نشرت صحيفة زينث الألمانية تقريراً مفصلاً للكاتب فرناندو كارفخال، التقرير سلط الضوء على شخصية الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي والتحولات المصيرية التحررية الجنوبية التي قادها على مدى عقود ووصولها الى ما وصلت اليه اليوم من قوة وحضور خارجي مؤثر وفي قلب الاهتمام الاقليمي والدولي ، ومكاسب وإنتصارات سياسية وعسكرية شارفت على تحقيق غايات وتطلعات شعب الجنوب في تقرير مصيره وإستعادة دولته الفيدرالية كاملة السيادة ، وركزت الصحيفة في تقريرها على مبادرة الرئيس القائد عيدروس الزبيدي في قيادة المقاومة الجنوبية ورسم طريقها حينما هدفت المليشيات الحوثية من إجتياحها للعاصمة عدن الى إخضاع الجنوبيين وليس ملاحقة الرئيس هادي وعناصر الاخوان كما ورد في تقرير صحيفة زينث وهي واحدة من اكثر الصحف الالمانية شهرة .
وتطرقت الصحيفة الى نجاح الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي في ايجاد الحامل السياسي الشرعي للقضية الجنوبية -المجلس الانتقالي الجنوبي – وكذا توحيد الصف الجنوبي ووضع القوات الجنوبية كمرتكز بارز وجعلها الاكثر نجاحا ضد مليشيات الاحتلال وفي الحرب على التنظيمات الارهابية .. موقع درع الجنوب يعيد نشر التقرير
تقرير: فرناندو كارفخال
فتحت التحولات داخل النخبة السياسية في اليمن مساحة لشخصيات أصغر سنا لتملأ الفراغ القيادي. فأنموذج واحد على وجه الخصوص، اللواء عيدروس الزبيدي، كان صعوده له تأثير كبير يوازي سقوط الشخصيات التاريخية الرئيسية.
كان لسقوط الشخصيات السياسية الرئيسة على مدى السنوات الثمانية الماضية تأثير مباشر على مسار الصراع في اليمن، عندما بعث الأمل صعود شخصيات فاعلة جديدة بين شرائح معينة من السكان. وكنتيجة منطقية لذلك فقد مُزقت البلاد على أسس سياسية بل وخلقت حدودًا واقعية بين المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون ومنافسيهم، في حين شهد الجنوب فترةُ توحد تحت قيادة أكثرُ تماسكًا وتنظيما واستباقية، فقد أدى ظهور المجلس الانتقالي الجنوبي (STC) إلى إذكاء الإرادة الجنوبية تحت راية جديدة، بعيدا عن ما كان عليه الحراك السلمي القائم على العصيان المدني إلى لمشاركة الكاملة في محاربة الحوثيين عسكريا والخوض المباشرة في السياسة الوطنية.
إن صعود اللواء عيدروس الزبيدي الى الواجهة لم يكن محظ صدفة. بل كان نتاج لعقود من النضال، متماهيا مع تنشئته في قرية زبيد في محافظة الضالع في فترة جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية (ج.ي.د.ش).و دوره القيادي والسياسي والعسكري البارز منذ تحرير عدن كل ذلك اتى نتاجاً لتجربتة العسكرية الكبيرة ودوره البارز في المقاومة الجنوبية.
ولد الزبيدي في 23 يوليو 1967، وانتقل من قريته إلى عدن لمواصلة تعليمه الأساسي والثانوي. انضم إلى كلية القوى الجوية في عام 1986 ، وهي فترة الاضطراب السياسي في جنوب اليمن، وتخرج بعد ذلك بعامين برتبة ملازم ثاني. بعد الوحدة في مايو 1990، انتقل الزبيدي إلى صنعاء حيث أصبح قائداً أمنياً في وحدة أمن السفارات في وزارة الداخلية. وبقي الزبيدي مخلصاً للجنوب، فقد وقف آنذاك مع نائب الرئيس علي سالم البيض في الحرب الانفصالية عام 1994. بعد هزيمة القوات الانفصالية الجنوبية، كالعديد من الجنوبيين الآخرين، غادر الزبيدي من اليمن إلى جيبوتي حتى عام 1996.
ونتاجا لمشاركته في الحرب الاهلية عام 1994، فقد بدأت تجربته في حركة المقاومة فعليا في عام 1996. أثناء وجوده في جيبوتي عمل على تأسيس حركة حتم (تقرير المصير)، وهي مجموعة مقاومة مسلحة جنوبية تشكلت لتنفيذ هجمات سرية على المراكز العسكرية للقوات “التي تحتل الجنوب”. يأتي ذلك في وقت تبنى فيه الجنوبيون الخطابات السردية ضد الاحتلال الشمالي بعد الهزيمة في عام 1994 وقمع صنعاء لأؤلئك الذين يطالبون بتقرير المصير الجنوبي وعودة جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية. في عام 1997، حوكم الزبيدي غيابياً من قبل محكمة عسكرية في صنعاء وحكمت عليه بالإعدام مع ضباط جنوبيين آخرين.
بعد هزيمة عام 1994، انقسم نشطاء الجنوب بين من يريد نضال العصيان المدني السلمي وبين المقاومة المسلحة. كان الهدف الأساسي هو جذب انتباه المجتمع الدولي وتسليط الضوء على الجرائم التي يرتكبها نظام صنعاء وكذلك التركيز على الحق في تقرير المصير في إطار وحدة 1990 المنتهية. انقسم الجنوبيون بين اتباع طريق المقاومة او النضال السلمي.
أعاق الانقسام بين الجماعات الجنوبية من 1994 إلى 2007 احراز التقدم في تحقيق الطموحات الجنوبية. ومع ذلك، فإن ظهور الحراك (الحراك الجنوبي) احتجاجًا على زيادة تهميش الجنوبيين في والوظائف المدنية والعسكرية، أعاد تنشيط المقاومة. تزامن هذا الإحياء مع الحرب في صعدة بين حكومة صنعاء ومتمردي الحوثي الزيدي الشيعي. فالحراك وحد الشخصيات السياسية الجنوبية داخل وخارج حدود اليمن. كما اجتذب الحراك جيلاً جديداً من النشطاء الشباب الذين تزعموا الخطاب النضالي ضد الاحتلال الشمالي والمطالبة بحق تقرير المصير. ظل الشباب يتطلع للدولة التي لم يعيشها أكثرهم ولكنهم اشتاقوا إليها نتيجة التهميش داخل اليمن الموحد.
حصول الزبيدي على مساعدة عسكرية من التحالف العربي
تزايد الشعور بالظلم بين الشباب مع وصول الربيع العربي إلى اليمن في فبراير 2011. بينما اندلع نزاع مسلح في شمال اليمن بين القوات الموالية لصالح وعناصر متحالفة مع جماعة الإصلاح التابعة لجماعة الإخوان المسلمين اليمنية، نظم الجنوبيون اعتصامات في عدن واحتجاجات سلمية في عموم المحافظات الجنوبية. حيث أمرت سلطات صنعاء بقمع المتظاهرين في عدن، في المقابل احجمت الجماعات السياسية وعامة السكان عن تنظيم انتفاضة مسلحة مماثلة لمسار الأحداث في عمران أو مأرب أو تعز.
طالبت شريحة من السكان في جميع أنحاء الجنوب من قادتهم مواجهة العدوان الشمالي بالقوة. حيث كان هناك قادة مثل الزبيدي مستعدون ذلك، بفضل المئات من الرجال المدربين والأسلحة الخفيفة، لكن ضبط النفس كان أمر القيادة المنظمة في الحراك. أراد القادة أن يرى العالم النهج المتشدد الذي اتبعته سلطات صنعاء، والذي استمر بعد نقل السلطة من صالح إلى هادي في فبراير 2012. حيث واجهت قوات الأمن- التي هي تحت سلطة رئيس من أصل جنوبي- المتظاهرين المدنيين العزل بالقوة.
وصلت حرب أخرى بين الحوثيين وحكومة صنعاء إلى عدن في مارس 2015 فمثلت مسيرة الحوثي جنوباً تهديدًا وجوديًا وفرصة طال انتظارها لقادة الجنوب يستدعي بقائها ردود فعل متشعبة، بما في ذلك المقاومة المسلحة.
لم يعد النهج المتبع منذ عام 2007 كافياً، حيث عاد العدو مرة أخرى إلى “غزو” الجنوب. لم يكن المتمردون الحوثيون يلاحقون الرئيس هادي وتتبع منتسبي الإصلاح في عدن، بل كان عدوانهم يهدف إلى إخضاع الجنوبيين لسيطرة قبضتهم. كان هذا وقتًا مناسبا لقادة مثل عيدروس الزبيدي للتقدم إلى صدارة المقاومة الجنوبية ورسم طريقها.
كان الزبيدي في وضع مثالي، حيث قاد مئات الرجال المدربين تدريباً جيداً، ومن خلال العلاقات مع الخليج، التي وطدها مناصرين من يافع يعيشون في الإمارات العربية المتحدة، حصل الزبيدي على مساعدة عسكرية من التحالف العربي. أولاً، دفعت عناصر متحالفة مع حركة حتم مقاتلي الحوثيين إلى خارج محافظة الضالع باتجاه الحدود مع محافظتي البيضاء وإب. ثم شاركت قواته في تحرير أكبر قاعدة جوية لليمن في العند في لحج.
– كانت القوات بقيادة الزبيدي وحلفائه من بين الأكثر نجاحا ضد القوات الشمالية
كانت القوات بقيادة الزبيدي وحلفائه من بين الأكثر نجاحاً ضد القوات الشمالية. فوجود مليشيات منظمة على التخوم وما يكفي من الأسلحة والمركبات التي قدمها التحالف بقيادة المملكة العربية تسهل تحرير عدن في يوليو 2015. ثم تنظمت القوات التي يقودها الزبيدي وقادة جنوبيون آخرون ضد عناصر إرهابية من القاعدة في شبه الجزيرة العربية والدولة الإسلامية في اليمن. فطهرت عمليات مكافحة الإرهاب عدن من عناصر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم الدولة الإسلامية كل ذلك في سنة واحده وبعد أشهر من تعيين –
– عيدروس الزُبيدي محافظا لعدن.
عمل الزبيدي ما يقرب من عام ونصف كمحافظ قبل أن يقيله الرئيس هادي في أبريل 2017. مرة أخرى، انتهز الزبيدي الفرصة، وجمع مجموعة واسعة من المناصرين من جميع المحافظات الجنوبية الثمان وأعلن تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي المكون من ستة وعشرين عضوًا ( STC ) في مايو. وفي وقت لاحق من ذلك العام، شُكلت الجمعية الوطنية من 303 أعضاء من جميع أنحاء الجنوب.
هذا النهج الجديد بقيادة عيدروس الزبيدي لم يعزز صورته الشخصية فحسب، بل وضع القوات الجنوبية كمرتكز بارز جديد للقوة الناشئة في اليمن. وبقيادة الزبيدي تمكن المجلس الانتقالي من توحيد المكونات الجنوبية المتعددة ولم شملهم خلف خطاب مشترك، خاصة بعد عدد من الانتصارات العسكرية الاستراتيجية التي حققتها قواته في أبين وعدن وشبوة. مع زيادة النفوذ وسيطرة القوات الموالية للانتقالي على الأرض حصل عيدروس الزبيدي على اعتراف من الحكومات الغربية والتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص.
في خطوة فجائية خلال تشاور المسؤولين اليمنيين والناشطين السياسيين، تنحى الرئيس هادي في أبريل. وقد مهد ذلك الطريق لإنشاء مجلس قيادة رئاسي جديد من ثمانية أعضاء (PLC)، مع تمثيل عيدروس الزبيدي للجنوب. وضع هذا الموقف المظالم الجنوبية في قلب السياسة اليمنية. مرة أخرى يتحد الجنوبيون تحت قيادة واحدة، مما يزيد الآمال ببداية جديدة وتوزيع أكثر إنصافًا للموارد في الأشهر والسنوات القادمة.