دخلت جيبوتي على خط الأزمة بين إثيوبيا والصومال التي تصاعدت عقب توسيع القاهرة تعاونها العسكري مع مقديشو الذي يتضمن إرسال قوات حفظ سلام في يناير القادم، وهو الأمر الذي استفز أديس أبابا التي لوحت بقطع إمداد مصر بالمياه، ما دفع القاهرة للّجوء مجددا إلى مجلس الأمن.
وبرز خلاف دبلوماسي بين الصومال وإثيوبيا في يناير الماضي عندما كشفت أديس أبابا عن اقتراح للاعتراف بدولة أرض الصومال التي تتمتع بحكم شبه ذاتي كدولة ذات سيادة، مقابل الوصول إلى ميناء على خليج عدن.
وقال وزير الخارجية الجيبوتي محمد علي يوسف إن بلاده، التي تشترك في الحدود مع إثيوبيا وأرض الصومال، على وشك أن تقترح على إثيوبيا طريقا بديلا عن خليج عدن، و”نحن نعرض إدارة بنسبة 100 في المئة لميناء في الشمال، وهو ممر جديد تم بناؤه بالفعل في تاجورة على الساحل”.
وأضاف يوسف أن الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلة طرح الاقتراح “لإيجاد طريقة للحوار” من أجل وقف التصعيد في التوترات بمنطقة القرن الأفريقي، حيث يعتزم الرئيس جيلة لقاء زعماء المنطقة في منتدى التعاون الصيني – الأفريقي الذي سيعقد في بكين الأسبوع المقبل لمناقشة هذه القضية.
وتشعر جيبوتي، التي تقع على نقطة اختناق شحن عالمية تربط البحر الأحمر وقناة السويس بخليج عدن والمحيط الهندي، بالقلق إزاء التوترات المتزايدة في المنطقة، وتحاول الحفاظ على علاقات متوازنة إقليميا ودوليا.
وأوضح اللواء نصر سالم، الخبير العسكري المصري، لـ”العرب” أن منح جيبوتي منفذا بحريا لإثيوبيا هو إجراء “لا قيمة له بالنسبة إلى القاهرة، لأن أديس أبابا أصبحت تتخوف من وحدة الأراضي الصومالية، وجيبوتي لن تفعل ذلك مجانا، بل بمقابل مادي كبير، وفي كل الأحوال أصبح اللعب على المكشوف من كل الأطراف”.
ويقول مراقبون إن انشغال مصر بالقرن الأفريقي زاد مع تصاعد حدة التهديدات الأمنية التي تمثلها جماعة الحوثي في اليمن على حركة الملاحة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، والتي أثرت سلبا على حركة الملاحة في قناة السويس، وتخشى القاهرة إمكانية أن يستخدم التواجد العسكري لإثيوبيا على البحر الأحمر ضد مصالحها.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن الخلاف بين مصر وإثيوبيا الذي يتخذ من الصومال وأرض الصومال واجهة هو انعكاس للأزمة المستعصية حول سد النهضة، والتي فشلت المفاوضات في إيجاد تسوية مناسبة لها، وواصلت أديس أبابا طريقها في التشييد والملء والتشغيل بلا تعاون أو تنسيق مع مصر والسودان، ما من شأنه أن يضر بمصالحهما المائية، ويمنح إثيوبيا يدا طولى للتحكم في كمية المياه الواردة إليهما.
وتستخدم مصر وإثيوبيا ما تمتلكانه من أوراق بهدف الضغط على الطرف الآخر للتسليم برؤية الطرف الأول، والابتعاد عن التفاوض المباشر بعد انسداد الطرق المؤدية إليه، حيث وجه وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج بدر عبدالعاطي، الأحد، خطابا إلى رئيس مجلس الأمن الدولي، أكد فيه رفض بلاده القاطع للسياسات الأحادية الإثيوبية المخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولي.
وجاءت هذه الخطوة بعد إعلان إثيوبيا غلق فتحات سد النهضة التي تسمح بمرور المياه إلى دولتي المصب مصر والسودان، ردا على توقيع القاهرة على اتفاق تعاون عسكري مع حكومة مقديشو، بموجبه تم إرسال شحنة أسلحة وذخائر إلى الصومال مؤخرا، وهو ما اعتبرته أديس أبابا خطوة استفزازية قد تنكأ جراحا عسكرية في المنطقة.
ويسعى كل جانب إلى ممارسة ضغوط سياسية ضد الآخر لإثنائه عن موقفه، فمصر تريد من وراء الاتجاه نحو تعزيز العلاقات الأمنية مع الصومال ودول مجاورة لإثيوبيا دفعها نحو العودة إلى طاولة المفاوضات والتوقيع على اتفاق ملزم بشأن سد النهضة الذي أعلنت أديس أبابا أنها سوف تنتهي تماما من عمليات بنائه وتشغيله قبل نهاية العام الجاري، ومن حقها أن تديره بالطريقة التي تراها مناسبة لتعظيم الاستفادة منه.
كما تريد إثيوبيا تكريس خطوتها بصورة منفردة، وتطوير علاقاتها مع جمهورية أرض الصومال بعد التوقيع على مذكرة تفاهم معها تمنحها منفذا إلى البحر الأحمر وقاعدة عسكرية وتسهيلات لوجستية في هذا الممر الحيوي.
ونوه وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي إلى أن تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد حول حجز كمية من مياه النيل الأزرق هذا العام واستكمال بناء الهيكل الخرساني لسد النهضة “غير مقبولة جملة وتفصيلا، وتمثل استمرارا للنهج الإثيوبي المثير للقلاقل مع جيرانها والمهدد لاستقرار الإقليم الذي تطمح أغلب دوله لتعزيز التعاون والتكامل فيما بينها”.
ونفى الوزير المصري في رسالته إلى مجلس الأمن، الذي أخفق سابقا في حل أزمة سد النهضة، ما يردده مسؤولون في أديس أبابا حول رفض بلاده مشروعات التنمية في إثيوبيا، مشددا على أنها في طليعة الدول الداعمة للتنمية بدول حوض النيل، وأن التنمية تتحقق للجميع في حالة الالتزام بالممارسات التعاونية المنعكسة في القانون الدولي وعدم الإضرار بالغير وتعزيز الترابط الإقليمي.
وأكد اللواء نصر سالم، الخبير الإستراتيجي والمحاضر في أكاديمية ناصر العسكرية التابعة للجيش المصري، أن “الهدف من رسالة مصر إلى مجلس الأمن هو وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية الحفاظ على أمن الإقليم ومنعه من الانفجار، بعد أن نفد صبر القاهرة”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “مصر تتحرك في الاتجاه الصحيح بحيث لا يلومها أحد على أي إجراء شرعي يمكن أن تقوم به للحفاظ على حقوقها في مياه النيل، خاصة أن القاهرة سلكت كل المسارات القانونية والتفاوضية ولم ينصفها أحد”.
وأشار إلى أن بيان وزارة الخارجية المصرية لمجلس الأمن “جرس إنذار أخير”، وأنه “لا يستبعد قيام القاهرة بخطوة غير مسبوقة للحفاظ على أمنها المائي، وهذا يظهر في حدة الغضب الذي صيغت به الرسالة، والتأكيد على عدم جدوى المسار التفاوضي”.
ولم يخل خطاب عبدالعاطي من تهديد مبطن عندما لفت إلى أن مصر “تظل متابعة عن كثب للتطورات ومستعدة لاتخاذ كافة التدابير والخطوات المكفولة بموجب ميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن وجودها ومقدرات شعبها ومصالحه”.
واجتمعت اللجنة العليا لمياه النيل برئاسة رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الأسبوع الماضي، وأكدت حق مصر في الدفاع عن أمنها المائي واتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق ذلك على مختلف الأصعدة.
وتناولت اللجنة سبل تعزيز التعاون في حوض النيل على ضوء اقتناع مصر بضرورة تضافر الجهود لاستقطاب التمويل لتنفيذ المشروعات التنموية بدول حوض النيل وفقا للممارسات التعاونية المتفق عليها دوليا، بما من شأنه تكريس الرخاء والازدهار للجميع، وتجنب الانجراف إلى آفاق التوتر وتقاسم الفقر التي يمكن أن تنتج عن السياسات الإثيوبية غير التعاونية.