عوائل يهودية تفجر ضجة كبيرة في الشارع الاسرائيلي بإعلانها العودة لليمن، ووصف أرض الميعاد بـ أرض الجحيم
حي "اوشيوت" بمدينة "رحوفوت" تحول لقرية يمنية، لا تفارق بيوتها "المداعة"، ومقايل القات، والقنوات اليمنية
إسرائيل سرقت المؤلفات اليهودية اليمنية المكتوبة بالعبرية وأصدرتها بطبعات ودونتها بمكتبتها الوطنية
( الناقد برس ) الأمناء / تقرير : عبدالرحمن أنيس
تكتل يهود اليمن في اسرائيل مع بعضهم البعض في مناطق معينة واعتمدوا على انفسهم في صناعة حياتهم دون ان يسمحوا حتى للحاخامات بإدارة دور عبادتهم بل كل شيء يديرونه بانفسهم، لذلك انتقلت كل تفاصيل حياتهم في اليمن إلى مدنهم في إسرائيل بينما المجتمعات الأخرى اختلطت مع بعضها وذابت ببعضها .. هكذا تشرح نجاة النهاري "يهودية يمنية في إسرائيل" ظروف حياتهم على صفحتها في فيسبوك .
أقام اليهود اليمنيون متحفا للموروث الشعبي اليمني داخل إسرائيل ويقيمون معارض عن اليمن بين فينة وأخرى ، يخفى على الكثير منا حال يهود اليمن المهاجرين إلى إسرائيل ، بفعل حالة المقاطعة العربية والاسلامية مع الكيان الصهيوني ، لكن ما لا يعرفه كثيرون أن الكثير من يهود اليمن المغادرين إلى إسرائيل محتفظون حتى الآن بتراثهم الذي احتفظوا به قبل المغادرة بل ويحنون للعودة .
يهود اليمن في الأعراس اليهودية :
تروي نجاة النهاري طقوس اليهوديات اليمنيات في الأعراس ، تقول : (( ظلت العروس اليمنية هي نفسها التي كنا نراها في صنعاء أو عمران أو غيرها. والظريف في الأمر ان العروس لا تتمسك فقط بالحلي الفضية والعقيق واليلو والملابس المطرزة بخيوط الفضة، وعادات ليلة الحناء والشكمة ، وإنما حتى الأغاني التي ترددها النساء هي نفسها التي كنت اسمعها في صنعاء وأيضاً يغنونها باللهجة الشعبية اليمنية وليس باللغة العبرية)).
الزي اليمني في إسرائيل :
ثمة صور كثيرة نشرها يهود اليمن المهاجرون في إسرائيل على صفحاتهم بالفيسبوك تظهر لبس اليهوديات اليمنيات للزي التقليدي اليمني ( القراقوش ) في احتفالات تقام في مدن إسرائيلية عدة ، بل وحتى في الأعراس والأفراح يحرص يهود اليمن على لبس الزي التقليدي اليمني المخصص للأفراح .
القرقوش هو الزي اليمني التقليدي القديم وهو غطاء للرأس قد تخلى عن لبسه كثير من اليمنيات في الوقت الحاضر بفعل الموضات الحديثة إلا أن يهود اليمن لا يزالون يلبسونه في احتفالاتهم إلى اليوم .
الترويج لليمن داخل إسرائيل :
أنشأ عدد من يهود اليمن (بيت الموروث الشعبي اليمني) في بلدة (روش حايين) في إسرائيل، كجزء من الاعتزاز بهويتهم وتراثهم الأصلي .
كما أقام يهود يمنيون قبل سنوات معرضاً عن التراث الثقافي اليمني في مدينة "كريم هاتيمانيم" الاسرائيلية .
معاناة يهود اليمن في إسرائيل :
في يونيو 2002م قاد يحيى مرحبي احتجاجات عوائل يهودية يمنية، كانت قد وصلت إسرائيل عام 2000 ، بعد أن نكثت الحكومة الاسرائيلية تعهداتها بمنحهم مساكن مجانية، وتوفير فرص عمل لهم، ومساعدتهم مالياً وغيرها.
هذه العوائل فجرت ضجة كبيرة في الشارع الاسرائيلي بإعلان عزمها العودة الى اليمن، ووصفها أرض الميعاد بـ أرض الجحيم، وتقدمها برسالة خطية بذلك إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية، وكشفها عن أساليب الإغراء التي خدعتهم بها عناصر صهيونية زارت صنعاء واقنعتهم بالهجرة عبر الولايات المتحدة إلى أرض الميعاد التي تدر لبناً وعسلاً كما ورد في التوراة، فلم يجدوا سوى الذل والمهانة !
وسائل الإعلام التي سلطت الضوء عليهم ، قالت إن يوسف جارب- أحد المهاجرين- تباكى على ما تركه باليمن من عقارات وأراض زراعية خصبة، وقال: ( لم يكن ينقصنا شيء في اليمن.. أما فى إسرائيل فنحن نعيش فقراء.. حيث ضلل بنا، ونكث بكل الوعود ).
تروي نجاة النهاري قصة مسعود يوسف سلمان، وهو أب لثمانية أولاد، تقول انه لعن اللحظة التي وافق فيها على السفر من صنعاء إلى نيويورك، لينقلوه من هناك للسكن في بئر سبع ليصبح دون منزل ودون عمل أو إمكانيات لإعانة أسرته.
إعلان هذه العوائل عزمها العودة لليمن أثار هجوما اعلاميا على الحكومة الاسرائيلية وتسبب باحراجات كبيرة للكنيسيت ووكالة الهجرة اليهودية .
في 2006م انفجرت لوزة النهاري - يهودية يمنية مهاجرة - بوجه لجنة الاحتواء بالكنيست الاسرائيلي صارخة: ((نادمون على تركنا أوطاننا والمجيء إلى إسرائيل.. نريد العودة إلى اليمن.. لا نريد منكم أكثر من شراء تذاكر سفر لنا.. اللعنة عليكم وعلى إسرائيل!!)).
هذه الصرخة المدوية صعقت أعضاء اللجنة فالتهمهم صمت قاتل عقد ألسنتهم عن الكلام.. لتواصل لوزة النهاري رواية مأساتها بدءاً من منطقة "ريدة" بمحافظة عمران، ثم الهجرة الى الولايات المتحدة عن طريق السفارة الامريكية بصنعاء عام 2004م، ثم الترحيل السري الى إسرائيل حيث مركز الاستيطان في "عسقلان" عام 2006م، وانتهاء بطلب الوكالة اليهودية منها إخلاء مسكنها بحجة وصول مهاجرين جدد أولى بالمنزل منها، فيما السبب الحقيقي كان رفضها دفع أبنائها الى مدارس صهيونية متطرفة.
قرية يمنية في قلب إسرائيل :
معظم من تم تهجيرهم عام 1993 وقبل اندلاع حرب 94 من اليهود اليمنيين تم تسكينهم في حي "اوشيوت" من مدينة "رحوفوت" الاسرائيلية.. وقد تحول هذا الحي خلال الأعوام الماضية إلى نموذج مصغر لقرية يمنية، لا تفارق بيوتها "المداعة"، ومقايل القات، والقنوات الفضائية اليمنية والعربية.. وظلوا يمارسون طقوسهم اليمنية بحذافيرها حتى اليوم- بما في ذلك عادة منع تعليم الفتاة بمدارس مختلطة، أو إرتدائها ملابس الموضة غير المستورة.
صحيفة "نيويورك بوست" نشرت تقريراً عن اليهود اليمنيين المهجرين في التسعينات ، واوردت على لسان "يحيى تسفاري" قوله عن عن جيرانه المسلمين في اليمن: "إنهم كانوا يقدمون لنا سلال الفواكه من دون مقابل، ويتعاملون معنا بصدق وإخلاص، واذا كان اليهودي محتاجاً لنقود كان يدينه العربي من دون مشكلة، حتى انه لم يكن يطالب بنقوده الى ان نعيدها. هناك في اليمن كانت الحياة هادئة نزرع الأرض ونعتاش منها. لم نشعر يوماً بضائقة اقتصادية مع اننا كنا نعمل نصف يوم".
"يونا" زوجة يحيى تسفاري، تتمنى اللحظة التي تتاح لها فرصة العودة الى اليمن، والسبب كما تقول في التقرير الذي نشرته صحيفة "نيويورك بوست" انها لم تعد قادرة على تحمل طبيعة الحياة اليومية في اسرائيل حيث قالت: "انا لا أتمتع إلا بخبز الطابون- التنور- في ساحة البيت. هذا الأمر أزعج الجيران، وسبب لنا المشاكل، مما اضطررنا الى إحضار طابون من غاز داخل البيت. ثم ان الطحين في اسرائيل غير صحي كما هو الوضع في اليمن. لقد اشتقنا لرائحة الخبز المنتفخ. هناك كل شئ بسيط وصحي، حتى المياه التي كنا نأخذها من البئر افضل ومفيدة اكثر من الأنابيب هنا التي لا تجلب الا الحجارة للجسم".
إسرائيل تسرق التراث اليمني الثقافي :
بين 70 - 75 عاماً هو عمر حياة اليهود اليمنيين في إسرائيل، وأكثر من 3000 عام هو عمر حياتهم في اليمن، لكن مع هذا استطاعت اسرائيل سرقة موروثهم الثقافي والحضاري للثلاثة آلاف عام وتحويله إلى تراث إسرائيلي بجانب بعض الموروثات الاسلامية اليمنية.
هكذا يتحدث يهود اليمن على صفحتهم بالفيسبوك ويضيفون أن الحكومات اليمنية المتعاقبة لم تكترث لتوثيق الموروث الثقافي الشفاهي اليمني بشكل عام، مما شجع بلداناً عديدة منها دول خليجية الى توثيق بعضه ونشره ونسبته لنفسها، لكن اسرائيل سرقت حتى المؤلفات اليهودية اليمنية المكتوبة باللغة العبرية وأعادت اصدارها بطبعات فاخرة ودونتها ضمن مكتبتها الوطنية دون الاشارة الى أنها مؤلفات تعود الى ماقبل هجرة يهود اليمن الى اسرائيل.
كيف كان يهود اليمن يقضون شهر رمضان ؟!
(( ما أن قضمت قليلاً من قطعة "قفوعة"- نوع من الخبز- حتى بدأت الفتيات في الفصل بالصياح: فاطر، فاطر، فاطر.. وسخرن مني لأني آكل في رمضان. وعندما وصل الخبر لأمي شدت شعري حتى كادت تنزع فروة رأسي وهي تؤنبني، وأصبحت كل يوم تفتش شنطة كتبي "وهي لم تكن سوى كيس قماش" لئلا أكون أخذت معي أكلاً للمدرسة! )).
هكذا تروي المهندسة نجاة كيف كانت تعيش طفولتها في رمضان وتضيف : (( المسلمون يصومون، وأمي تتوقف عن الطبخ، وتغدينا بخبز وقهوة، وتحذرنا في كل مرة من الأكل في الشارع. وكنت دائماً أقول مع نفسي: نحن يهود مادخلنا من رمضان.. لكنني فهمت في سنوات أخرى أن ذلك من باب احترام مشاعر الآخرين .. كنت استمتع عصراً بالذهاب الى "المقشامة" القريبة حيث يأتي ناس كثيرون لشراء "البقل" ويحدث مزاح وكلام ظريف استمتع لسماعه )) .
وتتابع : (( مع اننا يهود كان معظم الجيران المسلمين يرسلون لنا أكلاً من فطورهم، وكنت افرح لما يكون بينه "قديد" أو "رواني"..وكنت استغرب لماذا لا يرسلون لنا لحماً بين الأكل.. حتى اخبرتني أمي بأنهم يعرفون أن اليهود لا يأكلون اللحم إلا الذي يذبحه العيلوم )) .
تتابع قائلة : (( كان الناس يسهرون في رمضان وأصوات المساجد لاتنقطع، والمدينة تبقى في حركة حتى وقت الفجر، ويسمح لنا اهلنا بالبقاء في الليل خارج البيت نلعب. كانت الحياة جميلة، ورغم أن الناس كلهم تقريباً بسطاء ليسوا اثرياء لكنني كنت اشعر انهم مرتاحون وراضون بعيشتهم، وكرماء جداً.. وقلما كانت تحدث خصومات بين الناس، وحتى عندما تحدث يتسامحون في نفس اليوم وتعود الحياة طبيعية.. )).