لاشك بأن الصراع بين إيران الشيعية ، والدول العربية السنية ليس وليد اليوم بل ازلي،يسوده التصعيد تارة والفتور تارة أخرى، وأحياناً أخرى تتحسن العلاقات وتصل إلى مستوى تبادل السفراء وغيرها من العلاقات والبرتكولات التقليدية، المتعارف عليها في أي علاقات بين بلدان العالم.
وهذا ما يقودنا إلى هذا التساؤل ..
هل هذا الصراع القائم بين الطرفين سياسي أم عقائدي، ام الاثنين معًا؟!.
وكيف استطاعت إيران كسب المعركة مع خصومها العرب والمسلمين السنة رغم انهم يشكلون أكثر من 90 ٪. في جميع بلدانهم إضافة إلى إمكاناتهم الكبيرة في مختلف المجالات إذا ما اجتمعت،وقارناها بإمكانات إيران التي لا تساوي ربعها؟؟.
حيث دأب الساسة والكتاب والإعلاميين العرب على تحميل إيران نتيجة ما حصل ويحصل في الدول العربية، وكأن هذا التحميل هو الحل لكل ذلك.. بينما في حقيقة الأمر هو تهرب من المسؤولية، ومن الاعتراف بالفشل ليس إلا.
في الوقت الذي تحتم عليهم المسؤولية البحث عن الحلول الناجعة لجذور هذه المشكلة الملازمة لهم، التي تؤدي مرارًا إلى الفشل وحالة الوهن الذي أصابهم، إذا ما كانوا صادقين مع أنفسهم ومع بعضهم ومع شعوبهم ومؤمنين بعقيدتهم، لاسيما بعد أن توضحت مواقف وأهداف جميع الدول التي يراهنون عليها ومتمسكون بها .
ومن هذه المواقف توحيد الأهداف الاستراتيجية والجهود والإمكانات، ومعالجة الخلافات بين جميع الدول العربية، واعادة النشاط والمكانة والهيبة للجامعة العربية، التي تعد مظلتهم جميعًا، يتم في ظلها معالجة خلافاتهم ، وتوطيد وتقوية روابطهم وعلاقاتهم على مختلف الأصعدة والمستويات وفي جميع المجالات ، بعد انتهى دور الجامعة العربية ولم يتبق منها الا اسمها،وهو الأمر الذي أدى إلى تنامي الخلافات بين دولهم، ووصلت إلى حد القطيعة والحصار لبعضهم البعض، بينما يقومون بالتنازلات الكبيرة للدول الغربية وأمريكا وإسرائيل لهدف تقوية علاقاتهم بها ، رغم إدراكهم العميق لمواقف تلك الدول من الشعوب العربية والإسلامية سابقاً وحاضرًا ،التي لا ترى من الدول العربية إلا مجرد غنائم يستثمرون خيراتها، وينصبون العداء لشعوبها، ويحاربونهم بكل السبل، وتصدير لهم الحروب والقتل، ومنها مسمى الإرهاب الذي أصبح الطريقة الأكثر فعالية لقتل شعوبهم، وجعل من بلدانهم ساحات حرب دائمة تحت هذا المسمى، والذي هو أساسًا اتخذته تلك الدول ، جواز عبور، وتأشيرة دخول لأي بلد، يراد استنزاف ثرواته، وقدراته وامكاناته دون أي مسألة من أحد، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى استهداف الدين الإسلامي الحنيف وتعاليمه، والتشهير به، برسم صورة قاتمة لدي شعوب العالم عن الإسلام والمسلمين.
وبما أن هذه الدول هي نفس الدول الاستعمارية التي استعمرت العالم العربي في القرنين الماضيين ، لديهم كل المعلومات الدقيقة بما تكنزه الأراضي العربية من ثروات ضخمة، ومتنوعة لا تتوفر لديهم ربعها ، اجتمع ممثلي عدد من الدول الغربية في العشرية الأولى من القرن الماضي، لإيجاد سبل كفيلة لاستعمار البلدان العربية استعمارًا اقتصادياً ابديًا،لاستثمار تلك الثروات الهائلة،بناءً على مقولتهم من يتحكم بثروات المنطقة العربية ، سيحكم العالم، ومن هذا المنطلق أجمعوا على ضرورة إيجاد جسم غريب في خاصرة المنطقة، وهو ما يهيأ لهم مدخلاً ، وهذا الجسم أصبح فيما بعد هو إسرائيل، الذين عملوا على خلقها ودعمها لتكون قوة عسكرية،مقلقة لدول المنطقة وعصاهم لابتزاز بها العرب والمسلمين من خلال خلق الصراعات والحروب الشبة متواصلة التي خلفت الأختلالات ، وتقسيم دول المنطقة العربية، على بعضها،لتظل ضعيفة وهشة، تعتمد على دول الغرب بكل شيء بما فيها الحماية التي تجيز لهم الدخول إلى عمقها، وكان لهم ما أرادوا،
فمواقف أمريكا والدول الغربية المتنفذة من الحرب الدائرة بين الكيان الصهيوني، والفلسطينيين،أجزم بأنها ألغت كل شيء ولم يترك للدول العربية والإسلامية اي مبرر لاستمرار التمسك بتلك الدول ، بل وضعتها أمام أمر واقع يجبرهم على اتخاذ موقف موحد وثابت ، يصعب على جميع دول العالم تجاوزه، وإذا ما قاموا بذلك، وبما سبق ذكره من مواقف موحدة، لن يجرؤ على تحديهم احد، لا إيران ولا أمريكا ولا دول الغرب، فتوحيد الاهدف، والقوي العربية والإمكانات التي يمتلكونها كفيلة بتغيير النظام العالمي وليس وضع المنطقة فحسب، لكونها تمتلك كل المقومات لتشكّل إحدى القوى العالمية إذا ما اجتمعت.
وهذا هو الموقف الذي تنتظره جميع الشعوب العربية والإسلامية، الذي يعيد لهم كرامتهم ومكانتهم ، بدلاً من الشكوى والبكاء والبحث عن شماعات لتحمليها نتائج فشلهم ووهنهم، الذي هو اساساً نتاج لتبعيتهم العمياء لاعداءهم التي خلقت الخلافات والصراعات، وأدت إلى الانقسامات التي أنتجت الضعف والوهن، وهو الأمر الذي مكّن دول الغرب وأمريكا من التحكم بالثروات والإمكانات العربية، لتسخر جزء منها لضربهم بطرق مختلفة حتى يظلون ضعفاء يستجدون حقوقهم، وابسط متطلبات حياتهم منها.
ونتمنى بأن تكون الحرب الدائرة بين العدو الصهيوني والشعب الفلسطيني نقطة تحول، للأنظمة العربية والإسلامية وشعوبها، لتكون الانطلاقة لاستعادة كافة حقوق الشعوب العربية والإسلامية، واعادة الكرامة، والمكانة والهيبة لهذه الأمة لتفرض نفسها قوة عالمية عظمى مهابة لا تقل مكانة عن باقي القوى العالمية العظمى .
عبدالحكيم الدهشلي
22 أكتوبر 2023م