من باطن المعاناة والمآسي يولد الأمل وينير الحياة، ويزيد الإيمان في قلب الإنسان، وبقدر رضائه بما قسمه الله له، بالقدر نفسه وجد طوق نجاة رغم تخلي البعض عنه أثناء مرضه المستعصي عن الشفاء، و كان إيمان الشاب محمد رمضان هو القوة الحقيقية لمواجهة حياته الجديدة.
في بورسعيد نشأ الشاب الثلاثيني، ومنذ أكثر من ثمان سنوات، حيث كان عمره وقتها 26 عاما، كان محمد رمضان يمشي على شاطئ المدينة مستمتعا، وقام مثلما يقوم به بعض الشباب بالقفز في مياه البحر من أعلى الكازينو الشهير والذي ينتصف ما بين الشاطئ والبحر، والذي يلقبه البعض الآن بمنطقة «الكازينو المحروق»، إلا أن رأسه اصطدم بالأرض، فأصيب بكسر في الفقرتين الخامسة والسادسة، تم على أثرها قطع النخاع الشوكي، مما أدى إلى شلل رباعي، أفقده الحركة فأصبح جليس الفراش.
وبعد أن استسلم محمد رمضان للأمر الواقع كانت دعوات أمه دائما هي الداعم له وقت المحن، وأخاه «إسلام» الذي يساعده في حياته، ومتطلباته الشخصية، ويشد من أزره لمواجهة وتحدي المرض، وكذلك صديقه «عبدالسميع» الذي لا يفارقه إلا قليلا، وابنة أخيه.
قفزة الموت
يؤكد رمضان أن أسرته تعطيه الطاقة الإيجابية في الحياة، لكن كابوس قفزته الشهيرة لا يزال عالقا في ذهنه: «عندما قفزت في المياه، وحدثت إصابتي لم أكن استطيع الحركة، ولم أتمكن من طلب النجدة فاستسلمت للأمر الواقع ونطقت الشهادة، ولكن فجأة جاء أحد الأشخاص وقام بإنقاذي، وبمساعدة شخص آخر استطعت الخروج من المياه، ومن وقتها شعرت بأن الله أنقذني من موت محقق، إلا لكي يقربني منه، وأيقنت أنني أبدأ حياة جديدة».
ولمواجهة الوحدة والفراغ والملل في غرفته الصغيرة، أصبح محمد يلجأ إلى تغيير قنوات التلفزيون وإجراء اتصال هاتفي واستخدام الهاتف المحمول الحديث والذي يعمل باللمس بلسانه، ومع التكرار والإصرار والعزيمة تمكن من حفظ لوحة مفاتيح الموبايل، حتى أصبح يقضي معظم الوقت على شبكات التواصل الاجتماعي، وقام بتشغيل صفحته التي قد مضى الكثير من الوقت وهو لا يفتحها، حيث الأصدقاء الجدد، والقدامى أيضا، وبالفعل تعلم الكثير بلسانه.
بات محمد رمضان قادرًا على كتابة المنشورات الإيجابية، والتفاعل والتعليق على المنشورات المختلفة ومشاركة بعض المنشورات الدينية والثقافية والتوعوية التي من الممكن أن يستفيد منها الشباب والتشجيع على الحياة.
الشريحة الذكية
يقول محمد رمضان إنه منذ بداية عودته لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي كان يقوم بكتابة منشورات سلبية، لكنه مع الوقت أصبح يقوم بنشر المنشورات الإيجابية والتي من الممكن أن يستفيد منها غيره من أصحاب المرض المستعصية، مثل (كيف تعلم الكتابة على الموبايل بلسانه وكيف تعلم استخدام ريموت كنترول التلفزيون) وهذه المنشورات مكتوبة ومرئية فكان أخوه يقوم بتصويره بناء عن طلبه أثناء الاستخدام للموبايل وللريموت، ومن ثم يقوم محمد رمضان بالنشر على صفحته.
ويؤكد أنه أصبح يتابع العالم الخارجي بداية من السياسة والرياضة والفن وغيرهم، ويقوم بتنزيل الكتب عن طريق خاصية الـ«pdf» حتى يتثنى له القراءة وقتما يشاء.
ويوضح محمد رمضان أن أقرب علاج لحالة قطع النخاع الشوكي هي الشريحة الذكية، وأنه قد تقدم بحالته لأمريكا لكن زيادة الأعداد المتقدمة حالت دون اختياره، حيث يتم تطبيق نظام الشريحة الذكية الآن على بعض المرضى من جميع أنحاء العالم.
وبالفعل تواصل الشاب مع الطبيب المصري د أشرف جورج المقيم في أمريكا لمعرفة كل تقدم يحدث في ذلك الاتجاه، والذي ينتظره محمد رمضان بإيمان وعزيمة وصبر ورضاء، متمنيًا للمرضى اللذين تم اختيارهم نجاح الاختبارات عليهم حتى الشفاء.