في منطقة صحراوية قرب المثلث الحدودي بين السودان وتشاد وليبيا ، أقصى شمال غرب ولاية شمال دارفور السودانية ، افترش الأرض عشرات السودانيين تبدو عليهم مظاهر إرهاق ممزوج باطمئنان ، تطوقهم أعداد كبيرة من قوات الدعم السريع السودانية ، التي ينخرط أفرادها في تقديم وجبات غذائية ومشروبات للمدنيين ، فيما يتلقى آخرون خدمات علاجية ، جراء إعياء أصابهم ، خلال رحلتهم في تلك الصحراء القاسية بيئتها.
هؤلاء السودانيون هم بعض من ضحايا رحلة محفوفة بالأخطار للهجرة غير الشرعية ، عبر الحدود الليبية ، إذ غالبا يقعون في قبضة عصابات "الاتجار بالبشر "، لكن قوات الدعم السريع المنتشرة في المنطقة الحدودية ، تلقفتهم من غياهب الصحراء القاحلة.
ويقول العميد ركن جمال جمعة آدم الناطق الرسمي باسم قوات "الدعم السريع " إن عصابات الهجرة غير الشرعية والإتجار في البشر، تنشط خصوصا في المناطق الحدودية السودانية الليبية التشادية ، لافتا إلى أن قوات "الدعم السريع " أوقفت في شهر يناير الماضي 243 من ضحايا الاتجار في البشر.
وقال آدم، في ورشة عمل حول الاتجار بالبشر وطرق مكافحته نظمها "مركز الحوار للدراسات والتدريب" بالخرطوم، شارك فيها خبراء ومسئولون عسكريون وأمنيون "إن هؤلاء الضحايا يتم تجهيزهم في ولايات شمال وغرب وجنوب دارفور لتهريبهم إلى ليبيا، ويتعرضون لممارسات غير أخلاقية ولابتزاز من قبل عصابات الإتجار بالبشر".
وفي فيلم بعنوان (قصة مهاجر)، عرضته قوات "الدعم السريع "، يتحدث ضحايا عن بعض من ملامح المآسي التي عاشوها في تلك الرحلة الخطرة ، وقال أحدهم "إن عملية التهريب تبدأ من المثلث الحدودي عن طريق سودانيين ، يسلمون الضحايا إلى ليبيين، يُكدسونهم في سيارات ، ويعاملونهم بقسوة وبطش، حتى يصلون إلى منطقة قبل "الكفرة" الليبية بنحو 50 كيلومترا، وهنا تبدأ عملية بيع السودانيين ، الذين يُنقلون إلى مزارع نائية عن أي وجود سكني، ويُطلب منك الاتصال بأي من ذويك في ليبيا، لدفع مبلغ مالي يصل إلى أكثر من ألف دولار لتحريرك ".
وأضاف "بعد أن يدفع أي سوداني في ليبيا المبلغ المطلوب ، يُطلب منك الاتصال مرة أخرى بأهلك في السودان لدفع مبلغ مالي أكبر لتحريرك ، وكلما تأخروا في دفع الأموال ، يزيد الضرب والبطش.. عشنا حياة مُذلة ".. وروى ضحايا آخرون شهادات تدور كلها في هذا السياق.
وقال الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع "إن هناك تحديات ومخاطر كبيرة تواجه القوات في ألصحراء أثناء مكافحة عملية الاتجار بالبشر ومطاردة ألعصابات منها على سبيل المثال المواجهات المسلحة ".
أما العميد الركن عامر محمد الحسن الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة ألسودانية فأكد ضرورة تكامل الأدوار بين القوات ألنظامية ودور القوات المشتركة مع دول الجوار لضبط ألحدود موضحا أن تداخل الحدود وامتدادها تُصعب من مهام مكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار في البشر.
ولا تقتصر مساعي السودان لمكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية والإتجار في البشر على الجهود العسكرية والأمنية، ولكن تتخطاها إلى أدوار سياسة واجتماعية وبحثية، عبر لجنة وطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، تضم تمثيلا من عدة جهات رسمية، وتسعى إلى تأمين دعم من المجتمع الدولي لجهودها، وعرض تجربتها والتحديات التي تواجهها على مختلف القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في هذا الصدد، وبحث سبل التعاون المشترك لمجابهة تلك التحديات، فضلا عن تنظيمها حملات وندوات لرفع الوعي بخطورة تلك الظاهرة.