ذكرانا الأليمة في كل عيد
موفق السلمي
تاريخ النشر: الاحد 16 يونيو 2019 - الساعة:12:02:57
تُغلب الفرحة على المسلمين في عيد الفطر المبارك ، عن ثمة مشاعر ، وما فرحتنا بالفطر إلا واحدة من فرحتين بشرنا بهما النبي-صلى الله عليه وسلم- كما عند مسلم، حيث قال عليه السلام :"للصائم فرحتان، فرحة حين يفطر، و فرحة حين يلقى ربه". وفي رواية: "وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقى ربه فرح بصومه".
في بلدنا المغلوب على أمره المعروف باليمن السعيد؛ حاولنا جاهدين أن نلتمس تلك الفرحة ، على الرغم أننا في ضيق مما يمكر الناس بنا، فمن جهة جاء التحالف على أمل نصرتنا فأوجعنا ، ومن قبل التحالف فئة من قومنا بغت وتسلّطت وتجبرت ورمت إلى جعلنا عبيدا مسلوبي الحقوق والإرادة، لا شاغلَ لنا إلا السيّد وطاعته المطلقة ، وفي الجهة المقابلة ، وأينما ذهبت في الأمكنة المحررة شرقا وغربا وجدت عصابات البغي قد زُرعت، وقد لبست أثواب الشرعية، وتغطّت وتدثّرت، وقد تغلغلت في كلّ مفاصل الدولة وتثبّتّ، وتقلّدت تلك العصابات ما تشاء من المناصب والرتب ، وتبوأت ما لا تستحق دون نكران أو عجب.
واحدة من تلك العصابات ستكون محور هذا الحديث ، إلا أن جميعها تعمل عند الحاجة، وليس بمقدور رئيس مُهجّر ولا وزير أو قائد مرسل عزلها أو إيقافها.
العصابة تلك عرفت باسم قائدها، وهي في محافظة الجوف تتواجد، وعلى هرم الشرطة العسكرية تتربّع، ورغم بُعدها عن مدينة تعز إلا أنها قد آلمت تعز بأسرها، وأصبغت على عيد الفطر نكهات الحزن والوجع، ففي صبيحة ثاني أيام العيد قبل الماضي، الموافق 26 يونيو عام 2017 أقدمت تلك العصابة -وكما هو عادتها في الغدر- على إزهاق روح القائد المِقدام ابن تعز قائد الكتبية الثالثة في حزم الجوف النقيب / سلطان السّلمي في حادثة إجرامية تنم عن حقد العصابة وأهدافها في تصفية شرفاء الوطن.
وقد كان النقيب سلطان السلمي من أوائل ثوار فبراير العظيم في 2011، وكان كذلك في الطليعة الذين هبوا للدفاع والذود عن مدينة تعز حين داهمتها ميليشيا الإجرام عام 2014 ثم انتقل إلى الجوف ليدون تأريخا له بيده وفي زمن وجيز، هناك قد كَبّدَ السلمي ميليشيا الحوثي خسائر فادحة، وسطّر على جبين وقمم الجبال أروع البطولات والملاحم التي ما زلت تُروى إلى اليوم، لذاك فقد ذبحوه وقتلوه في حرم المجمع الحكومي بالجوف غدرا ، وهو يقود تظاهرة سلميّة تندد بانتهاكات الشرطة العسكرية، لأفراد كتيبته...
ووقتئذٍ تفاعلت الشرعية والدولة والإعلاميون والمفسبكون وكل شرائح المجتمع ، بما فيهم الطرف الخصم للشهيد، وهو الحوثي ، فقد استهجن بشاعة الجريمة ، وأورد الخبر في قنواته التلفزيونية، ومواقعه الإلكترونية ، وسرب زاملاً ، بدا فيه باكيا متوجعا لمقتل الشهيد ، وكأنه أحد أفراده ، وكأنه بذلك يمهد طريقا لهدر دم الشهيد القائد..
أشارت أصابع الإتهام من الوهلة الأولى إلى "صالح البروشي" قائد الشرطة العسكرية بالجوف، لكنه استطاع وهو المقرب من علي محسن الأحمر نائب رئيس الجمهورية تمييعه القضية وتضيعها ،على الرغم من أن هناك أوامر بتوقيفه وعزله، بل وقد زادت المضايقات على الشهيد وجثمانه وأقاربه ، لتلحق حتى برتبته العسكرية التي سقطت بسقوطه الأرض..
في البداية كنا نظن بالدولة خيرا، لا سيما مع ذلك الزخم الإعلامي الذي رأيناه ، وكنا نعزم على عدم إخراج جثة الشهيد من ثلاجة الموتى إلا بعد القصاص من القتلة.
وما هي إلا أيام قلائل وتتوارى كل الأصوات المنددة بدم الشهيد ، ليبقى أبو الشهيد وحيدا يساعده في طرق أبواب المكاتب الحكومية اثنان أو ثلاثة من رفاقُ الشهيد ، ولم تعطهم مكاتب الدولة سوى وعودا، وقد مرت ثمانية أشهر على الحادثة، ولم يظفر والد الشهيد حتى بالطبيب الشرعي الذي قيل أنه سيصل لمعاينة الجثمان الذي بدأ يتعفن، وهو ما دفع بنا إلى دفن الشهيد في مقبرة الشهداء، في تلك الأرض البعيدة، والعودة إلى تعز حاملين القهر واليأس والذكرى الأليمة في كل عيد.