.