يرحل الطيبون من بيننا بلا ضجيج، وبهدوء كما كانوا بيننا يعيشون بهدوء وبلا ضجيج، ونتألم لفراقهم، ونتحسر على أوقات مرت ولم نتشبع فيها من الجلوس معهم، ولم نرتو من غزير علمهم، يذهب الطيبون سريعًا كنجوم تتهاوى، هكذا نظن، ولكن هذه أعمارهم، فحسن سيرتهم هي من جعلتنا نظن أن رحيلهم كان سريعًا.
يرحل العظماء والعلماء والطيبون فتبكي عليهم القلوب قبل العيون، ونستشعر ألمًا في الجوف، ونردد كلمات الحزن والوجع في يوم رحيلهم، ونتمنى أن تكون تلك الأخبار مجرد كذبة في وسائل التواصل، فتأتي الأخبار متواترة بصحة النبأ الموجع والمحزن، ولكننا نؤمن ونصدق إننا جميعًا ميتون، تصديقًا لقول الله سبحانه وتعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون} فنحتسب أحبابنا الذين ذهبوا في أحسن حال لما رأيناه من صلاح في حياتهم ولا نزكي على الله أحدًا، ولكننا شهداء الله في الأرض، فنشهد لهم بالخيرية والصلاح والعلم والأخلاق، فتذرف عليهم العيون وتتألم ببكائها القلوب، فنصل لحقيقة مفادها: إن الموت حق، وسيأتي على كل ابن أنثى، فنسلم لأقدار الله وتظل الأحزان تملأ القلوب، ونظل ونمسي ندعو لمن أحببناهم ممن رسموا لأنفسهم ماض جميلًا، وقدموه لأنفسهم في هذه اللحظة.
آه ما أقصر هذه الحياة وما أحقرها فهي جيفة نتصارع عليها، وهي لا تستحق منا ذلك، وقد فهمها الكثير، فجعلوا حياتهم للعلم وكسوا ذلك بالأخلاق، فكذلك كان فقيدنا الدكتور صالح العولقي الذي جعل حياته للعلم وجعل علمه مكسوًا بالأخلاق الفاضلة، فمن قابله وتعرف عليه لا شك أنه قد أحبه، وذرف عليه دمعًا غزيرًا في يوم رحيله، فهكذا نحسبه والله حسيبه، فرحمة الله تغشاك شيخي وأخي، فلقد صدمت بالخبر الذي نزل علينا كالصاعقة، نسأل الله إن يبدلكم حياة خيرًا من حياتكم الدنيوية، وأن يجعل داركم الفردوس الأعلى، وإنا لفراقكم يا دكتور لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي الله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.