خمسة عقود كاملة وثلاثة أرباع العقد مرت منذ عام 1963م على إنطلاق الثورة الاكتوبرية وصار أطفال هذا التاريخ كهولا ، وتحول شبابه إلى شيوخ ، أما شيوخه فقد غادر معظمهم عالمنا ولقوا نحبهم وبقيت الذكرى بداخل كل منا وهي ليست مناسبة لفئة أو لجماعة بل لقطر بكامله رغم الهزيمة النفسية التي عانت منها الاجيال طوال الفترة اللاحقة من هذه المناسبة العظيمة والقت جروحا لم تندمل بعد فهي باقية لاتزول في عمق الوجدان لكل أبناء الجنوب دون أستثناء ، فبعض الأسئلة يولد ليعيش للأبد مثل الأسئلة السرمدية عن الحياة والخلود ،، وبعضها ينقلب كلما تقلبت الأفئدة والأبصار !
ففي منعطفات زمنية آتية سوف تتوقف الأمم لتسأل ذواتها عن تلك الحقبة التي مزقت أبناء الوطن الواحد ، وعن الذكرى التي تتجدد بألم وهذا ما أود الحديث عنه ، لكنني لا أود تكرار الأحاديث المعادة التي تجتاح صفحنا وإعلامنا في هذه المناسبة العزيزة على قلوبنا جميعا ، بل أود أن أتلمس مايرشح من طرائق تعاملنا مع فاجعة التمزق لآبناء الوطن لعلي أمسك بتوصيف الاسلوب الذي يؤهلنا إلى التسامح ، لكي نمضي صغارا وكبارا رجالا وشيوخا لنفض الغبار من على مناسبة العقد الخامس التي لاتزال تهيمن عليها الغيوم !!
فعندما يتخيل المرء ماضي هذه المناسبة ولياليها الملاح ينبعث في نفسه أنين خافت غير قابل للمعالجة وحسرة منكسرة وزفرات حارة وآهات مؤلمة سببها العولمة السياسية القذرة التي هي طعنة في خاصرة الوطن شمالا وجنوبا !!
فمن الصعب جدا أن تكن وطنيا اذ لم تتبادر إلى ذهنك فضيلة التسامح التي تجعلنا نعلي من قيم الصفح والعفو للمساهمة في بناء هذا الوطن الممزق من جديد ، ونمارس كذلك التفهم لقضايا الآخرين والتفاهم بصدق ،، وإذا كنا خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف ،فإن هذه المعرفة تتطلب منا أن نبني جسرا من التسامح القوي مع بعضنا البعض لنصل معا إلى المستقبل لنعيش سويا في حب ووئام وذكرى تتجدد بوطنية حقيقية تامة حتى يغلق باب الهزيمة والتشرذم الذي مزق الوطن إلى اشلاء من ثم تطفي الإجابات اسئلة الشتاء المشتعلة بدفء !!