مقدمة:
تاريخ التدخلات الاقليمية والدولية في اليمن طويل ومستمر حتى الان بحكم مخلفات حقبة الحرب الباردة والتراجع الامريكي من الشرق الاوسط. تحاول العديد من الدول لعب دور في الملف اليمني منها عمان والكويت وقطر ومصر وروسيا والصين وألمانيا وفرنسا وغيرهم. ولكن تبقى خمس دول على وجه التحديد لها دور مباشر في الشأن اليمني. ثلاث منها اقليمية وهي الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية. و على المستوى الدولي لدينا المملكة المتحدة البريطانية والولايات المتحدة الامريكية. اركز في هذا الجزئ على بعض الجوانب من الدور السعودي-الاماراتي.
تطور الدور السعودي والاماراتي:
الدور الاهم هو للسعودية بحكم الروابط الجيوستراتيجية، وهذا يعني ان الجغرافيا بيننا وبين السعودية تجعل مصيرنا محتوم عليه ان يتأثر بالتطورات السياسية والامنية فيها والعكس. تعاملت السعودية مع اليمن بعد فترة الستينيات بحذر عبر سياسة الاحتواء مع الاعتماد على دعم شخصيات معروفة لديها و لها تأثير، ومع دعمها للميزانية العامة للدولة كوسيلة اساسية للحفاظ على النظام. ولا يستطيع احد انكار المشاريع الخيرية بما في ذلك مستشفى السلام السعودي في صعدة. و لكن لم تعير السعودية الاهتمام الكافي لاحتياجات التنمية البشرية وبناء السلام والتداول السلمي للسلطة في اليمن. بل وكانت لسياسة المملكة بتقديري الشخصي عقبات غير حميدة على التنمية البشرية وبناء السلام.
المنعطف الجديد في الملف اليمني تمثل بتدخل التحالف عسكريا مواكبة للقرار الأممي ٢٢١٦ في شهر مارس من 2015 بطلب من الرئيس عبدربه منصور هادي، بعد الاعلان الدستوري من قبل انصار الله وعرضهم العسكري على الحدود السعودية وقصفهم لقصر المعاشيق في عدن. الا انه من المهم ان نتذكر بأن المعارك الدفاعية من الجانب السعودي قد كانت بدأت منذ 2009 حينما سيطر مجموعة من مقاتلي انصار الله على جبل دخان والخوبة. قامت بعدها السعودية في 2010 بعقد شراء صفقة استثنائية للأسلحة بستون مليار دولار امريكي، بينما ظلت اثناء احداث الربيع العربي والمرحلة الانتقالية معتمدة على السياسة الهادئة. نرى الان تغيير جذري في السعودية منذ تولى الملك سلمان الحكم وتوكيله قيادة هذا التغيير الأمير محمد بن سلمان والذي اولى الجانب العسكري أولوية قصوى. ونلاحظ الثقل السعودي لا يزال حتى بعد الأربع السنوات و تحرير مساحة كبيرة من اليمن في الجانب العسكري، بقيادة الأمير محمد بن سلمان كوزير للدفاع وينوبه في ذلك مؤخرا أخاه الأمير خالد بين سلمان كما يتولى قيادة القوات المشتركة الأمير فهد بن تركي. توجد للمملكة جهود تنموية وانسانية من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية والبرنامج السعودي لتنمية واعمار اليمن.
بالنسبة للإمارات العربية المتحدة فيحسب لها انها هي الأخرى في صدارة الدول المؤثرة على المشهد اليمني. فقد تمكنت الامارات من ان تكون احد ابرز المشاركات في التحالفات االاقليمية وتلك القائمة ضد الارهاب وتمتلك من القوى الناعمة ما يكفي. يلتقي طموح الامارات الاقتصادي والسياسي بشكل واضح من خلال مثابرتهم على الصدارة او التأثير في ادارة الموانئ وتحديدا على امتداد القرن الافريقي (المكلا وعدن والمخا وبربرة وجيبوتي و عصب). تغيرت منهجية الإمارات في اليمن بعد إستهداف قواتها وكوادرها في مأرب وعدن، مما جعلها تتوارى عن الانظار بالرغم من تواجد الهلال الاحمر الاماراتي في اليمن بشكل مستمر. وتتأثر سياسة الامارات ايضا بحسب موقفها الحاد والمعادي لجماعة الإخوان المسلمون ومن يعتبرونه حليفهم في اليمن- حزب الإصلاح.
التحديات:
تعتبر رقعة الاحتياج وغياب رؤيا وطنية شاملة قابلة للتنسيق بين المانحين وغياب الدور الحكومي الفاعل من الشريك الوطني (الحكومة اليمنية) يشكل تحدي كبير يواجه الجهود المبذولة. إضافة الى ذلك، تواجه الامارات والسعودية اليوم جملة من الازمات الخارجية تتضمن التحديات الانسانية والاقتصادية المرتبطة بعدم استقرار المنطقة بعد احداث الربيع العربي، و انتشار الحروب اللامتماثلة والتي تمتاز بصعود جماعات ما دون الدول، و اضطراب العلاقات بين بعض الدول العربية. ولكن يبقى التحدي الاهم والمباشر للأمن القومي السعودي والاماراتي هو اليمن، حيث تطور مؤخرا ليهدد التجارة الدولية و يمكن جماعة أنصارالله من استهداف السعودية والامارات بالصواريخ والطائرات المسيرة. أنا مع ان تدخل قوات التحالف في اليمن كان حتمي ونتيجة طبيعية لما يحدث في العراق وسوريا اضافة الى تاريخ من الفشل لدى النخب السياسية اليمنية في جنوب اليمن وشماله على حفظ مصالح وحساسية الخليج العربي، بل وفتح اليمن لتصدير النفوذ السوفييتي والناصري والبعثي و مؤخرا الايراني، إلى دول الجوار. ولكني ارى ان مشكلة اليمن الآن قائمة بين محاولة سيطرة جماعة أنصار الله (كجماعة ما دون دولة) على الدولة الهشة، و استقلال جنوبي عن الدولة الهشة، واستغلال الجماعات الارهابية لهشاشة الدولة. لذا ان هشاشة الدولة اليمنية عامل اساس لصعود جماعات دون الدولة وتهديد أمن الخليج العربي. وهذا لأنها كدولة هشة تعاني مشكلة في التمثيل والمقدرة وتحمل المسؤولية. كما ارى أن الاحزاب السياسية اليمنية هي الحلقة الاضعف، بسبب غياب القيادة الشابة والرؤى السياسية متسببة بعوامل سياسية سلبية ومعيقة.
أظهر التحالف استدراكه لمحدودية الاقتصار على العمل العسكري لمجابهة جماعة ما دون الدولة في بلد تهيمن عليه ازمة انسانية حادة. اثبت التحالف انه ملتزم بالتجاوب مع تدهور الوضع الإنساني الناتج عن الحرب حيث تعد السعودية والامارات اكبر المانحين للمساعدات الانسانية. ويتم تقديم هذه المساعدات عبر قنوات الأمم المتحدة والبنك الدولي لضمان تنسيق الجهود مع المانحين في الغرب. و يدل تواجد البرنامج السعودي الإنساني والتنموي، بالاضافة الى الهلال الاحمر الاماراتي المباشر و المستمر على الالتزام بالجهود والمثابرة على الأرض.
الاهداف:
تتشارك الامارات و السعودية اهدافها في اليمن في ردع الخطر الايراني ومكافحة الارهاب والحد من نفوذ الاخوان المسلمون. و بشكل عام تعمل السعودية والامارات على التقارب والتنسيق كحليفين رئيسيين في هذه المرحلة من خلال العلاقة الوطيدة بين المحمدين بن سلمان وبن زايد وتتعدى تلك الشراكة ملف اليمن. أبرز مراحل هذه العلاقة كانت انطلاق خلوة العزم في أبو ظبي في فبراير 2017. والتي عنيت بتفعيل مجلس التنسيق السعودي الاماراتي من خلال جلسات واتفاقيات امتدت على 12 شهر تهدف لتأسيس شراكات استراتيجية خمسية على الصعيد الاقتصادي و المعرفي والبشري و السياسي والعسكري والأمني، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الإماراتية (وام).
الفجوة:
ولكن وبالرغم من هذه الجهود والشراكة العالية المستوى بين السعودية والامارات الا ان هذا لا يعكس نفسه على ساحة السياسة اليمنية بالمستوى المطلوب. لذا الجانب اليمني لا يظهر كشريك نشط للتحالف على المستوى السياسي والتنموي. فيبدو ان لكل من الرياض وابو ظبي منهجية مختلفة للتعامل مع التعقيدات في الشأن اليمني. بالاضافة الى مشكلة حقيقية في حلحلة التعقيدات السياسية في جانب الشرعية وهذا التشقق السياسي لا يعد مؤشر نجاح وغالبا ما ينعكس على بقية الجهود. حيث قامت الامارات بالعمل مع كيانات جديدة و على المستوى المحلي. ولو ان هذه الكيانات انشأت بتنسيق مع القيادة اليمنية و بموجب قرارات رئاسية الا انها غالبا ما تعمل بدرجة من الحكم الذاتي. على صعيد آخر اعتمدت السعودية الى حد اكبر على الكيانات السياسية التقليدية على المستوى الوطني دون التعمق في المستوى المحلي. وقد بينت الحساسيات السياسية و الهجمات الاعلامية المختلفة والانتقادات السياسية المعلنة بل والنزاعات المسلحة و الاتهامات بالاغتيالات بين الاطراف اليمنية الى الحاجة الملحة لمزيد من التنسيق ورأب الصدع بين الاطراف اليمنية من قبل الامارات والسعودية. و سيبقى التنسيق جزئية واحدة من الحل. ان الفجوة بين المستوى الوطني والمحلي امر طبيعي لوضع الدول الهشة والحل الاقرب يكمن في أن تكون القيادات الوطنية ممثلة ومتجاوبة للمستوى المحلي. كما يجب علينا تشجيع وتسهيل جهود الرياض وابو ظبي لمساعدة القيادة اليمنية على ان تستمر بمعالجة هشاشة الدولة بداية بوضع المرأة الرجل المناسب (قبليا وعسكري وأمنيا وسياسيا ومدنيا) في المكان المناسب. ويبقى بعد ذلك حاجة ماسة لعملية بناء سلام والتنمية البشرية لا يمكن إغفالها مجددا.