في قلب الجنوب المكلوم، يقف المواطن البسيط حائراً بين مطرقة التصريحات الحكومية الوهمية عن تخفيض الأسعار، وسندان الواقع المرير الذي يضاعف من معاناته اليومية مع كل طلوع شمس. فبينما تتسابق الجهات الرسمية لإطلاق شعارات براقة عن تخفيض أسعار المواد الأساسية، يجد المواطن نفسه في الأسواق أمام فواتير متصاعدة، مفارقة مع هبوط سعر العملة قريب النصف، وارتفاعات متلاحقة، تكاد تلتهم ما تبقى من قوته وصموده.
منتظراً الهبوط الفعلي للمواد الاساسية الضرورية مقارنه بنسبة هبوط العملة الاجنبية، ولم يجد المفارقة التي ينتظرها بفارق الصبر وحنين الالم، بل وجد هبوط ضئيل جداً لا يكاد يفرق اذا تم مقارنته بصرف العملة اليوم وصرف العملة قبل الهبوط.
المفارقة المؤلمة أن هذا المواطن، الذي أنهكته سنوات الحرب والأزمات الاقتصادية، لم يعد يسمع سوى وعود لا تجد طريقها إلى التطبيق. فالتاجر يتحدث بلغة السوق والعملة المتدهورة، والحكومة تتحدث بلغة البيانات والتقارير الوهمية، أما المواطن فهو وحده من يعيش الجوع، والمرض، والخذلان.
لقد باتت الحياة اليومية في الجنوب اختباراً قاسياً للكرامة الإنسانية: رواتب منقطعة أو متأخرة لأشهر، دخل يومي شبه معدوم في ظل توقف المشاريع والأعمال، غياب الرقابة الفعلية على التجار والمحتكرين، وانعدام تام لأي سياسات اقتصادية رشيدة تحمي المستهلك وتوقف نزيف الأسعار،وتضرب بيد من حديد ويد من نار امام هوامير المستوردين قبل التجار المستهلكين. وما زاد الطين بلة أن المواطن الجنوبي يجد نفسه وحيداً في مواجهة هذا الواقع الاستثنائي، بلا مؤسسات ترعاه، وبلا حلول ملموسة تخفف معاناته.
إن ما يُسمى بتخفيض الأسعار ليس سوى لعبة إعلامية هدفها امتصاص غضب الشارع وشراء الوقت، بينما الحقيقة المرة أن الأسعار في تصاعد دائم، اذا قورنت بالعملة والواقع يشهد، والعملة الوطنية في انحدار مستمر، والمواطن يئن تحت وطأة الفقر والحرمان. فكيف يمكن أن يقتنع الناس بالتخفيض المزعوم بينما سلة الغذاء اليومي تتضاعف كلفتها أسبوعاً بعد آخر؟ واذا تم مقارنتها بسعر العملة اليوم يجد سعرها ارفع عما قبله عندما كان الريال السعودي 775 نهاية الشهر الماضي.
إن هذه الظروف لم تعد مجرد أزمة معيشية، بل تحولت إلى أزمة وجود تهدد بقاء المواطن في أرضه وكرامته. فالهجرة، التسول، واللجوء إلى الديون صارت ممارسات قسرية لمئات الأسر التي فقدت أي أمل في غدٍ أفضل.
المطلوب اليوم ليس المزيد من البيانات الإعلامية الفارغة، بل خطوات عملية وجريئة: تفعيل الرقابة الحقيقية على الأسواق، والضرب بعصا ملتهبة على المتلاعبين، ووقف جشع التجار والمحتكرين، صرف الرواتب بانتظام، وتبني سياسات اقتصادية تعيد للإنسان الجنوبي جزءاً من حقه المسلوب في العيش الكريم.
فالمواطن الجنوبي ليس رقماً في بيانات أو أداة لامتصاص الغضب، بل هو جوهر القضية الجنوبية ومحورها. ومن أراد أن يحفظ الجنوب ومستقبله، فعليه أن يبدأ من حيث يقف المواطن اليوم: من لقمة عيشه، من كرامته، ومن أبسط حقوقه في حياة آمنة وكريمة.