دراسات ميدانية: 6 ملايين نازح شمالي في محافظات الجنوب
العاصمة عدن أخذت نصيب الأسد بثلاثة ملايين نازح
قوى النفوذ الإخوانية تتخادم مع الحوثيين باستغلال ورقة النزوح لخلط الأوراق
ما هي الأعباء والمترتبات التي يتسبب بها النازحون على سكان الجنوب؟
من يقف وراء تدفق النازحين الشماليين إلى الجنوب؟
ما الخطوات اللازمة للخروج من مشكلات النزوح المنظم؟
نزوح شمالي ممنهج وأعباء خدماتية واقتصادية في الجنوب
الأمناء/ تقرير - سالم لعور:
مشكلة موجات النزوح البشري من المناطق الشمالية التي يسيطر عليها الحوثيون إلى محافظات الجنوب المحررة، وفي مقدمتها العاصمة الجنوبية عدن، صارت واحدة من أبرز التحديات التي تواجهها السلطات في الجنوب، وتحديداً العاصمة عدن، لما نجم عن هذه الظاهرة من آثار سلبية شملت كافة مناحي الحياة سياسياً واقتصادياً وأمنيا واجتماعياً وصحياً وتعليمياً وحضرياً.
لا يختلف اثنان حول ظاهرة النزوح باعتبارها حق إنساني تكفله القوانين الدولية، وحتى القوانين الوضعية والعرفية، في جميع الدول، ولكن يتم تنظيم هذه العملية والترتيب لها وفق عدد من الإجراءات والضوابط والخطوات التي تضمن حماية النازحين وحقوقهم المشروعة في وصول المعونات الغذائية والطبية من المنظمات الدولية بكل سهولة ويسر وسلاسة دون المساس بها أو اقتطاع أجزاء منها من قبل أي جهة كانت.
وفي مستهل هذا التقرير لا بد لنا من تعريف معنى النزوح الداخلي في القانون الدولي الإنساني، حيث عرف الفقه الدولي "النزوح الداخلي بأنه: الأفراد الذين اضطروا للهرب أو تركوا ديارهم نتيجة المنازعات المسلحة، أو لحالات عنف سائد أو لانتهاكات حقوق الإنسان أو لكوارث طبيعية أو لتفادي هذه الأوضاع".
وتضمن المواثيق الدولية للنازحين حقوقهم في عدم التمييز بينهم بسبب الحالة وتمتعهم بما يتمتع به الأشخاص الآخرون في البلد من حقوق وحريات بموجب القانون الدولي والمحلي، وكذا حمايتهم وتقديم المساعدات الإنسانية لهم، وحماية حقهم في الحياة مادياً ومعنويا، وغيرها من الحقوق الأخرى.
موجات نزوح منظمة وممنهجة إلى العاصمة عدن
المتتبع لموجات النزوح من المناطق الشمالية إلى العاصمة عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى يلاحظ أنها تتزايد يومًا عن يوم منذ اندلاع الحرب في اليمن في مطلع العام 2015م، وبدت في ظاهرها في البداية إنها عمليات نزوح قسري من المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، إلا أنها مع مرور الوقت بدأت تتكشف أهدافها السرية والخفية التي رسمتها مراكز القوى الشمالية اليمنية ممثلة بالحوثيين والقوى السياسية والدينية الشمالية الأخرى بغض النظر على اختلافاتها مع الحوثيين والتي تسعى إلى خلخلة الأمن والاستقرار ونشر أعمال الفوضى والعنف والاغتيالات والتفجيرات وتهريب المخدرات وغيرها من أعمال التخريب والتدمير لكل ما له علاقة بالجنوب وهويته وثقافته وإرثه الحضاري العريق.
نظام صنعاء يدفع بملايين النازحين للجنوب
ومنذ اندلاع الحرب في البلاد في مطلع عام 2015م عمل نظام صنعاء على سياسة النزوح والدفع بملايين اليمنيين من المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين إلى محافظات الجنوب بطرق وأساليب منظمة وممنهجة بهدف تحقيق أهداف سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية واجتماعية مستغلة ظروف الحرب على الرغم أن موجات النزوح التي وصلت ذروتها طوال الثماني السنوات المنصرمة ما يربو عن ستة ملايين نازح في المحافظات المحررة، وتحملت العاصمة عدن نصيب الأسد من هذا الكم البشري الذي وصل إلى ما يقارب ثلاثة ملايين شخص، أثبتت الوقائع أن غالبيتهم قد انتفت عنهم صفة النزوح لأسباب تبرز في مقدمتها أنهم في كل المناسبات الدينية - كعيدي الفطر والأضحى - يغادرون جميعهم العاصمة عدن والمحافظات الجنوبية إلى محافظاتهم الواقعة تحت سيطرة الحوثيين لقضاء إجازة العيد، ثم يعودون للعاصمة عدن ومحافظات الجنوب دون تعرضهم لأي أعمال عنف مسلحة أو اعتقالات أو مضايقات من قبل الحوثيين، مما يعني انتفاء صفة النزوح عنهم وبما يكشف أن تواجدهم كثير منهم بقصد أو بغير وعي يسهم في تحقيق الأهداف التي رسمها نظام صنعاء لزعزعة أمن واستقرار الجنوب على كافة الاتجاهات والصعد، حيث تركزت موجات النزوح البشرية في غالبية عواصم المحافظات الجنوبية ونالت العاصمة عدن النصيب الأكبر منها.
عشوائية التعامل مع موجات النزوح للعاصمة عدن
لا بد من الإشارة إلى أن ظاهرة النزوح البشري المخيف من المناطق الشمالية إلى العاصمة عدن قد تركت أضرارًا جمة على كافة المستويات وأصبحت تشكل خطراً حقيقياً على هؤلاء النازحين ممن تنطبق عليهم صفة النزوح - إن وجدت - من جهة ومن جهة أخرى على أبناء العاصمة الجنوبية عدن بوجه خاص، لاسيما في ظل الحصار الخدماتي المفروض عليها من قبل الحكومة اليمنية ممثلة برئيسها معين عبدالملك التي بلغت ذروتها، وتمثلت في انقطاع خدمات الكهرباء وتردي الأوضاع الصحية والتعليمية وانقطاع مرتبات القوات المسلحة الجنوبية، إضافة إلى فساد هذه الحكومة التي تعمدت إلى حرصها الشديد على تدهور العملة المحلية واستشراء الفساد ليضرب كافة مناحي حياة الناس في العاصمة عدن خاصة والمحافظات الجنوبية عامة، وإلى محاولات زعزعة استتباب الأمن والاستقرار فيها ونشر أعمال الفوضى والعنف والتخريب الممنهج لكل مؤسسات الدولة ومرافقها الحكومية من خلال أدواتها الفاسدة وعدم تنظيم مشكلة النزوح غير المبرر في العاصمة عدن واستغلاله لتعطيل كافة مناحي الحياة والوصول لتحقيق أهدافها التي تتخادم مع أهداف قوى النفوذ الحوثية التي تعمل على خلط الأوراق لتدهور الأوضاع وإصابتها بالشلل التام في المحافظات الجنوبية.
نزوح شمالي ممنهج وأعباء خدماتية واقتصادية في الجنوب
وتسببت حركة النزوح المتعمد والممنهج للنازحين الشماليين في العاصمة عدن في كثير من المتاعب لمواطني عدن، أبرزها: تشكيل عبء خدماتي يتعلق بجوانب خدمات الكهرباء والمياه، وازدحام الطرقات، وحتى في جوانب المواد الغذائية والاستهلاكية والمشتقات النفطية التي أصبحت لا تفي بحاجة المواطنين، وما نجم عنه من ارتفاع وغلاء أسعار هذه الاحتياجات الضرورية، وكذا ضلوع كثير من النازحين في أعمال الاغتيالات والتفجيرات ونشر المخدرات بين أوساط الشباب، والمتاجرة بالعملة الصعبة وتهريبها لمناطق الحوثيين بعد أن صاروا يحظون بنصيب الأسد من واردات الأعمال التجارية والمهنية التي يقومون بها كالمحلات التجارية والبقالات والمطاعم والمشارب وأعمال البناء والتعمير وغيرها من الأعمال التجارية التي تدر عليها أرباحاً طائلة، مستغلين وضع الحرب والتوترات وفساد المؤسسات والإدارات وغيرها، ثم تحويل هذه الأموال - بعد تحويلها بالعملة الصعبة كالدولار والريال السعودي - إلى مناطقهم الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، وإحداث أزمات مالية وارتفاع أسعار الصرف في المحافظات الجنوبية بسبب سوء الإدارة المصرفية للبنك المركزي اليمني وفساد شركات الصرافة باعتبارها العامل الرئيسي المساعد على تدهور العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية.
أبرز مخاطر النزوح
ومن أبرز مخاطر النزوح هو الأزمة في جوانب إيجارات السكن وارتفاع أسعارها بصورة خيالية، حيث إن هناك نازحين جاءوا عند اندلاع الحرب في العام 2015م وبسبب أوضاع الحرب اشتروا بقع وبنوا عليها مباني وقاموا بتأجيرها على جنوبيين في ظل صمت لا مبرر له من قبل السلطات المحلية ممثلة بمدراء عموم المديريات.
كيف يمكن معالجة مخاطر النزوح والحد منها؟
ظهرت خلال السنوات الماضية العديد من الدعوات لمعالجة ظاهرة النزوح للعاصمة عدن بعد أن أصبحت مخاطرها تضر بالوطن والمجتمع والأسرة والفرد، إلا أن كل تلك الدعوات كانت من جهات في السلطات والأجهزة الأمنية أو عبر الورش والندوات أو عبر المنابر الإعلامية الجنوبية بمختلف أنواعها مجرد ظواهر صوتية دون إجراءات عملية تضمن معالجات حقيقية لمخاطر هذه الظاهرة وتنظيمها فعليًا على الواقع العملي، على الرغم من إمكانية حل هذه المعضلة بكل سهولة ويسر وسلاسة لأسباب كثيرة، منها: قلة الوعي بمخاطر الظاهرة، وعدم المسؤولية الملقاة على عاتق الجهات المعنية في كل أطر السلطات لوضع حد لما نجم عن ظاهرة النزوح من آثار سلبية وكارثية تمس حياة الوطن والمواطن، وللبدء في وضع معالجات لمخاطر ظاهرة النزوح الى عدن والجنوب ينبغي على السلطات المختصة في العاصمة عدن ومديرياتها العمل على:
- إنشاء قاعدة بيانات بالنازحين وتعزيز نظم إدارة المعلومات التي تدعم جمع البيانات بالاعتماد على اللجان المجتمعية وبالتنسيق مع السلطات المحلية وأجهزتها الأمنية.
- ضبط ورصد حركة النزوح إلى الجنوب، والرصد الميداني الدقيق وتكليف كل عقال الحارات واللجان المجتمعية جمع معلومات متكاملة عن كل النازحين في أحيائهم السكنية.
- الترتيب لتجهيز مخيمات للنازحين وبالتنسيق مع المنظمات الدولية وتوفير كل الخدمات والاحتياجات لتلك المخيمات وتوفير الحماية لها وللنازحين فيها.
- إيواء النازحين في مخيمات بعيدة عن التجمعات السكانية الكبيرة في المدينة.
- التنسيق مع المنظمات التابعة للأمم المتحدة ودول التحالف والحكومة اليمنية للقيام بواجبها تجاه النازحين وذلك بإنشاء وتجهيز المخيمات وتوفير المواد الغذائية والإيوائية والصحية والخدمات الضرورية ورعايتهم والإشراف عليها.
- تشجيع عودة النازحين إلى ديارهم بالذات النازحين الذين انتفت لديهم أسباب النزوح.
- حث المنظمات ذات العلاقة بتعزيز الدعم في المناطق التي يتم تحديدها كمناطق آمنة لعودة الأشخاص النازحين.
ويتم تعميم هذه التجربة على كل المحافظات الجنوبية الأخرى التي تعاني من ظاهرة النزوح والتي تزايدت مؤخرا بصورة مثيرة للتساؤلات والتي تخفي وراءها كثيرًا من الأسرار والأهداف الخفية التي تسعى قوى الاحتلال اليمني إلى استثمارها لتحقيق أهدافها وفي مقدمتها إجهاض الهدف السامي الذي ينشد أبناء الجنوب تحقيقه والذين قدموا في سبيله عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمتمثل في استعادة دولتهم الجنوبية والتي صارت ملامحها تلوح في الأفق.