ليس من المبالغة القول إن أحداث 21 سبتمبر 2014م لم تكن سوى تتويج لمسار طويل من التواطؤ السياسي والعسكري، بدأ منذ انقلاب 26 سبتمبر 1962م وما تبعه من تسويات وانقسامات. فالتاريخ، في جوهره، يعيد نفسه بأدوات مختلفة ووجوه متغيرة، لكنه يحمل ذات المضمون.
من يتتبع خيوط المشهد يدرك أن ما جرى يومها لم يكن اقتحامًا مسلحًا بالمعنى التقليدي، بقدر ما كان عملية تسليم واستلام مُحكمة بين الجمهوريين الذين فقدوا مشروعهم الوطني، وبين الملكيين الذين تسللوا عبر واجهات مختلفة حتى عادوا إلى قلب السلطة. وقد سبق لهذا المشهد أن رُسم منذ اتفاق 5 فبراير 1970م، حين جرى "التصالح" بين الملكيين والجمهوريين على قاعدة تضمن للهاشميين الحضور في مفاصل الدولة، ليبقى اليمن رهينة هذا النفوذ حتى اليوم.
في تفاصيل 21 سبتمبر، كان المشهد أكثر وضوحًا:
المستلم: علي البخيتي، ومن مثله من الواجهات السياسية التي وفرت الغطاء الإعلامي والسياسي للحوثيين.
المسلِّم: علي عبدالله صالح وعلي محسن الأحمر، باعتبارهما رأسَي النظام الجمهوري الذي تحوّل عمليًا إلى أداة لتصفية حسابات داخلية، ووسيلة لإعادة إنتاج الملكية بثوب جمهوري.
إن ما جرى لم يكن صدفة، بل نتيجة طبيعية لمسار طويل من تفريغ الجمهورية من مضمونها، وإضعاف مؤسسات الدولة لصالح مراكز قوى عائلية ومذهبية، مهدت الطريق للحوثيين ليكونوا الوريث الشرعي في نظر داعميهم الإقليميين والدوليين.
اليوم وبعد أكثر من عقد على ذلك الحدث، يظهر بجلاء أن 21 سبتمبر لم يكن مجرد انقلاب عسكري، بل كان لحظة انكشاف كامل لمشروع الجمهورية الزائفة، وانتصار لمشروع الهيمنة الهاشمية الذي ظل يطل برأسه منذ ستينات القرن الماضي.
الخلاصة، أن ما حدث في صنعاء لم يكن سقوطًا بفعل قوة الحوثي وحدها، بل كان تسليمًا إراديًا شارك فيه شركاء الأمس من قيادات النظام الجمهوري، الذين تحوّلوا إلى شهود زور على نهاية مشروع سبتمبر.