أكد رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك، اليوم الجمعة، عدم أهلية جماعة الحوثي "أنصار الله" لتكون جزءاً من أية عملية سلام، قائلا بأن ذلك يخالف طبيعتها العنيفة التي تأتي في صلب عقيدتها.
أجرت وكالة "سبوتنيك" حوارا مع رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك، وتطرقت إلى جوانب مختلفة من الأزمة اليمنية، ومنها الوساطة السعودية ومستقبل الحوار مع جماعة "أنصار الله" ومواقف الدولة العربية خلال أزمة عدن والمشاكل الإنسانية في البلاد، لمزيد من التفاصيل إليكم نص الحوار:
ما مخرجات الحوار مع المجلس الانتقالي الجنوبي، وتقديم تنازلات من جانب الحكومة اليمنية لرأب الصدع؟
الحديث هو عن اتفاق وقعناه في الخامس من نوفمبر في الرياض، ومنذ توقيعه صار متاحاً لوسائل الإعلام ونشرته وسائل إعلام مختلفة.
والاتفاق في مضمونه العام يذهب إلى استيعاب كافة القوى والمصالح داخل بنية ومؤسسات الدولة وتحت لواءها وهو هدف سعينا إليه منذ فترة مبكرة وضمن رؤية تدرك المظاهر التي رافقت اجتياح مليشيا الحوثية المتمردة للمدن اليمنية المختلفة ونشوء المقاومة واستحقاقات ذلك. هذا الاتفاق يعيد توحيد القوى داخل جبهة الشرعية وداخل جهاز الدولة ويمكنها من مواصلة عملية استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب وإلحاق الهزيمة بالمشروع التفتيتي الذي يقف وراءه.
حكومتنا هي حكومة لكل مواطني البلاد، وتعمل على تمثيلهم ورعاية حقوقهم ومصالحهم بلا تمييز. وحين تنظر الحكومة في مطالب هذا الفصيل أو ذاك فإنما تفعل ذلك انطلاقاً من أنها حكومتهم وليس تأسيساً لحالة تتساوى فيها الفصائل والجماعات المختلفة مع حكومة الشعب كما يحب البعض أن ينظر إلى اتفاق الرياض، فالحكومة تمثل الكل وأي فصيل أو جماعة أو حزب هو بعض من هذا الكل.
وهذه ليست بادرة ولا سابقة فلطالما كانت حكومتنا منفتحة على كل الأصوات السياسية والاجتماعية والمطالب المشروعة والقانونية، وقد شكل مؤتمر الحوار الوطني الشامل المصب الجامع الذي استوعب مختلف المطالب والتطلعات الشعبية. ومقررات مؤتمر الحوار تمثل لدينا في الحكومة وسائر مؤسسات النظام السياسي والقيادي حجر الأساس في عملية استعادة الدولة وإعادة بنائها.
الوساطة والدور السعودي في المرحلة الراهنةوفي الأيام المقبلة من أجل تحقيق التوافق الداخلي*
ليس من المبالغة القول إن دور الأشقاء في قيادة المملكة العربية السعودية متفرد وأساسي، سواء في رعاية اتفاق الرياض وتوفير الضمانات لتطبيقه أو خلال المرحلة الراهنة والعصيبة التي تمر بها اليمن جراء الحرب الإجرامية التي شنها الانقلابيون الحوثيون على الشعب والدولة والتعايش الاجتماعي والسلم الأهلي بعدما تمكنوا من تنفيذ انقلابهم المشؤوم في 2014.
نحن نقدر عالياً دور الأشقاء في قيادة المملكة منذ تحملوا بجدارة عبء قيادة التحالف العربي لدعم الشرعية وحتى اللحظة. وبين هذين التوقيتين تفاصيل كثيرة تبرز بجلاء أهمية هذا الدور ابتداء من العمل العسكري لمواجهة المشروع التدميري الذي يريد نظام الملالي في طهران تمريره في اليمن بواسطة وكلائهم في الجماعة الحوثية، ثم تقديم الدعم للاقتصاد اليمني وصولاً إلى الوساطة من أجل إنهاء الصدام البيني.
والدور السعودي مؤهل لما يتصدى له من مهام لأنه ينطلق من حقائق تاريخية وجيوسياسية وعلاقات جوار تاريخية بين شعبي البلدين. وبذلك توافر له ما لم ولن يتوافر لغيره من المؤهلات والأساسات، ونحن نثق فيه.
مستقبل المفاوضات مع الجماعة الحوثية في ظل عرقلة تنفيذ الاتفاقات السابقة
لطالما قلنا إن الجماعة الحوثية غير مؤهلة ولا مستعدة لتكون طرفاً في اتفاق لإحلال السلام، لأسباب كثيرة أكثرها أصالة: طبيعتها العنيفة إذ العنف جوهر خصائص هذه الجماعة ويدخل في صلب عقيدتها، ولأنها تشن حروبها على مواطنينا ومؤسساتنا ومستقبل وطننا بالوكالة فهي وكيل لقوة إقليمية خبر العالم مدى عدوانيتها وتدخلاتها في شؤون الدول الأخرى وأعني بها إيران، ومن ثم فالحوثيون بهذه السمات وبما اقترفوه بحق الشعب والدولة انتقلوا مع أول طلقة في حربهم إلى موقع العداء مع الشعب ومن يحل في هذا الموقع، يهون عليه أن يتجرد من أي مسؤولية ولم يعد يعنيه أن يفنى اليمنيون كلهم بالحرب أو بالمجاعة والأوبئة.
وعلى الرغم من كل هذا، فقد توالى ثلاثة مبعوثون أمميون من أجل مهمة التوصل إلى اتفاق لإحلال السلام ولكن كل جهودهم اصطدمت بتسويف الحوثيين ومراوغاتهم وأكاذيبهم.
نحن هدفنا واضح وهو إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة، وقد قطعنا نصف المسافة نحو تحقيق هذا الهدف بواسطة الحرب الدفاعية التي اضطررنا إلى خوضها، ولن يكون سيئاً بالنسبة لنا أن نكمل ما تبقى من المسافة لتحقيق هدفنا بواسطة السياسة والحوار، بل يسعدنا كثيراً أن نرى السلام الحقيقي المستدام يتحقق.
المواقف العربية والدولية خلال أزمة عدن والحالة اليمنية عموما
من الأمور الجيدة لنا خلال الحرب والأزمة أن المواقف الدولية - ولأسباب مختلفة - ظلت موحدة حيال الملف اليمني. وحتى مع اختلاف الرؤى التفصيلية للحل وأدواته من جانب الدول الكبرى إلا أن الموقف الأساسي من الحالة اليمنية ما يزال ثابتاً لديها وذلك بدعم الشرعية ومؤسساتها ورفض الانقلاب وعدم التعامل مع رموزه وسلطته.
أما الأزمة في عدن فهي عنوان فرعي ضمن الحالة اليمنية الأوسع، وجاءت المواقف الدولية والعربية منها نابعة من الموقف الأساسي تجاه الملف اليمني عامة، وهو دعم الشرعية ومؤسساتها ورفض التمرد عليها.
أود هنا أن أشير إلى الموقف الروسي الذي على الرغم من التداخل والتعقيد واحتدام التنافس الذي يسود واقع المصالح الدولية واستراتيجيات القوى الكبرى في العالم، إلا أن موقف أصدقائنا الروس كان إيجابياً و مساعداً لنا في مجلس الأمن، وهو موقف يتسق مع تاريخ العلاقات اليمنية الروسية المتميز، وينسجم مع مبدأ الأصدقاء في القيادة الروسية، المؤيد لسيادة الدول ورفض التدخلات الخارجية في شؤون الدول وكذا رفض استخدام القوة المسلحة للاستيلاء على السلطة.
الأوضاع الإنسانية والجهود الحكومية لمعالجتها
كانت الحرب التي شنها الانقلابيون وما تزال هي الجريمة الأم والكبرى التي انبثقت منها بقية الويلات التي نالت من وطننا وشعبنا ومن بين ذلك تردي الأوضاع الإنسانية وتفشي الأوبئة والمجاعة.
وقد حدث كل ذلك، لأن الانقلابيين، ببساطة، سرقوا
موارد البلاد أو عطلوا مصادرها وأوقفوا رواتب الموظفين وسخروا كل ذلك لتمويل حربهم الإجرامية وإثراء قياداتهم العليا والوسطية وشبكة واسعة من المتعاونين معهم في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. وفوق هذا، اعترضوا سبيل المساعدات الإنسانية والإغاثية وسرقوها أو منعوا وصولها إلى مستحقيها.
وازدادت الأزمة الإنسانية تفاقماً في المناطق التي يضرب عليها الانقلابيون حصاراً مطبقاً من أجل فرض عقاب جماعي على مجتمعاتها ومواطنيها لرفضهم إعلان الولاء للانقلاب، ومحافظة تعز ذات الكثافة السكانية الأعلى في البلاد والمحاصرة منذ 2015 شاهد صارخ على انعدام حس المسؤولية والمواطنة والعطب الأخلاقي والقيمي لدى الانقلابيين الحوثيين.
ندرك في الحكومة أن مواجهة الأزمة الإنسانية بالاقتصار على المساعدات والإعانات الإغاثية مهما استمر تدفقها ليس حلاً حقيقياً إنما يفيد أن يكون حلاً طارئاً ريثما نجد الحل لجذور وأسباب هذه الأزمة الإنسانية.
انطلاقاً من هذا المنظور، رأت الحكومة أن الخطوة الأولى والفاعلة لتقليص هذه الأزمة هي دفع رواتب الموظفين. والتزامنا في الحكومة بدفع الرواتب التزام كامل ويصطدم فقط بشحة موارد الدولة وسيطرة الانقلابين على قدر كبير من تلك الموارد. هذا الالتزام انعكس في اداء الحكومة منذ اليوم الاول فإلى جانب دفع رواتب كافة موظفي القطاعات المدنية والعسكرية والأمنية في المناطق المحررة، عملنا في الفترة السابقة على تغطية قطاع الصحة بصورة كاملة في كل اليمن (منهم 23 ألف موظف في المناطق تحت سيطرة المتمردين الحوثيين) وتقوم الحكومة بدفع رواتب أساتذة وموظفي كل الجامعات وبعض المراكز البحثية في المناطق تحت سيطرة الحوثيين "في حدود 11 ألف موظف"، وتدفع الحكومة رواتب كافة موظفي محافظة الحديدة الواقعة تحت سيطرة الانقلابين بقرابة "32 الف موظف". بشكل عام الحكومة تغطي رواتب ما يقارب 65٪ من موظفي القطاع العام والمختلط منهم ما يقارب 82 ألف موظف في المحافظات تحت سيطرة الانقلابين. وتغطي الحكومة معاشات المتقاعدين المدنيين في عموم محافظات الجمهورية وعددهم 123 ألف متقاعد.
مهام المرحلة القادمة
ندرك أن التحديات أمام الحكومة في هذه المرحلة كبيرة، لكننا قادرون بإرادتنا وتضافرنا جميعاً على تجاوز هذه التحديات والمضي قدماً في تطبيق اتفاق الرياض وبما يضمن ويؤسس لمرحلة جديدة من حضور الدولة ومؤسساتها وبمشاركة كل الأطياف الوطنية.
الحكومة بدأت فعلا بتوجيهات من فخامة رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي بتنفيذ ما يخصها من الاتفاق الرياض. أولوياتنا هي تطبيع الأوضاع من خلال حزمة إجراءات وتدابير عاجلة لتحقيق إنجازات سريعة على الأرض، يكون لها أثرا على المدى القريب ويستطيع أن يلمسها المواطن خلال الأشهر الثلاثة الأولى من توقيع الاتفاق.
في مقدمة هذه الأولويات، توفير الخدمات وبسط الأمن والاستقرار ودفع الرواتب وإصلاح وضع مؤسسات الدولة وتصحيح الوضع الأمني والعسكري واستيعاب كافة القوى ضمن بنية الدولة, توحيد الجبهة الداخلية في مواجهة مليشيات الحوثي الانقلابية وهزيمة المشروع الايراني في اليمن، لكن خططنا لا تقتصر على ذلك فحسب، بل تشمل أيضا إعادة تحريك الاقتصاد وإعادة رؤوس الأموال المحلية وجذب الاستثمارات وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص للاستفادة من ثرواتنا الطبيعية وإمكانياتنا الواعدة في مختلف القطاعات الانتاجية والخدمية