وضع زعيم الجماعة الحوثية، عبد الملك الحوثي، العاملين في الوكالات الأممية على رأس قائمة «الأعداء»، وأطلق العنان لجماعته للتنكيل بهم، متّهماً موظفين في برنامج الغذاء العالمي ومنظمة «اليونيسف» بممارسة أنشطة «تجسسية» لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، ومحمّلاً بعضهم مسؤولية مقتل رئيس حكومته أحمد غالب الرهوي و9 من وزرائه، في غارة إسرائيلية استهدفت صنعاء أواخر أغسطس (آب) الماضي.
جاءت اتهامات الحوثي في خطبته الأسبوعية، مساء الخميس، وذلك في وقت لا يزال فيه 53 موظفاً أممياً رهن الاعتقال، بعضهم مر عليه 4 سنوات، وسط مخاوف من أن تُمهّد هذه التصريحات لموجة جديدة من الملاحقات، وربما لأوامر جائرة تصل إلى الإعدام، في ظل الاتهامات الموجهة لهم بـ«التجسس» و«العمالة».
وقال الحوثي، في خطابه، إن المسار الأمني يُشكّل «توأماً للمجال العسكري في مواجهة الأعداء»، زاعماً أن الأجهزة الأمنية التابعة لجماعته «ألقت القبض على خلايا تجسسية تعمل لصالح الأميركيين والإسرائيليين تحت غطاء العمل الإنساني».
وأضاف أن من بين تلك الخلايا «منتسبين لبرنامج الغذاء العالمي و(اليونيسف)»، متهماً إياهم بـ«توفير معلومات وإحداثيات للاستخبارات الإسرائيلية» أدّت إلى استهداف اجتماع لحكومته الانقلابية في صنعاء ومقتل رئيسها الرهوي وعدد من وزرائه.
وزعم الحوثي أن «الخلايا التجسسية» استغلّت انتسابها إلى المنظمات الأممية «غطاءً لأنشطة عدوانية»، وأن «مسؤولي الأمن والسلامة في إحدى وكالات الأمم المتحدة كان لهم الدور الأساس في جريمة استهداف الحكومة».
وادّعى أن جماعته «تمتلك أدلة قاطعة» على تورط هؤلاء في أعمال رصد واختراق للاتصالات، قائلاً إن «الأمم المتحدة بدلاً من محاسبة المتورطين، توجه اللوم» إلى أجهزة جماعته، وهي اتهامات سبق أن نفتها الأمم المتحدة بشكل قاطع.
مخاوف من انتهاكات أوسعويُجمع مراقبون على أن الهجوم الحوثي على الأمم المتحدة ومنظماتها يهدف إلى صرف الأنظار عن خسائره المتزايدة في صفوف القادة الميدانيين، وإلى محاولة تبرير حملة الاعتقالات الواسعة التي طالت موظفين أمميين يعملون في صنعاء ومناطق سيطرة الجماعة.
كما يعتقد هؤلاء أن التصعيد ضد العاملين في المجال الإنساني يأتي في وقت تُواجه فيه الجماعة عزلة متزايدة، بعد أن أدَّت هجماتها البحرية في البحر الأحمر وباب المندب إلى تصنيفها دولياً ضمن «قائمة المجموعات الإرهابية المهددة للملاحة».
وفي ظل هذه التطورات، لم تستبعد مصادر إغاثية أن تشهد الأيام المقبلة تصعيداً حوثياً جديداً بحق كوادر المنظمات الدولية، خصوصاً مع إصرار الجماعة على ربط نشاطها الإنساني بما تسميه «العدوان الأميركي - الإسرائيلي».
وتخشى الأوساط الحقوقية اليمنية أن تلجأ الجماعة إلى تنفيذ إعدامات بحق بعض المعتقلين، في محاولة لبث الرعب بين موظفي الإغاثة، وإحكام السيطرة على أنشطتهم، في بلد يعيش أكبر أزمة إنسانية في العالم.
وفي أحدث تصريحات المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، قال إنه ناقش خلال اجتماعاته الأخيرة مع سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ومع سفراء آخرين استمرار احتجاز الحوثيين لموظفي الأمم المتحدة والدبلوماسيين والعاملين في المنظمات غير الحكومية.
وشدَّد على أن مثل هذه الأفعال تُعرقل العمليات الإنسانية، وتقوّض جهود السلام. وأكَّد أن سلامة جميع العاملين في المجال الإنساني تُشكل أولوية قصوى للأمم المتحدة، ويجب ضمانها، ودعا إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الموظفين المحتجزين.
اعتراف بالخسارةيأتي تصعيد زعيم الحوثيين ضد الموظفين الأمميين عقب اعتراف الجماعة بمقتل رئيس أركانها محمد عبد الكريم الغماري في غارة إسرائيلية يُرجح أنها استهدفت صنعاء في منتصف يونيو (حزيران) الماضي، وتعيين القيادي يوسف المداني خلفاً له.
ويُعد الغماري من أبرز القادة العسكريين المقربين من زعيم الجماعة، فضلاً عن ارتباطه العقائدي ومسؤوليته عن زرع الألغام والإشراف على الهجمات الصاروخية والبحرية، إلى جانب صلاته بـ«الحرس الثوري» الإيراني.
وتعليقاً على هذا الأمر، قال وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، إن «اعتراف الميليشيات بمقتل الغماري بعد أشهر من التكتم يفضح حجم الانكشاف الأمني والارتباك الداخلي الذي تعيشه».
وأضاف الوزير في تصريح رسمي أن «هذا الإقرار المتأخر يعكس التخبط والخلل القيادي داخل الجماعة، ويؤكد تراجع قدرتها على إدارة الجبهات أو الحفاظ على تماسكها الداخلي».
وأشار الإرياني إلى أن «الأشهر الماضية شهدت ضربات دقيقة طالت الصفين الأول والثاني من قيادات الحوثيين»، ما أدَّى إلى «تصدع واضح في هرم الجماعة العسكري والسياسي والإعلامي»، مشدداً على أن «الاعترافات المتأخرة والتصريحات العدائية الأخيرة تكشف هشاشة الجماعة، وتآكل مشروعها الإرهابي».