تضطر أمل يحيى - الطالبة بكلية العلوم الإدارية والمالية بجامعة إقليم سبأ محافظة مأرب - إلى مفارقة طفلها ذو التسعة أشهر لمدة 11 ساعة يوميا، فأمامها يوم طويل من السفر والدراسة يبدأ من السادسة صباحاً وينتهي عند الساعة الخامسة مساء.
أمل وزميلات أخريات من مديرية حريب جنوب مأرب يقطعن مسافة 200 كيلو متر يومياً في رحلة سفر شاقة تستمر من أربع إلى خمس ساعات ذهاباً وإياباً، وست ساعات دراسية يتلقين خلالها المحاضرات والدروس في مجالاتهن التخصصية.
ينتقلن طالبات مديرية حريب، وكذا طالبات الريف من المديريات الأخرى بمأرب على متن حافلات وفرتها لهن جامعة إقليم سبأ بالتعاون مع السلطة المحلية بمحافظة مأرب، وبرنامج إعمار اليمن التابع للمملكة العربية السعودية والهلال الأحمر الإماراتي.
ووفق نائب رئيس جامعة إقليم سبأ لشؤون الطلاب الدكتور علي سيف الرمال فإن هناك إقبال كبير من قبل فتيات الريف على التعليم الجامعي بعكس المتوقع، وأن هذا الإقبال يتزايد عاماً بعد عام بسبب تنامي الوعي المجتمعي وتشجيع الأهالي الذي لوحظ بدفع وتشجيع بناتهم، الدافع الداخلي لدى الفتيات أنفسهن للتعلم.
حرص كبير
تبدي أمل يحيى وزميلاتها اللواتي تحدثن لـ"الثورة نت" عبر إحدى الطالبات المتعاونات ، الحرص الكبير على إكمال تعليمهن الجامعي، حيث تؤكد أمل أن هدفها الذي يدفعها لكل هذا الكفاح هو الحصول على الفائدة العلمية، التي تعود بالنفع على مجتمعها، وحلمها بأن تكون إدارية ناجحة.
فيما تؤكد الطالبة بقسم الرياضيات زينب حسين أنها تصحو قبل صلاة الفجر، وتخرج من المنزل للذهاب إلى الجامعة في الساعة السادسة إلا عشر دقائق، لتعود بعد الرابعة والنصف من كل يوم خلال أيام الدراسة.
وتعيد زينب سر عزيمتها ومكابدتها لهذه المشقة اليومية إلى طموحها وتطلعاتها المستقبلية في خدمة وطنها وإنتاج جيل محب للعلم وتحديداً لمادة الرياضيات، باعتبار هذا العلم مرتبط بكثير من جوانب حياتنا، وله دور كبير في تنشيط وتنمية التفكير العلمي.
وترى الطالبة إيمان القوباني في قسم المحاسبة أن حرصها على الحضور اليومي وقطع مسافة 200 كيلو متر ذهاباً وإياباً ، هو حرصها على تصحيح النظرة السلبية تجاه فتيات الريف بمأرب.
مضيفة: "لدى فتيات الريف بمأرب العزيمة ليصبحن مشاركات فاعلات في كل المجالات، ويكفي أن ثلاث من الطالبات المتفوقات في قسمي من مديرية حريب".
وفي حين تؤكد ولاء محمد دينيش الطالبة بقسم الإذاعة والتلفزيون أن المشقة هي سبيل الوصول إلى النجاح، تعيد الطالبة بقسم الإنجليزي نسيم القاضي حرصها على مواصلة التعليم الجامعي إلى الحرص على الخروج من دائرة الجهل والوصول إلى مستقبل أفضل وغد أجمل، وأن تكون نافعة لمجتمعها ووطنها.
وفي السياق ترى ملحة صالح الطالبة بقسم اللغة العربية أن لديها العزيمة والإصرار لإكمال تعليمها الجامعي، لأن اليمن لا يمكن أن يتطور إلا بالاهتمام بالتعليم، "والهدف هو أن نتعلم ونعلم غيرنا من أجل خدمة بلادنا ولن نستسلم للظروف بأي حال من الأحوال".
أما نهلا سعيد الهبيلي تخصص إدارة أعمال فتؤكد على ضرورة مكابدة الصعاب من أجل الحصول على العلم ،كي تعيد لمأرب حضارتها ومجدها من جديد، ولتتمكن من مواكبة متطلبات سوق العمل في مأرب.
متاعب وصعاب
ومع حجم التفاؤل لدى طالبات حريب إلا أنهن في المقابل ينظرن إلى أن هذا الوضع يضيف عليهن أعباء كبيرة ويؤثر على مستوى التحصيل العلمي، ومراجعة الدروس، خصوصاً وأنهن مطالبات بأعباء منزلية أخرى.
الطالبة مها العقيلي - تخصص معلم صف - تصحو عند الساعة الخامسة وتعود الخامسة مساء ، وتشكو من عدم وجود الوقت الكافي للمذاكرة، مايضطرها للسهر ليلا بهدف مذاكرة الدروس، وإنجاز التكاليف والبحوث المطلوبة منها، ورغم ذلك تؤكد مها أنها حققت المركز الرابع على مستوى قسمها، وتطمح لأن تكون الأولى في القسم.
وذات الحال لدى طالبة الإعلام ولاء دينيش التي تؤكد عدم قدرتها على مراجعة الدروس والمذاكرة، إلا ليلة الاختبار ، أو خلال أوقات رحلة الذهاب والإياب من وإلى الجامعة ، بسبب عدم وجود الوقت الكافي، بينما تقضي أيام الإجازات الأسبوعية لإنجاز التكاليف المطلوبة.
وتحدثت ولاء عن صعوبات مجتمعية تواجهها بحكم تخصصها في الإذاعة والتلفزيون، لكنها تؤكد أن دعم والديها وأهلها يمنحها الثقة في طريق مواصلة تعليمها الجامعي في مجال الإعلام. متمنية في ذات السياق توفير سكن جامعي للطالبات في مدنية مأرب حتى تستغل وقتها في الحصول على شهادة التوفل في الإنجليزي والرخصة الدولية في الكمبيوتر.
أما الطالبة نسيم القاضي ومع أنها تثني على دور الجامعة والسلطة المحلية في تشجيعهن على مواصلة التعليم الجامعي من خلال توفير وسائل النقل، إلا أنها أيضاً ترى في مسافة الطريق التي تصل إلى خمس ساعات يومياً مشقة كبيرة، لكن ذلك يبعث فيها التحدي من أجل تحقيق أمل أهلها وتطلعاتهم - بتأكيدها.
تذليل الصعاب
وأمام هذا الشغف الكبير لدى فتيات مأرب في مواصلة التعليم الجامعي يؤكد نائب رئيس جامعة إقليم سبأ لـ"الثورة نت" أن الجامعة سعت لتسهيل وتذليل الصعاب أمام الجميع، خصوصاً الفتيات القادمات من الأرياف، اللواتي حرمن من التعليم الجامعي خلال العقود الماضية.
وأكد أن جامعة إقليم سبأ وبدعم كبير من السلطة المحلية ممثلة بالمحافظ اللواء سلطان العرادة قامت بتوفير 14 حافلة نقل جماعي خصصت للفتيات، مامكن الكثير من الطالبات من تحقيق حلمهن في استكمال تعليمهن الجامعي. مضيفا: "كنا نتوقع أن هناك عزوفاً من بنات الريف عن التعليم الجامعي لكن مالمسته هو العكس تماماً ، فهناك إقبال منقطع النظير وغير مسبوق للفتاة المأربية وخصوصاً الريفيات وكل عام يزداد العدد".
وأرجع الرمال إقبال الفتيات المأربيات على التعليم الجامعي إلى ارتفاع الوعي المجتمعي وتشجيع الأهالي من خلال الدفع ببناتهم للالتحاق بالتعليم الجامعي، إضافة حرص الفتيات أنفسهن على مواصلة تعليمهن الجامعي.
واعتبر الدكتور الرمال أن ماقدمته الجامعة من تسهيلات لفتيات الريف وعلى رأسها توفير وسائل النقل مجاناً قد ساهم بشكل كبير في تشجيع فتيات الريف على مواصلة تعليمهن الجامعي، مشيراً إلى أن الجامعة تبحث كل الحلول والوسائل التي تيسر على فتيات الريف مواصلة تعليمهن الجامعي ومنها توفير السكن في مدينة مأرب.
وأشار الرمال إلى أن المأربيات من بنات الريف يتواجدن في مختلف الأقسام والتخصصات المتاحة في الجامعة، سواءً في الإعلام والفنون ، أو المحاسبة ، أو الإدارة ، أو تكنولوجيا المعلومات وعلوم الحاسوب. متوقعاً أن يكون للفتاة المأربية النصيب الأوفر في الكليات التطبيقية المقرر فتحها مستقبلاً في الجامعة.
وأكد أن الفتاة المأربية تحقق حضوراً متميزاً في مجالات كثيرة، منها الشعر، والرسم، والقصة، والإعلام، وغيرها من المجالات والتخصصات بعكس ماكان سائداً، فضلاً عن تميزهن في التحصيل العلمي، ومستوى الرصيد المعرفي والاطلاع، وحضورهن كموهوبات، ويحملن الكثير من المهارات والطاقات الكبيرة.