شكَّلت العملية العسكرية التي استهدفت من خلالها الولايات المتحدة الأمريكية قاسم سليماني - أقوى إرهابي في الشرق الأوسط والعقل المدبر لاستراتيجية الإيرانية المتمثلة في إنشاء شبكة من الميليشيات العميلة في لبنان والعراق واليمن لفرض نفوذ إيران في المنطقة - خطوة كبيرة نحو هدم الأيديولوجية التوسعية المحركة لنظام الملالي في طهران.
وفي واقع الحال فقد تأخر ولفترة طويلة الاستهداف العسكري للسليماني، فقد كان استهدافه معضلة واجهت ثلاث إدارات أمريكية والتي كانت تراقب هذا الإرهابي الخطير وهو يتحرك بحرية مطلقة ويعمل بشكل علني ضد الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. ويمكن للمرء أن يجادل حول ما إذا كان ينبغي أن ينظر إلى سليماني باعتباره قائدًا لبلد أجنبي، ولكن بالنسبة للكثيرين فقد كان إرهابيًا يرتكب أعمالاً وحشية في جميع أنحاء المنطقة بينما ينتابه شعور بالحصانة تحت حماية إيران.
في يوم الجمعة، اتخذ الرئيس دونالد ترامب إجراءات حاسمة و وقف ضد أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم من خلال استهداف قاتل كان مسؤولاً عن قتل الآلاف من الناس في الشرق الأوسط وخارجه، بما في ذلك الأمريكيون، منذ تأسيس فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في عام 1980، و في لحظة وصوله إلى بغداد، كان سليماني يضع اللمسات الأخيرة على خطط لشن هجمات كبرى وشيكة ضد المنشآت الدبلوماسية الأمريكية في العاصمة العراقية. وقد وصف بيان وزارة الدفاع الأمريكية الذي أعلن مقتل سليماني بأن العملية كانت ”دفاعية“، درءا للمذابح وإنقاذاً للأرواح.
وبموجب القانون الدولي فقد كان العمل العسكري الذي أقدمت عليه حكومة الولايات المتحدة الأمريكية حقًا بمثابة حالة للدفاع عن النفس، ويستحق الدعم الدولي - خاصة وأن أي دولة على وجه الأرض لا ينبغي أن تقبل بامتلاك إيران لجيش خارج حدودها الإقليمية مكون من الإرهابيين الذين يتدخلون في البوسنة والأرجنتين واليمن وأفغانستان والعراق و لبنان. وهذا هو الوقت المناسب لكي يتوحد المجتمع الدولي للقضاء على المفهوم الإيراني لـ "محور المقاومة" الإسلامية الذي انشأ شبكة من الإرهاب السني مثل حماس وداعش وأخرى شيعية مثل حزب الله والحوثيين الميليشيات المتطرفة في العراق.
في اليمن، قامت قوات فيلق القدس بقيادة سليماني، بتنظيم انقلاب على أيدي الحوثيين ضد الحكومة الشرعية في البلاد، مما مكن الحوثيين من إطلاق صواريخ أسفرت عن مقتل المئات من الناس في اليمن والدول المجاورة. لقد شطح سليماني في العام 2015 وبفخر إن العاصمة العربية الرابعة باتت خاضعة لسيطرة إيران.
وقبل ذلك، كان سليماني فعّالاً في تشكيل حزب الله اللبناني عبر تمويل وتجهيز وتدريب قوة باتت اليوم تمارس أنشطة إرهابية في لبنان وضد البلدان المجاورة. وفي اليمن فأن حزب الله لا يخفي وجوده العسكري وقيادته لعمليات الحوثيين العسكرية ضد الشعب اليمني.
وباعتقادي فهذا هو الوقت المناسب لوضع حد للمفهوم الإيراني لـ "محور المقاومة "الإسلامي، لأن فيلق القدس يوفر اليوم الصواريخ وغيرها من الأسلحة المتقدمة -مثل الطائرات بدون طيار والقوارب السريعة والمتفجرات المتقدمة - بالإضافة إلى تدريب المنظمات الإرهابية فيجميع أنحاء الشرق الأوسط، ويشمل ذلك حزب اللبناني ، كتائب حزب الله، الجهاد الإسلامي الفلسطيني، وحركة حماس، وحركة طالبان والحوثيون، وتستخدم هذه المليشيات الأسلحة الإيرانية لاستهداف وقتل الأبرياء. وفي اليمن وحدها، لا يزال مئات الآلاف من الألغام الأرضية الإيرانية المتطورة تقتل وتشوه الآلاف من الناس وفقاً لبيانات الأم المتحدة.
ويمكننا أن نملأ قائمة طويلة وصفحات لاحصر لها من الأنشطة المزعزعة للاستقرار والتي يقوم فيها فيلق القدس نيابة عن النظام الإيراني بما يوفر سبباً لإدانة قانونية. فمثل هذه القوة العسكرية التي تعمل خارج الحدود الإقليمية لدولة إيران، والمتخصصة في الحرب غير التقليدية والمخابرات العسكرية، والتي تخضع مباشرة لقيادة المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي، تشكل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي. حيث ينطلق المفهوم الإيراني للتوسعية على تحريض وتمكين جهات فاعلة غير حكومية (تنظيمات خارج الدولة) من فرض أجندة طهران في المنطقة ، مما يثبت أن الجمهورية الإسلامية هي دولة راعية للإرهاب. وقد قامت العديد من الدول ، ومن بينها الولايات المتحدة وكندا ومصر والسعودية والبحرين بتصنيف فيلق القدس كمنظمة إرهابية.
وكانت آخر عمليات فيلق القدس التدميرية قد شملت الهجوم على ناقلات النفط في خليج عمان، وإسقاط طائرة أمريكية بدون طيار، وقصفت منشآت النفط السعودية. لقد أساء النظام الإيراني وغالى بالإحساس بالحصانة وإنه بات قادراً على فرض قدرته على الردع فيالمنطقة. وجاء الهجوم الأخير على منشآت السفارة الأمريكية فيبغداد كأقصى تعبير عن الغطرسة، خاصة من خلال إبراز العضلات الذي أظهره سليماني، والذي بلغ احساسه بالحصانة من التهديدات مداه أثناء تنقله بي دمشق وبيروت وبغداد، مظهرًا قوة إيران جالباً معه الدمار أينما حل.
إن القرار القاضي بوضع حد للأنشطة الخبيثة لإيران لا يشكل دعوة للحرب، وإنما يشكل مدخلا نحو جلب إيران إلى طاولة المفاوضات حتى تتفق دول المنطقة بشكل جماعي على أفضل السبل للعيش معًا في سلام. لقد حاول المجتمع الدولي مرارًا وتكرارًا إرسال الرسائل الواضحة لطهران بأن الوقت قد حان لإجراء محادثات سلمية حول كيفية المضي قدما، وأن النهج الإيراني العنيف والقائم على التدمير والحرب لن يكون حلًا لمشاكل إيران أو تحقيق الاستقرارالاقليمي.
بقلم: السفير خالد حسين اليماني - وزير خارجية اليمن السابق