على الجنوبيين ان يدركوا ان السبب في استمرار المعاناة وتاخير الحسم لقضيتهم العادلة ناتج عن عامل رئيسي ورثه الاحتلال اليمني عندما زرع ادوات استعماره الفكري في الجنوب وهي الاشد خطراً من الاجتياح العسكري الذي ينتهي بمجرد الانسحاب ، رغم مايخلفه من دمار واضرار في الارواح والممتلكات ، لكن الاخطر هو المنهج الثقافي الذي يورثه ليتشربه جيل مواليد فترة الاحتلال ، وهذا امر طبيعي حدث في كثير من المجتمعات التي عانت من جور ظلم الدول الاستعمارية على حد اختلافها في اساليب التعامل مع شعوب الارض المحتلة .
فالاستعمار البريطاني على سبيل المثال : كان يركز في حكمه لمستعمراته على نهب ثرواتها ، وكان ينفذ سياسته من خلال نخب محلية تتشرب الثقافة البريطانية لكنها تبقى جزءاً من المجتمع المحلي . لكن الامر مع الاستعمار الفرنسي كان مختلفاً ، فقد كان ناموسه هو استخدام ابشع انواع القسوة والقهر من اجل مسح الهوية الثقافية للمستعمرات ، بما في ذلك اخراجها من ورثها الروحي وعاداتها وتقاليدها واجبار اهلها على ابتلاع لسانها ، وباختصار جعلها تتماهى مع المستعمر من موقع التابع الذليل .
ومع اختلاف اساليب الطغاة الاستعماريين يجد الجنوبيين انفسهم الآن امام استعمار فكري لكنه اقل حدة في وطئته من المثالين : بريطانيا وفرنسا . ولكون الجنوبيون متميزون بسيكولوجيتهم الفريدة من نوعها بفاعلية الجينات الوراثية ولهذا فالغزو الفكري يكون تاثيره طفيفاً على المجتمع ، ومع ذلك فاسلوب الاستعمار البريطاني مقارنة بالفرنسي نجد الفرق واضح فالدول التي تعرضت للاستعمار الفرنسي تغيرت وتاثرت ثقافتها بدرجه عالية حيث وصل بها الحال الى اعوجاج اللسان وهذا ظاهر في لهجات دول المغرب العربي ، وهذا التغيير لم يظهر على شعوب الدول التي كانت تحت الاستعمار البريطاني والجنوب العربي كان احدى المستعمرات البريطانية لمدة 129 عام ومع ذلك ظل الجنوبيون محافظين على هويتهم وثقافتهم وتعدد لهجاتهم اللحجية والابينية المتداخلة والعدنية والشبوانية والحضرمية والاختلاف البسيط بين اللهجة المهرية والسقطرية ، وكذلك مصر وغيرها من دول الاحتلال البريطاني الذي اكتفى بنهب الثروة تاركاً هوية المجتمعات وثقافاتها كما هي وهذا الملحوظ في الواقع الجنوبي الذي لم ينجر ويغير ملامحه في ظل الاحتلال ، ولكن مهما كان التاثير طفيف وحجمه اقل وجب العمل على الخلاص من ادوات الفكر الاستعماري الذي خلفه الاحتلال اليمني ، والتي لازالت موجاته مؤثرة في بعض المناطق ، فيما تبثه من سموم في عقول البعض من الشباب الجنوبي من القاصرين في تعلم ثقافة فهم الواقع الذي يحتم على الجنوبيين الالتفاف الكلي لتشكيل سياج منيع للارض والعرض في اطار جنوبي جامع .
ومن منطلق الحرص على تنقية المجتمع الجنوبي وجب على القيادة الجنوبية ، المضي في مرحلة الاعداد والبناء لمجتمع جنوبي خالي من ملوثات الفكر ، والعمل من الآن فصاعداً على اقامة ثورة علمية نورانية شاملة تنبذ خلالها الفكر الدخيل بالمحو من الذاكرة الجنوبية والبناء على اطلال ذلك الفكر البائد ، فكر اصيل يحفظ الهوية العريقة يتماشى مع كل جديد يصب في مصلحة الوطن والمواطن ، يفاخر به كل جنوبي يراه ماثلاً في نمط الحياة لكل شباب الجنوبي العربي