في يوم الأربعاء الموافق٢٠٢٥/١١/١٩م في تمام الساعة الواحدة ظهراً في مدينة الفيوش، تجسد مشهد سياسي وثقافي فريد عندما التقى بالصدفة شخصيتان محوريتان في المشهد الجنوبي: الأستاذ علي حسن سيف محمد الحوشبي، رئيس حزب الخضر الجنوبي، والشاعر الكبير ثابت عوض، الذي يعد أسطورة حية في سماء الشعر الجنوبي.
هذا اللقاء العابر في قلب مدينة الفيوش لم يكن مجرد مصادفة عابرة، بل كان نقطة التقاء بين العمل السياسي الميداني والرؤية الشعرية العميقة، حيث دار نقاش مثمر حول الأوضاع الراهنة التي يعيشها الشعب الجنوبي، مسلطين الضوء على النصائح الجوهرية التي قدمها شعر الأسـطورة ثابت عوض للقيادة السياسية الجنوبية.
يمثل هذا التفاعل نموذجاً لكيفية تضافر الجهود الفكرية والعملية لتحقيق التنمية والاستقرار المنشودين. يأتي هذا اللقاء في سياق دقيق وحساس يمر به الجنوب، حيث تتشابك التحديات الاقتصادية والأمنية مع التطلعات السياسية المشروعة.
الأستاذ علي حسن سيف محمد الحوشبي، بوصفه رئيساً لحزب يركز على القضايا البيئية والتنموية، يمثل التيار العملي الذي يسعى لترجمة الآمال إلى سياسات ملموسة. حزب الخضر الجنوبي يضع الاستدامة والحوكمة الرشيدة في صلب أولوياته، مدركاً أن استقرار أي كيان سياسي مرهون بسلامة بيئته وقدرته على توفير مقومات العيش الكريم لمواطنيه.
لذا، فإن نقاشه مع الشاعر ثابت عوض لم يكن بمعزل عن هذه القضايا الواقعية. في المقابل، يمثل الشاعر ثابت عوض الصوت الذي يسبق الفعل، والرؤية التي تنير الطريق. الشعر الجنوبي، بتاريخه الطويل، لم يكن مجرد فن ترفيهي، بل كان مرآة تعكس آلام الأمة ووقوداً لثوراتها وطموحاتها.
إن وصفه بالأسطورة ليس مجرد مديح، بل هو اعتراف بدوره التاريخي في صياغة الوعي الجمعي وتوثيق النضالات. عندما يتحدث ثابت عوض، فإنه لا يتحدث باسمه وحده، بل ينطق بلسان جيل كامل عايش التحولات الكبرى.
تمحور النقاش بشكل أساسي حول تقييم الأوضاع الراهنة التي يعيشها الشعب الجنوبي. لقد أجمع المتحدثان على أن التحديات متعددة الأوجه، بدءاً من تعقيدات المشهد السياسي الإقليمي وصولاً إلى الأزمة المعيشية التي تضغط على المواطن اليومي.
ناقش الحوشبي كيف أن البرامج الحزبية تسعى لسد الفجوات التنموية، لكنه أشار إلى أن غياب التوافق على رؤية وطنية موحدة يضعف هذه الجهود. وهنا تبرز أهمية النصائح التي قدمها الشاعر ثابت عوض عبر مسيرته الشعرية.
قصائد ثابت عوض غالباً ما كانت بمثابة منابر نقدية لاذعة، توجه سهامها نحو مظاهر التقاعس أو التخاذل السياسي. كانت نصائحه للقيادة السياسية تدور حول محاور رئيسية. أولاً، التأكيد على ضرورة وحدة الصف الجنوبي باعتبارها الركيزة الأساسية لأي مشروع سياسي مستدام.
لقد شدد ثابت عوض مراراً على أن التشرذم الداخلي يفتح الباب أمام التدخلات الخارجية ويقوض الشرعية الشعبية. هذه النصيحة الشعرية تترجم إلى دعوة سياسية ملحة للابتعاد عن المناكفات الصغيرة والتركيز على الهدف الأسمى.
ثانياً، أشار النقاش إلى تركيز ثابت عوض على أهمية العدالة الاجتماعية كشرط أساسي للسلام الحقيقي. ففي كثير من إبداعاته، نجد إدانة واضحة للفساد أو الإقصاء، ورسالة مفادها أن استعادة الحقوق تتطلب تطبيقاً عادلاً للقوانين على الجميع، دون محاباة أو تفرقة.
هذا البعد الأخلاقي الذي يتبناه الشعر يمثل بوصلة للقيادات التي تسعى لكسب ثقة الشارع. ثالثاً، تطرق الحديث إلى النصيحة المتعلقة بالتمسك بالهوية والذاكرة الوطنية. يرى ثابت عوض أن النسيان هو أخطر ما يهدد الشعوب، وأن الشعر هو صمام الأمان الذي يحفظ التاريخ الحقيقي للأجيال.
بالنسبة للقيادة السياسية، يعني هذا ضرورة بناء دولة قوية على أساس من الوعي التاريخي والاعتزاز بالإنجازات السابقة، بدلاً من الانجراف وراء الحلول المؤقتة التي تتجاهل الجذور.
الأستاذ الحوشبي، مستمعاً لهذه الإضاءات الشعرية، رأى فيها تكاملاً ضرورياً مع العمل السياسي اليومي. فبينما يضع الحزب خططاً عملانية لإدارة الموارد، يوفر الشعر الرؤية الروحية والأخلاقية التي تضمن أن هذا العمل يخدم المصلحة العامة حقاً.
أكد الحوشبي أن التحدي الأكبر يكمن في تحويل هذه النصائح الشعرية، التي قد تبدو مثالية، إلى إجراءات عملية في ظل الظروف المعقدة التي تحكم الساحة الجنوبية.
في ختام اللقاء، اتفق الرجلان على أن الحوار المستمر بين المبدع والممارس السياسي هو ضرورة ملحة. فالسياسي يحتاج إلى بصيرة الشاعر ليبقى متصلاً بالنبض الشعبي والقضايا الجوهرية التي تتجاوز تفاصيل الصراع اليومي، بينما يحتاج الشاعر إلى فهم القيود الواقعية التي يواجهها الحزب لكي لا تتحول رؤاه إلى مجرد أمنيات مجردة.
لقاء الفيوش هذا، الذي جمع بين رئيس حزب يسعى للتغيير المنهجي وشاعر يجسد الروح الجمعية، كان بمثابة تأكيد على أن النضج السياسي يتطلب دائماً الاستماع إلى صوت الفن الذي يمتلك القدرة على التنبؤ والنقد والإلهام. إن الاستماع إلى نصائح ثابت عوض الشعرية يظل بمثابة حجر زاوية لأي استراتيجية سياسية جنوبية تهدف إلى بناء مستقبل مستدام وعادل.