*كتب/فهمي غانم
(يامزهر الحزين)..ملحمة وطن بكامله من هنا نبدأ فهم لطفي الشاعر الانسان الوطني المثقف المولود في عدن في 12/5/1928 والدخول إلى عالمه ومفتاح شخصيته الجامعة لكل ألوان المعرفة وبيئته المترعة بالثقافة والفن والادب وقدرته على توظيف ذالك النسيج الحريري في بروزه على الساحة اليمنية والعربية كأديب لا يشقُّ له غبار.
تلحظ في كل دواويين لطفي (بقايا نغم /الدرب الأخضر/ليل إلى متى/ إليكم ياأخوتي/كانت لنا أيام/دواوين تعنونُ تاريخ لطفي الادبي وبعيداً عن خشونة اللفظ نحسُّ أنّ لطفي يميل إلى إستخدام اللفظ الناعم الذي يعكس طبيعته وثقافته وأدبه الجم وأن الكلمات والحروف عنده تتحول من وظيفتها النمطية الى طاقة حيوية تعيد ترتيب الإنسان من داخله فتتحول إلى حالة بانورامية مشعة إيجابية كلمات تخلق ذالك التفاعل الحي بين الذات والموضوع في نسق توافقي وإنسجام هرموني يصدر من داخل القصيدة من ناحية وبينها وبين المشاهد المختلفة للمعالجات الموضوعية لقصائده..هنا تظهر حساسية لطفي وقدرته على الإندماج الروحي بين الأنا والموضوع ولكن ليست بصورة عفوية وإنما بمهارة فنان محترف يجيد العزف على اوتار الكلمات فتخرج من آسآرها اللغوية الى نوع من التماهي مع نفسية الشاعر فتصير الكلمات بنات للشاعر وليست للغة..
هناك علاقة لاصقة حميمية بين لطفي ومواضيع أشعاره حتى كأنك تحسُّ أنَّ الفصل بينهما مستحيل فمادته هي الطبيعة وإنسانها في خطين متوازيين متوازنيين كل له تأثيره على الأخر لهذا تفوق لطفي على الكثير من أقرانه من الشعراء في مرحلتها الرومانسية فهو رائد هذه المدرسة في اليمن عموماً والانسان في قصائد لطفي لا يخضع لموازيين العرض والطلب الشعري بل هو انسان يعيش الحدث فاعلاً مؤثراً إيجابياً غير مستكين
فيه كل تطلعات لطفي وروحه التواقة لتغيير فلسفة السكون الى فلسفة الحركة والتجديد في القوالب والأشكال ومضامين الكلام ولذلك احدتث أشعاره دوائر كبيرة من الأسئلة والدهشة في محيط بيئته وظلت تلازمه طيلة حياته..
هكذا عندما تقرأ شعر لطفي عليك ان تتذوقه فأنت أمام طبق شهي من ألوان وفنون البديع ومجسمات الصور الدهنية وأفانين الكلام التي تسري في أعماقك كموسيقى غير قابلة لخفض توتر الحالة الذوقية الرفيعة ولايميل لطفي الى الجمل الطويلة التي قد تفقدها حاسة الذوق الشعري ولكنه يلجأ بشكل عام الى الجمل والتعابير القصيرة التي تشكل جزره الخاصة التي يحتمي بها من الانحرافات الشعرية وتغوّلها في بنية القصيدة..فتستقيم القصيدة عنده شكلا وموضوعا..
اذا أخذنا (يامزهر الحزين) كمثل يقدم فيها لطفي رسماً بيانياً وتشكيلاً مهارياً للحالة الوطنية من خلال إعادة تجميع المادة التاريخية للأحداث وضخها بصورة يستنطقها ويستخرج مكنوناتها ويستعرض رمزيتها كأنها مازالتْ حية أمامنا..في هذه القصيدة يعيد الشاعر تجسيم الحدث التاريخي ويمنحه نفسَه الشعري فتتحول الكلمات والحروف إلى بيادق لمنازلة الإحتلال وقتاله وهنا ينتصر لطفي لقضايا شعبه ويسجل ملحمة شعرية تتسق وتتناغم مع المد الثوري..لم يختفِ لطفي خلفَ جدارِ الكلمات او يلجأ إلى الاستعارات المبهمة بل لجأ إلى المباشرة وكأنه حمل بندقيته وانساق في موكب الثورة..
(وليل إلى متى)؟تساؤل بطعم البشارة..الليل هنا حالة وجدانية عابرة تشئ إلى تجربة الشاعر في إطار الوضع العام السائد..الأنا الشعرية لها علاقة جدلية في الإطار الزمني والمكاني حيث يتسيد الشاعر الموقف التعبيري ويتحدث بصيغة تفاعلية مؤثرة عن الجمع المقيد بقيود العادة والتقاليد والإحتلال ويستنهض أيضاً المعارضة اليمنية الوطنية للدفع بها إلى مقارعة الاحتلال والإمامة وإلى الأمل القادم وإلى أخذ خطوات نوعية في المسار العام لها حتى يكاد المرأُ يحسُّ انه أمام شاعر يشير إلى ثالوث رهيب من القهر والأغلال والإذلال يسعى لتمزيقها ويحرّض المجتمع على ذالك..هنا تكمن عبقرية الرجل في إحداث إستنهاض عام للمحفزات ورفع كفاءة الحالة الوطنية وفتح الدوائر المغلقة بعين مثقف وطني بلغت الحاسة الشعرية عنده ذروتها ويفرض في نفسه رسولأً للامّة يبلغها مكامن الخطر..كما أنّ الديوان يحتوي على أجمل ما قاله لطفي من شعر قوي مناهض ملتزم وهي قصيدة (أخي كبّلوني)
فجاءت الثلاثية (الكلمات واللحن والاداء)عملاً بالغ القيمة وتاجاً على رؤؤس الاشهاد..
اما في (بقايا نغم) العنوان يشئ إلى أثر المدرسة الرومانسية على لطفي حتى في تسويق عناوينه ويعطي إنطباع ان لطفي قد يكون صدى لتلك المدرسة وفي سياق المعارضة لشعراء سبقوه كعلي محمود طه وغيره والبعض أشار إلى صوفية لطفي وتاثره بالشاعر السوداني التيجاني يوسف بشير ماشيا على أثره وهذا باعتقادي مجافٍ للحقيقة لان لطفي قرأ الشعر الرومانسي من أصوله الإنجليزية اولا وتشبع بمفراداتها وتعبيراتها فمزجها بإحساسه الخاص المرهف..لطفي إبن زمنه وعطاه لا يخرج عن المنهج العام للرومانسية في تجلياتها وألقها فتداخل ذالك مع تجربته الشخصية التي لها باع في تشكيله..
*مدير عام قسم الأخبار بتلفزيون عدن سابقا