كتب / فاروق يوسف " العرب اللندنية"
يغض الغرب نظره عن حقيقة أن إسرائيل إنما تشن حربا في غزة على المدنيين بحثا عن عدوّها. وهي بذلك كمن يحرق غابة من أجل أن يصطاد أرنبا. في خلفية تلك الجريمة لا يمكن أن تُعفى إسرائيل من المسؤولية عمّا حدث لها ومن ثم للآخرين.
فقطاع غزة الذي هو اليوم موقع حربها القذرة لا صفة قانونية له. فلا هو محتل ولا هو مستقل. وحماس التي استولت عليه منذ 2007 لا هي دولة ولا هي حكومة. وشعب غزة يموت إن انقطعت عنه المساعدات الدولية بمعنى أنه عاجز عن إعالة نفسه.
كل هذا لم يمنع أن غزة كانت مسرحا لسبعة حروب بما فيها الحرب الحالية، شنتها إسرائيل وهي التي يعتبرها الغرب جزءا منه على المدنيين، أطفالا ونساء وشيوخا ومرضى. وهم بشر لا شأن لهم بحماس.
لا يختلف اثنان حتى لو كانا من المناصرين لإسرائيل في أن غزة ضحية لما فعلته إسرائيل عبر ثلاثين سنة، هي عمر اتفاق سلام رثّ لم تحترمه إسرائيل ولم تكتف بوضعه على الرف، بل وضعت السلطة الفلسطينية معه في سلة النفايات التي لا يمد إليها أحد من العالم يده إلا تعبيرا عن الإشفاق الذي ينطوي على الكثير من الازدراء.
غزة بالنسبة إلى العالم صارت مسألة إنسانية وليست جزءا من دولة تنتظر التصريح بقيامها. تلك مشكلة عصية على الفهم وبالأخص أن إسرائيل كانت قد وضعت صراعها مع حركة حماس على الدرجة الأولى من سلّم اهتمام العالم. ولهذا نُسيت غزة بأهلها حين قررت إسرائيل الرد على ضربة حركة حماس المفاجئة يوم السابع من أكتوبر.
يمكننا أن نتفهم موقف الغرب برئاسة الولايات المتحدة، ولكن هل كان لروسيا والصين موقف حازم لوقف العدوان الإسرائيلي على أهل غزة الذين لا حول لهم ولا قوة وهم المجردون منذ سنوات طويلة من معرفة مصيرهم القانوني؟ فلا حماس دولة يحتمون بها ولا هم مواطنون فلسطينيون يجري التعامل معهم من خلال سلطة واضحة المعالم.
حين بدأ بنيامين نتنياهو حربه في غزة فإنه كان أولا يدافع عن نفسه وهو المهدد بالسقوط لأسباب داخلية، وثانيا كانت تلك الحرب فرصة له لكي يقول رأيه بالشعب الفلسطيني الذي لا يستحق العيش من وجهة نظره ما دام قد أصر على البقاء على أرضه ولم يهاجر إلى بلاد اللجوء التي ترحب بالفلسطينيين منذ سنوات، انسجاما مع خطة تهجيرهم. وثالثا لأن الغرب والعالم من حوله لم يعد يرى في غزة سوى حماس التي تم حصرها في رواية ما حدث يوم السابع من أكتوبر حين تم قتل المدنيين واقتياد جزء منهم أسرى.
كان متوقعا ألاّ يقف جيش الاحتلال الإسرائيلي عند حد بعينه مما سُمّي بـ”الرد الدفاعي”. لقد انتقلت إسرائيل سريعا من خدعة الدفاع عن النفس إلى حقيقة الهجوم المنظم. هناك جيش منظم يقتل المدنيين. أما أن يعثر ذلك الجيش على مقاتلي حماس وهي منظمة مدربة على حرب العصابات فذلك أشبه بلعبة إلكترونية.
كل ذلك العبث الإسرائيلي انتهى إلى المستشفيات. كان متوقعا أن يدق ناقوس الخطر بالنسبة إلى الديمقراطيات الغربية. هناك شيء ما يحدث هو أشبه بكارثة في تاريخها. إن صمتت فإنها ستخلق منطقة سوداء لا في فلسطين وحدها، بل في بقاع مختلفة من العالم. وهي منطقة قابلة للتوسع لن يتمكن الغرب من احتوائها في المستقبل والتقليل من عدائها.
لقد استخف الغرب بقوانينه حين تعلق الأمر بإسرائيل. ففي أسوأ الحروب كانت المستشفيات خطوطا حمراء. أما أن يُسمح لإسرائيل بتجاوزها فإن الغرب يضع نفسه في مواجهة عار، كانت الولايات المتحدة وحدها قد صنعته وواجهت تداعياته في فيتنام والعراق. وكانت بذلك قد تجاوزت القوانين والمواثيق الدولية.
ما لم يشعر الغرب وبالأخص منه دول الاتحاد الأوروبي بأن إسرائيل صارت تمثل خطرا على السلام العالمي فإن العالم في طريقه إلى الهلاك. فحرب تنتهي إلى اقتحام المستشفيات هي ليست مأثرة بطولية وهي لا يمكن أن تسجل في التاريخ إلا باعتبارها عارا. ذلك العار لن يكون عار إسرائيل وحدها، بل هو عار كل الدول التي اصطفت وراء إسرائيل كما لو أنها لا ترى أن هناك شعبا لا ذنب له سوى أنه يعيش في غزة.