يوم 14 أكتوبر في عدن يمثل ذكرى تاريخية عظيمة في الذاكرة الوطنية، فهو اليوم الذي يرمز لتحرير الجنوب من الاستعمار البريطاني. ولكن ونحن نحتفل بهذا اليوم اليوم، نجد أنفسنا أمام واقع مرير، حيث يعاني الوطن من أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية خانقة. الاحتفال بذكرى التحرير في ظل هذه الظروف يثير في النفس تساؤلات وألماً عميقاً، إذ كيف وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري؟
كانت فترة الاحتلال البريطاني مليئة بالتحديات والصعاب، ولكن في تلك الأيام كان للأمل مكان، وكان هناك تطلع نحو مستقبل أفضل، وقوة دافعة نحو التحرر والسيادة. أما اليوم، فالوضع مختلف تمامًا؛ فنحن نعاني من غياب الأمن، انهيار الاقتصاد، تفكك اجتماعي، وصراعات سياسية لا تكاد تنتهي. الأسوأ من ذلك، أننا في الوقت الذي نحتفل فيه بذكرى طرد المحتل، نجد أن السيادة الحقيقية على أرضنا قد أصبحت متلاشية أمام واقع انعدام الخدمات الأساسية، وغياب رؤية وطنية واضحة لبناء دولة مستقرة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا أصبح وضعنا على هذا النحو؟ ولماذا نجد أنفسنا مختلفين عن محيطنا العربي، الذي حقق تقدماً ملحوظاً في مجالات التنمية والاستقرار؟ الجواب يتطلب منا نظرة صريحة على الداخل، إذ أن الأسباب تتجذر في الانقسامات الداخلية، وضعف الإدارة السياسية، وتغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة.
إذا كنا نرغب في بناء دولة متقدمة، فلا بد لنا من الالتزام بمبادئ أساسية، أهمها:
• الوحدة الوطنية: علينا أن نتجاوز الانقسامات الطائفية والقبلية، ونعمل يداً بيد لتحقيق تطلعات الشعب الواحد.
• سيادة القانون: بدون نظام قانوني يحترمه الجميع، لن يتحقق الاستقرار، وسيظل الفساد مستشريًا على حساب التنمية.
• التعليم والتنمية البشرية: بناء جيل قادر على الإبداع والابتكار هو مفتاح النهوض بالدولة، ويجب أن يكون التعليم على رأس أولوياتنا.
• تحقيق العدالة الاجتماعية: لا بد من توزيع عادل للموارد والثروات، وضمان حقوق المواطن في العيش الكريم.
• الاستفادة من التجارب الإقليمية: ننظر إلى جيراننا الذين حققوا نجاحات في التنمية والاستقرار، ونتعلم منهم دون تقليد أعمى، بل بتكييف الدروس بما يناسب خصوصيتنا.
إن بناء دولة متقدمة ليس بالأمر السهل، ولكنه ليس مستحيلاً. يكفي أن نستلهم من روح 14 أكتوبر تلك الإرادة الصلبة والعزيمة القوية التي دفعت أجدادنا للتحرر من الاستعمار، لنتمكن من التحرر من قيود التخلف والانقسامات، ونبني وطناً يستحقه أبناؤه، ونستعيد مكانتنا بين دول المنطقة.