أطلال الحرب، وعبث نقاط التفتيش عنوان طريق أبين عدن:
أنور الصوفي
تاريخ النشر: الاثنين 28 ديسمبر 2020 - الساعة:18:54:23
أطلال حرب تبرز بقاياها على جانبي الطريق، خنادق كانت بالأمس للتمترس، ليقتل فيها الأخ أخاه، رائحة الدم مازالت تملأ المكان، أشباح الموتى تتنقل بين تلك الخنادق، وتلك المتارس، أعلام بألوان مختلفة كانت ترتفع في تلك الخنادق، هتافات النصر من هنا وهناك، والعدو هو الأخ ولا أحد سواه، مررت في تلك المنطقة التي كانت مسرحاً للحرب، وكانت بالأمس منطقة تطغى عليها أصوات الجنازير، والخوف، والرعب تلك المنطقة التي كنا بالأمس نمر فيها بسرعة، نسابق فيها الشمس قبل المغيب لئلا نمنع من المرور، مررت هذه المرة بسكون وهدوء وعلى جانبي الطريق تقف سيارات حاملة رايات السلام، رايات بيضاء تشعرك بأن الإخوة مازال بعضهم يتربص بالآخر، وتوحي لك بمأساة كانت هنا، وحرب كانت هنا تطحن الإخوة دون رحمة ولا شفقة.
مررت وتذكرت تلك الصفوة من الشباب من الجنود، والقادة الذين قضوا في هذه الحرب التي اشتعلت، وحاولت أن أحلل أسبابها، ودوافعها، ودارت في رأسي عدة أسئلة، مفادها: لماذا قامت هذه الحرب؟ ولماذا اشتعلت نيرانها؟ ولماذا دمرت، وأوقفت التنمية؟ لم أجد إجابة شافية لتساؤلاتي إلا ولسان الحال يردد، إنها الأحقاد التي شبت نيرانها بعد الاستقلال، والتي غذتها أطراف من هنا، وهناك، فكلما نمت وردة على تراب هذا الوطن، قطفها المتحاربون في دورات دم لا تنتهي، فلقد شغلتنا هذه الأحقاد عن البناء والتنمية، فعشنا بين أطلال الحروب التي تدمر المدارس والجامعات، والمرافق الحكومية كافة وبدون تمييز، وتقتل الأبرياء من كوادر هذا الوطن الفقير أهله، الغني برجاله، المتخم بأحقاده.
مررت ورأيت بقايا مخيمات ممزقة تدل على تمزيق أواصر المحبة بين الإخوة، ورأيت بقايا ما خلفته الحرب من تدمير لممتلكات المواطنين، قرية يغادر سكانها بسبب الحرب، ومدينة تقطع عنها الخدمات بسبب الحرب، ورأيت صحراء تكاد تغطيها مخلفات ما أكله المتحاربون على ترابها.
مرت بي السيارة سريعة هذه المرة، فلا نقاط، ولا تفتيش عن أبناء جلدتنا من أبناء المحافظات الشمالية، ولا نقاط للبحث عن وجوه تومئ لمحافظات شمالية، ولا مناظر مقززة لإخوة لنا يقفون على قارعة الطريق لأنهم من مناطق شمالية، انتهى كل العبث الذي كان يمارس في صحراء ترابية لا توحي بالحياة أبداً، ولكنها قد فتحت ذراعيها لتستقبل المتحاربين على ترابها ليرووا ترابها بدمهم الغالي، انتهت حشود عبثية تنتشر في صحراء شقرة، وعادت الحياة لطبيعتها، ولكنها مازالت توحي بتربص الطرفين بعضهم ببعض.
مازالت نقاط تنتشر على طريق أبين عدن يبحث بعضها عن الشاحنات ليتسولوا على أتعاب سائق الشاحنة، ونقاط أخرى تبحث في جيوب المسافرين عن مخدرات ياااااه ما هذا العبث الذي يستهتر بحياة المواطن اليمني، نعم يا سادة إنهم يبحثون في الجيوب عن مخدرات، والمخدرات تتدفق من البحار على عدن وبالأطنان، نعم أنهم يبحثون عن ذوي الملامح الشمالية، والشماليون هم من يطعموننا في مطاعم عدن، ويحكموننا على رأس حكومة معين والدرزن من الوزراء الذين معه، ورئيس البرلمان، والشورى، ونائب الرئيس، والجيش الذي يصول ويجول في الساحل الغربي، فهل سيتعقل القوم؟ هل سيتعقل قومي، ويعلمون أننا أشركنا الإخوة الشماليين في حكم الجنوب بنصف الحكومة، وهم في الشمال يحكمون محافظاتهم بأنفسهم؟ هل سنراعي حرمة المواطن اليمني شمالاً، وجنوباً، ونعلم أن المواطن على السواء ضحية سخافاتنا، متى سيستفيق القوم، ويحكمون العقل؟