صديقي الدكتور ياسر يتسلم راتبه، وبالكاد راتبه يغطي أساسيات المعيشة، أشترى صديقي شياهًا لتساعده على متطلبات الحياة، ولكنه واجه صعوبة في رعي شياهه، فمن نوادر ما رواه لنا صديقنا ونحن في طريق رحلتنا إلى كليتنا الحبيبة، أنه يرعى شياهه بالقرب من عجائز المنطقة، وكلما نفرت منه شاة من شياهه، ورعت في حمى إحدى العجائز، نادته إحداهن قائلة: يا دكتور شاتك، انتبه يا دكتور على شاتك، يا دكتور شاتك حشرت، أي انطلقت في الزرع المحمي.
ضحكنا مع صديقنا الدكتور الراعي، وقلنا له ما أجمل دعاباتك، فقال والله إنها حقيقة، يقول من شدة حرصي على شياهي ألا ترعى في حمى العجوز، أنني أنتبه ألا تقع في مرعى العجوز التي لا تناديني إلا بالدكتور، وقال صديقنا يا ليت عجائز المنطقة لم يعلمن بحصولي على الدكتوراه، وأن يناديني باسمي، لأن المكان الذي أنا فيه لا يتناسب وكلمة دكتور، فهذه الكلمة كان يفترض بصاحبها أن يكون في مكتبه ليكتب بحثًا، أو في معمله ليحضر تجربة، أما أن يُنادى عليه وهو محتبٍ فوق سوم أمام شاته التي تعينه على متطلبات المعيشة، فهذا لا يصلح أن يقال يا دكتور لراعي غنم، لأن مكان الدكتور مراكز البحوث.
تخيلوا معي صديقنا الدكتور وهو يعيد ذكريات دراسته للبكالوريوس والماستر، والدكتوراه، ويسبح في تلك الذكريات وهو يحلم بمستقبل أفضل، ويقطع هذه الذكريات صوت عجوز يأتي من خلفه، يا دكتور خاف الله شياهك، انتبه على شياهك، مالك اليوم يا دكتور، فيقوم ليعيش واقعًا صعبًا مريرًا بين شياهه التي أتعبه الاعتناء بهن، فيذهب بعيدًا من تلك العجوز، ليلتقي بعجوز أخرى وتناديه قائلة له: جابك الله يا دكتور خذ شياهي مع شياهك، وانتبه عليهن معك، فتزيد هموم الدكتور الراعي عندما يسمع تلك العجوز تسأل صاحبتها عن شياهها، فترد عليها: تركتهن مع الدكتور قده فاضي بلا مهرة.
لا نعني بكلامنا هذا أن يأنف الإنسان من رعي الأغنام، فقد رعاها خير البشر، ولكن كان المفروض بالدولة أن تعتني بالدكتور ليسهم في نهضة الوطن من خلال قضاء وقته في البحث العلمي، ليسهم في تقدم وطنه، أما أن يحصل على الدكتوراه وينشغل بمتطلبات الحياة، ويعيش في آخر السلم الوظيفي أجرًا، فهذه إهانة للعلم وأهله.
اخيرًا لا نملك إلا أن نقول للدكتور انتبه على شياهك، وابتعد عن حِمى العجائز، وكل يرعى في حماه.