كلما جاءت جماعة، أو حزب، هزت رأسها، وهز الشعب رأسه معها، فمن هذه الجماعة إلى ذلك الحزب، إلى هذا التيار لاطموا بالشعب حتى دوخوا به، هتفوا تخفيض الراتب، فرددها، وقالوا: حيا بهم، حيا بهم، فحيا معهم، ولعنوا أمريكا، وإسرائيل، فلعن مع من لعن، وقالوا لا صوت يعلو، فرددها معهم، صعدوا على المنابر، فاستمع لهم خاشعاً، لبسوا ثيابهم، فلبس مثلهم، برزوا في شخصية الثعلب الواعظ، فدمعت أعين الشعب لتلك المواعظ، قهروا هذا الشعب، فقال: حيا بهم، حيا بهم.
ألا يكفي هذا الشعب تجويعاً؟ ألا يكفيه هذا التلون؟ ألا تكفيه هذه الأحزاب؟ ألا تكفيه هذه الجماعات، والتيارات؟
خدروا الشعب بجرعات الجوع القاتلة حتى هتف بروحه فداءً للسيد، وذاك يفدي الشيخ، وآخر يتمنى عودة البريطانيين، وآخر يحلم بأيام أحمد واجناه.
صرعوا الشعب حتى طوعوه وفق هواهم، فالمشرِّق بالأمس قد غدا مغرباً، والمغرِّب شرَّق، واتناتعوا هذا الشعب حتى تخدر بشعاراتهم الرنانة.
ألا يكفي هذا الشعب تجويعاً؟ فالمساجد أضحت أماكن للتسول، وللنحيب، والبكاء، ففيها ترفع الأصوات المطالبة بما يسد الجوع، فالرجال تبكي، والنساء تئن، والأطفال يذلون أنفسهم، في زمن القهر، والجوع، زمن، الغنى الفاحش، والفقر المدقع، زمن الآهات، والتوجعات، زمن أن ترى فلذة كبدك يموت ولا تجد له قيمة العلاج، أو تراه يعتصر جوعاً ولا تجد له رغيف خبز.
إنه زمن الكروش المتدلية، يقابلها وجوه شاحبة تكاد تتكسر من الأسى، والحرمان، إنه زمن البحث عن العلاج في جيوب الأغنياء، زمن الإحساس بالغربة في الوطن الكبير، زمن شفاطات الهوامير التي ابتلعت كل شيء حتى وصل بها الحال إلى أن تبحث عن السلة الغذائية، وبدون صورة، والفقير إن تحصل عليها، فلازم صورة.
إنه زمن الشفاطات البشرية التي شفطت كل جميل في وطني، وتركت الشعب يصفق، وهو لا يدري لماذا يصفق، وأصبح حاله، كحال القائل: إذا هز رأسه حبيبي باهز رأسي وبانوس، هذا هو الشعب المنكوب في زمن شفاطات الدولار، والريال السعودي، هذا الشعب الذي رضي بلقمة ناشفة، ولكنه لم يجدها في زمن التباينات السياسية، وزمن القسمة الضيزى.
فتوقفوا عن شفط رغيف الخبز، وجرعة الدواء، ألا يكفي هذا الشعب ما هو فيه من القهر، والجوع، والعذاب، والذل بكل أشكاله، وألوانه؟