عندما كانت صنعاء تغلي، وكانت أصوات الرصاص ترعب الجميع لم يجرؤ أحد على التفكير بالسلطة، فعرضت على هادي فرفضها، ولكنها أكدت طلبها له، فصدق عليه قول الشاعر:
أتته الخلافة منقادة إليه تجر أذيالها فلم تك تصلح إلا له، ولم يك يصلح إلا لها، فعندما رأي أن الكل قد رفضها خوفًا من لهيب الواقع، تقدم هادي، وهو يردد: إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني عنيت فلم أكسل ولم أتبلد، فتقدم وتسلمها، واليوم عندما سلمها تهافت عليها الكثير، لأن الدنيا عوافي.
عندما استمعنا لكلمة هادي وهو يسلم السلطة بكت القلوب قبل العيون، وعلمنا أننا أمام رجل عظيم، فهو الرئيس الذي يجد كل مواطن أمانًا منه ومعه وإلى جانبه، فهو رجل سلام، ورجل بناء، كرر هادي خطابه لشعبه، وطالبهم بالصبر، وعندما علم أن في بقائه في السلطة مزيدًا من ممارسة قهر الشعب من الخارج، ومن أولئك الذين ارتهنوا للخارج، سلم صلاحياته لمجلس قيادي، لعل فيه التفريج عن المواطن.
صبر هادي كثيرًا، وتأنى في اتخاذ هذا القرار الذي رماه أخيرًا ليسلم الوطن من العابثين الذين يبحثون عن كرسي هادي، غادر هادي بكلمات مغتضبة، لم يصرخ، ولم يسلم الوطن لشخص بل جعله في أحضان ثمانية إذا فرط فيه أحدهم ذكره الآخر بقيمة الوطن، ذهب هادي كأغلى رئيس لأن كرسيه لم يملؤه واحد أو اثنان، ولكن الثمانية ربما يعطونه شيئًا من حقه، رحل هادي عن السلطة رحلة لا رجعها فيها كما صرح بذلك، فغادر وأحس المواطن بوحشة المكان بعد رحيله، ولن يحس السياسيون بقيمة هادي إلا عندما يدخلون في دهاليز السياسة التي تقاذفت هادي، ولم يئن ولم يصرخ، ولكنه صبر، وصارع الوضع وحيدًا.
غادر هادي وفي القلب ألم على رحيله، فكل الوطنيين أصابهم القهر على رحيله، سيفتقده الكل، لأنه لم يسعى لصناعة مليشيات، ولكنه كان أكبر من هذا كله، فلقد كان تفكيره في بناء جيش وطني، وأمن وطني يخدم الوطن، وقالها مدوية في يوم من الأيام وهو في صنعاء، قال: لن أسمح بالطقم يخرج على حساب المواطن، وقال: هذا طقم الدولة، يا الله ما أعمق تفكير هذا الرجل، فهو يفكر في مصلحة المواطن، والكثير كان يسخر من خطاباته وبساطته في الحديث، ولكنه كان لا يبالي بذلك بل يعمل لأجل المواطن، سيدي الرئيس اليوم سيعرف الجميع قيمة كلماتكم المعبرة عنهم.
غادر هادي بشرف، غادر ولم يذرف قلمه قطرة مداد لبيع الوطن، غادر شامخًا رافع الرأس رغم المؤامرات، ولكنه عاش عملاقًا وذهب كذلك، فيا الله كم سيفتقدكم الوطن أيها الرئيس، وكم ستحن لكم العقول الراشدة، وكم سيتمنى الكثير عودتكم.
سنظل نتذكر خطاباتكم التي تلامس هموم الشعب، فاليوم وبالرغم أن القيادة ثمانية أشخاص إلا أننا نرى أن الوطن غدا مكشوفًا، وغدت قلوبنا ترتجف على جزره وموانئه، وحدوده، كنت وحيدًا تقارع هنا، وتعالج هناك، وترفض كل المساومات لهذا تكالبوا عليك، فصبرت، وقلت: اصبروا، فوالله لصبرنا معك أهون علينا من سماعنا لبيانك الرئاسي الذي كان بمثابة صاعقة كان وقعها علينا شديدًا.
فوداعًا صاحب الفخامة، وداعًا سيدي الرئيس، وداعًا يا أطيب رؤساء اليمن على الإطلاق.