من فترة قصيرة، أصبحنا نشاهد في السواحل اليمنية وفرة كبيرة من أسماك السردين، المعروفة محليًا بـ"العيد"، وهو ما دفع البعض للربط بين هذه الظاهرة وتوقف مصانع الطحن بقرار من وزير الزراعة والري والثروة السمكية قراره في أغسطس الماضي، وهو تفسير غير دقيق. إنتاج السردين يرتبط بشكل كبير بتغيرات بيئية طبيعية تعتمد هذه الأسماك على العوالق النباتية، التي تشكل قاعدة السلسلة الغذائية البحرية، وهذه العوالق النباتية تزدهر في فترات معينة من العام، مما يؤدي إلى ظهور السردين بكميات كبيرة على السواحل. ومن أهم العوامل التي تفسر هذه الظاهرة الموسمية هو دورة حياة السردين المرتبطة بتغيرات المناخ؛ إذ تتجه هذه الأسماك نحو السواحل بحثًا عن الغذاء والتكاثر، وأن هذه الظاهرة ليست جديدة، فقد حدثت في فترات سابقة على سواحل البحر العربي في اليمن، كما شوهدت في السواحل الجنوبية للهند، خاصة في كيرالا، حيث يُعرف تجمع السردين النفطي الهندي بـ"هروب السردين". وأن خلال هذا الموسم، يمكن رؤية السردين بكميات وفيرة على امتداد السواحل الجنوبية لليمن، من المهرة شرقًا إلى عدن وباب المندب غربًا، ويُعتقد أن بعض هذه الأسماك قد تكون أتت من المحيط الهندي أو سواحل عمان، كما بينت العديد من التقرير البيئية ذلك. وبما يتعلق بتوقف مصانع الطحن، فهو لم يكن السبب وراء وفرة أسماك السردين في السواحل اليمنية، لكنه أثّر بشكل سلبي على قطاع الصيد بصورة عامة، خاصة مع توقف المصانع؛ إذ أدى إلى انخفض الطلب على الأسماك رغم توفرها بكميات كبيرة، مما دفع العديد من الصيادين للعودة إلى استخدام الطرق التقليدية لتجفيف الأسماك تحت أشعة الشمس، وهي طريقة تُعرف محليًا بـ"الوزيف". ومع العلم، فأن مصانع الطحن تلعب دورًا رئيسيًا في تحويل فائض الأسماك ومخلفات الصيد إلى زيوت وأغذية تستخدم في مزارع الأسماك والزراعة، إضافة إلى تصديرها، مما يعزز الاقتصاد المحلي ويوفر فرص عمل. لذا، يُعد إعادة تشغيل هذه المصانع مطلبًا ضروريًا لدعم الصيادين، مكافحة البطالة، وتحفيز الاقتصاد المحلي، حيث أن مصانع الطحن تلعب دورًا حيويًا في تحويل فائض الأسماك ومخلفات الصيد إلى منتجات ذات قيمة اقتصادية مثل الزيوت والأعلاف، التي تُستخدم بشكلن أساسي في مزارع الأسماك والزراعة. كما يتم تصدير هذه المنتجات للخارج، مما يوفر عملة صعبة ويدعم الاقتصاد المحلي. وأن تشغيل هذه المصانع يسهم في توفير فرص عمل جديدة، خاصة للشباب، مما يساعد في الحد من البطالة وتحسين مستوى الدخل في المجتمعات الساحلية. ولقد تم الاعتراف بأهمية هذه الصناعات من قبل العديد من المنظمات الدولية، بما في ذلك منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، التي وصفتها بأنها صناعات صديقة للبيئة وأحد العناصر الرئيسية لتحقيق الأمن الغذائي في العالم. إلى جانب ذلك، قدم العديد من المستثمرين المحليين والأجانب مقترحات لمستقبل إنتاج مسحوق وزيت الأسماك في اليمن، ومن بين الشركات البارزة في هذا القطاع: شركة شبه الجزيرة العربية للمنتجات البحرية بالمهرة شركة النورس للمنتجات البحرية في المهرة شركة كينغ فيشر للمنتجات البحرية في حضرموت شركة أوشينز للأسماك المحدودة بالشحر شركة بن سدون للأسماك والأحياء البحرية شركة يوني غلوب حضرموت للمنتجات السمكية شركة بروتين الخليج للأسماك والأحياء البحرية هذه الشركات تدرس إنشاء مزرعة دواجن كبيرة في اليمن؛ إذ أن الطلب المحلي على منتجات الدواجن كبير ويعتمد على الاستيراد في الوقت الحالي. وإذا تم تنفيذ هذا المشروع بنجاح، يمكن أن يسهم في تلبية الطلب المحلي وتصدير المنتجات إلى الأسواق الأفريقية المجاورة، وتكمن أهمية هذه الخطوة في أن علف الدواجن يعتمد بشكل كبير على مسحوق السمك، والذي يمكن إنتاجه محليًا بأسعار تنافسية، مما يزيد من فرص نجاح هذا المشروع. وتشجيع التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص من خلال توفير تسهيلات استثمارية ودعم التصدير، وتحسين البنية التحتية وتطوير ميناءات الصيد لتسهيل عمليات النقل والمعالجة، وتعزيز البحث العلمي لدراسة حالة المخزون السمكي والتأكد من استدامة موارد البحر، وفرض رقابة صارمة على أساليب الصيد لضمان عدم الإضرار بالمخزون السمكي. كما أن في شهر أغسطس من العام 2024، أرسل المستثمرون في مصانع مسحوق وزيت السمك رسالة إلى وزير الزراعة والري والثروة السمكية، اللواء سالم السقطري، يطالبونه فيها بوقف القرار الوزاري رقم 23 لعام 2024 المتعلق بوقف نشاط مصانع مسحوق وزيت الأسماك بشكل عاجل، وقد برروا طلبهم هذا بأنه يراعي المصلحة العامة ويهدف لتفادي الأضرار المادية الكبيرة التي ستؤثر على هذه المصانع وعلى القطاعات الأخرى المرتبطة بالقطاع الخاص السمكي، مثل الصيادين والعاملين في هذا المجال. كما أكد المستثمرون في رسالتهم أن صناعة مسحوق وزيت السمك تعتبر من الصناعات الواعدة والمستقبلية، والتي شهدت تطورًا ملحوظًا على مدار السنوات الماضية. كما أوضحوا أن الأسماك المستخدمة في هذه الصناعة هي مخلفات غير صالحة للاستهلاك البشري، مما يجعلها صناعة صديقة للبيئة إلى حد ما. وأبدى المستثمرون استعدادهم للتعاون مع الوزارة في تنفيذ أي قرارات تهدف إلى الحفاظ على المخزون السمكي، وأن هذه المصانع مرخصة وتلتزم بالقوانين المنظمة للصيد والمعالجة، مؤكدين حرصهم على استدامة هذه الموارد بما يتوافق مع المعايير البيئية والتنظيمية. هذا وقد ناشد المستثمرون في مصانع مسحوق وزيت السمك القيادة السياسية ورئيس مجلس الوزراء الدكتور احمد عوض بن مبارك، بالالتفات إلى مطالبهم وإلغاء القرار الوزاري رقم 23 لعام 2024، الذي يوقف نشاط هذه المصانع، وقد أكدوا أن هذا القرار سيؤدي إلى أضرار كبيرة على مستوى الصناعة والاقتصاد، وسيؤثر بشكل سلبي على الصيادين والعاملين في القطاع الخاص السمكي. كما شددوا على جاهزيتهم للعمل مع الجهات المعنية لتنفيذ أي إجراءات تسهم في الحفاظ على المخزون السمكي وتحقيق التوازن بين التنمية الصناعية وحماية الموارد الطبيعية.