نظَّمت صباحَ يوم الإثنين 5 مايو 2025م ، نقابةُ الصحفيين الجنوبيين بمقر النقابة ندوةً صحفيةً عن جرائم النشر الإلكتروني، حضرها نخبةٌ من القضاة والنيابات والصحفيين من جيل الشباب المخضرمين.
وقد اُفتُتِحت الندوةُ بكلمةٍ ترحيبيةٍ من نقيب الصحفيين الجنوبيين عيدروس باحشوان، الذي رحب بالحاضرين من قضاةٍ وزملاء، مُعربًا عن أمنيته بأن تكون المشاركة أوسعَ في هذه الفعالية المهمة؛ نظرًا لأوراقها العامة وضيوفها الأفاضل من السلطة القضائية. إلا أن الوضع العامَّ الذي تمر به عدن من سوءِ خدماتٍ وتعثُّرِ حضور رؤساء التحرير والمؤسسات الإعلامية بالعاصمة، أدى إلى اقتصار الندوة على عددٍ محدودٍ من الحضور.
وضمَّت الندوةُ عددًا من الضيوف البارزين، وهم:
- المستشار الدكتور القاضي صالح المرفدي (عضو المحكمة العليا).
- و القاضي خالد الحسني (وكيل نيابة الصحافة والمطبوعات والنشر الإلكتروني).
- والدكتور عبدالله باصهي (أستاذ القانون الجنائي المساعد بكلية الحقوق).
- و الدكتور ياسر باعزب(رئيس هيئة التدريب والتأهيل بمثابة الصحفيين الجنوبيين).
- ومختار اليافعي (نائب رئيس الهيئة الوطنية للإعلام الجنوبي).
وشارك نائب رئيس الهيئة الوطنية للإعلام مختاراليافعي، في أعمال الندوة القانونية المتخصصة بشأن "جرائم النشر الإلكتروني: تحديات الواقع وحدود القانون"، وفي كلمته خلال الجلسة الافتتاحية، شدد اليافعي على أهمية التوازن بين حرية الصحافة وحرية التعبير من جهة، وبين ضرورة الالتزام بقواعد الانضباط القانوني من جهة أخرى، مشيرًا إلى أن الإعلام المسؤول هو شريك أصيل في تحقيق العدالة، ولا يجوز استخدامه كغطاء للفوضى أو الإضرار بالمصلحة العامة.
وأكد أن انعقاد هذه الندوة يأتي في توقيت حساس، مع تصاعد التحديات المرتبطة بالفضاء الرقمي وانتشار خطاب الكراهية والمعلومات المضللة، داعيًا إلى تحديث التشريعات ذات الصلة بجرائم النشر الإلكتروني، وإنشاء محاكم متخصصة، ووضع مدونات سلوك قانونية وأخلاقية تلزم العاملين في المجال الإعلامي.
كما أعلن اليافعي دعم الهيئة الوطنية للإعلام للتوصيات الصادرة عن الندوة، وفي مقدمتها تأسيس مرصد جنوبي لرصد وتحليل محتوى الفضاء الرقمي، وإطلاق حملات توعوية قانونية للمجتمع والإعلاميين حول حدود حرية التعبير وأخلاقيات النشر الإلكتروني.
واختتم نائب رئيس الهيئة كلمته بالتأكيد على أهمية تعزيز التعاون بين هيئة الإعلام ونقابة الصحفيين والسلطة القضائية لبناء منظومة إعلامية تواكب العصر وتحمي الحقوق والحريات، في إطار من المسؤولية والمهنية واحترام سيادة القانون.
وفي كلمته، أكد النقيب عيدروس باحشوان على أهمية الموضوع قائلًا:
«الجميع لديهم أوراقٌ هامةٌ نقف أمامها اليوم، وسنستمر في الوقوف أمامها لاحقا؛ نظرًا لأهميتها، ولما يشهده هذا الفضاء الإلكتروني من عبثٍ حقيقيٍّ كبير، فهو بحاجةٍ إلى تقييمٍ وتقويمٍ، وهذه من واجباتنا كنقابةٍ للصحفيين».
وفي الندوة، قال ميسرها القانوني بنقابة الصحفيين الجنوبيين جسار مكاوي قائلًا:
«أرحب بكم في مقر نقابة الصحفيين الجنوبيين، المقر الذي استعاد حيويته ونشاطه من جديد بعد أن ظلَّ لأكثر من ثلاثة عقود تحت وطأة الإهمال، ولغة الخطاب التي هيمنت عليه طيلة تلك العقود. اليوم، تقيم نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين فعاليات متخصصة ومهمة، منها هذه الندوة الخاصة بجرائم النشر الإلكتروني: المشكلات والمعالجات، والتي يُقدِّم فيها القضاة الأجلاء والدكاترة من الإعلاميين أوراقًا بحثية، ومنها:
1. الورقة الأولى بعنوان: "الجريمة الإعلامية: دراسة تحليلية موجزة للتشريعات اليمنية" للمستشار القاضي صالح المرفدي.
2. الورقة الثانية للقاضي خالد الحسني بعنوان: "تقييم ومعالجات نيابة الصحافة والمطبوعات لمجمل القضايا المنظورة أمام النيابة خلال الفترة الماضية".
3. الورقة الثالثة بعنوان: "أخلاقيات العمل الصحفي والإعلامي" للدكتور ياسر باعزب.
وفي الندوة، قال المُستشار والقاضي صالح المرفدي عن جرائم النشر الإلكتروني:
«سَبَقَ أن تناولت الدائرة القانونية بالمجلس الانتقالي الجنوبي هذا الموضوع في ندوة سابقة، وقُدِّمت خلالها عدة دراسات وأبحاث، وانبثق عنها كتيبٌ ضمَّ جميع أوراق العمل. غير أن ورقتي اليوم تحمل عنوان "المسؤولية الجنائية للعمل الإعلامي"، وتتلخَّص في الجريمة الإعلامية. ولا يغرَّنَّكم المُسمَّى أو بشاعته، لكنه يشد الانتباه؛ مما يُوجِب الحيطة والحذر من الصحفي، ويدعوه إلى التحلِّي بالدقة والالتزام».
وأضاف: «دعونا نختصر: القانون والإعلام علاقة تبادلية. باختصار، حقوق الصحفي تقابلها التزاماته وواجباته. الجميع يعرف حقوق الصحفي، لكن لو تناولنا الجانب الآخر – وهو واجباته – ففي حال اختراقها، يدخل في إطار المسؤولية القانونية التي تنقسم إلى ثلاثة أنواع:
1. مسؤولية مدنية.
2. مسؤولية جنائية.
3. مسؤولية إدارية. إلى جانب ذلك، تُضاف مسؤولية أخلاقية ودينية».
وتابع المرفدي : «العامل المشترك بين المسؤوليات الثلاث (المدنية، الجنائية، الإدارية) هو أنها تقوم على ثلاثة عناصر:
- العنصر الأول: الفعل أو الامتناع.
- العنصر الثاني: النتيجة المترتبة عليه.
- العنصر الثالث: الرابطة السببية بين الفعل والنتيجة، دون تدخُّل عوامل خارجية.
أما المسؤولية الجنائية – وهي موضوع نقاشنا – فالجريمة الإعلامية تُعرَّف بأنها:
سلوكيات أو أفعال يُمارسها الإعلامي تُسبِّب ضررًا للآخرين، وقد تصل إلى حد التعدي.
- إذا بلغ التجاوز حد الاعتداء، تُطبَّق المسؤولية الجنائية.
- إذا كان التعدي أقل حدة، تُطبَّق المسؤولية المدنية.
- إذا كان الفعل مُخالفة بسيطة، تُطبَّق المسؤولية التأديبية.
ولفت المُستشار المرفدي إلى أن التشريعات اليمنية للصحافة لا تنص على عقوبات تأديبية للإعلاميين، خلافًا لقوانين السلطة القضائية والمهن الطبية التي تُحدِّد إجراءات تأديبية للمخالفات».
وأكمل المرفدي: «قانون الصحافة والمطبوعات اليمني – الصادر عام 1990م – صُمِّم لعصر النشر التقليدي (المطبوع)، بينما نعيش اليوم عصر النشر الإلكتروني. رغم ذلك، تناولت التشريعات اليمنية الجريمة الإعلامية عبر:
- قانون الجرائم والعقوبات (شامل لجميع الجرائم، بما فيها النشر).
- قانون الصحافة والمطبوعات(يذكر محظورات النشر كجرائم، لكن دون تفصيل كافٍ).
وأوضح المرفدي , أن أهم ركن في الجريمة الإعلامية هو النشر، الذي يتحقق بالعلانية (مشاهدة 3 أشخاص على الأقل). لكن اليوم، لم يعد النشر حكرًا على الإعلامي، بل أصبح متاحًا للعامة. ومع ذلك، يُعتبر الإعلامي أكثر مسؤولية؛ لخبرته ودرايته باللوائح المنظمة».
وأكمل قائلًا: «لا يُوجد شروع في الجريمة الإعلامية كباقي الجرائم؛ لأنها تتحقق بمجرد النشر وتُعتبر جريمة تامَّة. أما المساهمة فيها، فتشمل:
- رئيس التحرير.
- المحرر.
- المطبعة.
حيث تُفترض مسؤولية رئيس التحرير قانونيًّا، بينما يقع عبء الإثبات على المحرر أو المطبعة في حال نشر محظورات.
وأخيرًا، أركان الجريمة الإعلامية هي:
1. الركن المادي: (الفعل/الامتناع، النتيجة، الرابطة السببية).
2. الركن المعنوي: (القصد الجنائي).
فالجريمة الإعلامية لا تتحقق إلا بالعمد، ولا تُعتبر خطأ غير عمدي جريمةً بنظر القانون».
قال المرفدي: «محظورات النشر وَرَدَت – كما ذكرنا – في قانون الصحافة كقانون خاص، وبالتحديد في المادة (103) التي تضمَّنت 12 بندًا، ومن أبرزها:
1. محظورات النشر المُسيئة إلى العقيدة الإسلامية.
2. محظورات النشر المُضِرَّة بالدفاع والأمن الوطني.
3. محظورات النشر المُعادية لنظام الدولة ورئيسها.
4. محظورات النشر المُحرِّضة ضد الرأي العام أو الاقتصاد الوطني.
5. محظورات النشر المُسيئة إلى الأفراد.
6. محظورات النشر المُهاجمة للقضاء ونزاهة العدالة.
ويتحدد تصنيف هذه الجرائم بناءً على طبيعة الضرر؛ فبعضها يقع على:
- أشخاص (كجرائم السبِّ أو الإهانة).
- مؤسسات حكومية أو خاصة (كالتشهير بمؤسسة عامة).
- المجتمع ككل (كإهانة رموز الدولة أو ترويج الصور المُسيئة لسمعتها).
ويُشدِّد القانون اليمني – شأنه شأن القوانين العربية – على جرائم المساس بالمصلحة العامة، مثل:
- الجرائم السياسية (كالتخابر مع جهات أجنبية).
- جرائم إفشاء الأسرار العامة.
- جرائم الاعتداء على العقائد الدينية، وتصل العقوبة إلى 5 سنوات سجن إذا كانت الإساءة موجهة إلى الدين الإسلامي، بينما تقل إلى 3 سنوات لو تعلقت بديانات أخرى.
ويُضاف إلى ذلك:
- جرائم التحريض على العصيان المسلح.
- جرائم التضليل الإعلامي.
- جرائم إزعاج السلطات (كالتهديد أو السبِّ الموجه لموظف عام).
- جرائم انتهاك الحياة الخاصة(كنشر الصور المخلة بالآداب).
وفي حال ارتكاب الإعلامي لمثل هذه المخالفات:
- يُمكن للمتضرر رفع دعوى جنائية أو دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض المادي أو المعنوي.
- يجوز الجمع بين الدعويين (المدنية والجنائية) في إجراء واحد.
وأختتمُ المرفدي ورقته بتوصيةٍ أساسية:
ضرورة التزام الإعلاميين بما ورد في ميثاق شرف الصحفيين، والتحلِّي بالدقة والنزاهة في تناول القضايا الحساسة».
وبالندوة، تناول القاضي وكيل نيابة الصحافة والمطبوعات خالد الحسني إعادةَ عملها بقرار مجلس القضاء الأعلى رقم (9) لعام 2022م؛ لإعادة تفعيلها وتسميتها باسم"نيابة جرائم النشر الإلكتروني"، نظيرَ كون الأمر قبل الحرب أن نيابة الصحافة والمطبوعات معنيةً بجرائم النشر التي تقع بواسطة الصحف أو وسائل النشر الأخرى وخلاف ذلك.
ووقال بعملنا، فإنا في نيابة الصحافة هو النشر الإلكتروني، ونعرف أن النشر الإلكتروني أصبح مكتسحًا، وأصبحت الصحافة التقليدية مندثرة. ولكن هذه الحقيقة في الفضاء الإلكتروني، ودور الجهات القضائية في كيفية التصدي لها والتجاوزات التي تتم بواسطة هذه الوسائل؛ لأنها وسائل خطيرة. وقانون الصحافة والمطبوعات لم يتصور أنه سيكون هناك نشر إلكتروني، وكان هناك تخاطب مباشر منه مع الصحفيين. وكانت من قبل السيطرة على ما يُنشر بالصحف سهلةً وبسيطةً، ولكن دخول الفضاء الإلكتروني بالقوة الجارفة خاصةً أن أصبح تحديًا فعليًّا، وللأسف نحن في اليمن لا يوجد تشريعٌ للجرائم الإلكترونية.
وقال الحسني: إن النشر يعتبر صورةً من صور الجرائم الإلكترونية، والجرائم الإلكترونية أوسع بكثيرٍ من جرائم النشر التي تتم بواسطة تقنية المعلومات بواسطة الأجهزة الإلكترونية. وهذه نحن نتعامل معها حاليًا وتُطبق عليها قانون العقوبات العام وفقًا للنصوص المعتمدة، ولكن في شقٍ آخر وهو جرائم القرصنة التي تتناول الشبكة الإلكترونية نفسها؛ كالقرصنة وسرقة بيانات شبكة المعلومات، وهذا ليس موجودًا عندنا. ولكن إذا حدثت حالاتٌ مثل النصب والاحتيال، فإننا نتعامل معها من قبيل تطويع النص العام لمواجهة مثل هذه الحوادث.
واستعرض الوكيل خالد دور النيابة وأنها استقبلت الشكاوى من المواطنين وبعض المصالح الحكومية، وحَقَّقَت في بعض القضايا وأحالت بعضها إلى المحاكم، والبعض الآخر تم التصرف فيه بالنيابة. ويُلاحَظ أن نسبة الإعلاميين الذين خضعوا للتحقيق في نيابة الصحافة والمطبوعات يمكن عدهم بأصابع اليد؛ أي الإعلاميين الذين يمتلكون ما يثبت صفتهم الإعلامية. والمعايير لدينا للحصول على صفة الإعلاميين وفق القانون تشترط شروطًا، ولكننا عمليًّا نتجاوزها تسهيلًا للإعلاميين، ونعتبر المعيار عندنا هو الحصول على عضوية النقابة. فمجرد ما يثبت البطاقة الخاصة بالنقابة نعتبره صحفيًّا، ونُطبِّق عليه الحماية المنصوص عليها كصحفيّ.
وأشار الحسني وهنا يجب أن نشير إلى ميزةٍ يتميز بها الصحفي عن غيره، وهي أن نسبة الخطأ عند الصحفي أقل من غيره؛ نظير كون نصه يمر على عدة شخصيات يطلعون عليه، علاوةً على ما يتميز به من ثقافةٍ، بخلاف غيره الذين ينشرون اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي دون هذه الميزتين.
وقال إن نيابة الصحافة في بدايتها، ونحن نعمل في ظروفٍ بسيطةٍ وصعبةٍ، وكذلك البنية التحتية للنيابة. في بعض الأحيان تأتينا جرائم ارتُكبت في حساباتٍ معينةٍ لا نستطيع كشف هذه الحسابات، وكذلك إمكانياتنا مع شركات الاتصالات لإيقاف حسابٍ أو غيره لا نستطيع، ولكننا نعمل وفق الإمكانيات.
وتابع، إن مسألة معالجة القضايا الصحفية: نستلم الملفات ونفحص الطلبات، ونرى إن كانت هناك جريمةٌ، ومن ثم نستدعي الصحفي. ولما نستدعي الصحفي في بعض الجرائم التي تُسمى "جرائم الشكوى"، هذه مرهونةٌ برضا المشتكي؛ أي يستطيع أن يتناولها. أغلبها جرائم سبٍّ، ونُحيط الصحفي بما لدينا، ونقول له: "إنك تجاوزت في كذا وكذا، ما رأيك أن نستدعي المجني عليه؟ ولا داعي للمحاكم!" ونطلب منهم تصحيح الخطأ. والبعض يستجيب، والبعض يفكر أن الاعتذار أو التراجع يقلل من مكانته أو يُهزِّد ثقة المتابعين. طبعًا إذا رفض نتخذ إجراءاتنا ونرفع الدعوى للمحكمة، والمحكمة تفصل فيها.
وتحدث الحسني عن طبيعة العلاقة بين النيابة والنقابة: وأن علاقتنا علاقةٌ تربطها الاحترامُ والصالحُ العام. ونحن نشكر عيدروس باحشوان؛ لأنه في كثيرٍ من الأحيان تصل إلينا شكاوى عن بعض الإعلاميين المعروفين، فنحن نتحرى ونجأ إلى النقابة للتخاطب معها لإفادتنا عن وضع هذا الشخص: هل هو مقيد لديكم أو لا؟ والنقابة تستجيب معنا.
بدوره تحدَّثَ بالندوة الحقوقي والقانوني عبدالله أحمد باصهي مرحبًا بالحضور، وأن موضوع الجرائم الإلكترونية موضوع حيويٌّ، وهذا الموضوع إن دلَّ على شيءٍ إنما يدلُّ على أن النقابة تسعى لمواكبة الواقع والمستجدات بالنسبة للجانب القانوني. حتى الآن، تشير الجهود إلى أن النقابة تجتهد في مواكبة الواقع والمستجدات القانونية.
وقال الدكتور باصهي تجدر الإشارة إلى أن الأمور القانونية تسير بشكلٍ بطيءٍ، وطبعًا هناك عدة أسباب منعت أن يلحق قانون العقوبات بقانون الجرائم الإلكترونية، كما في مصر والأردن اللتين سبقتا واستطاعتا أن تُلحِقَا هذه القوانين وتواكبا التطور، بينما نواجه نحن تحدياتٍ بسبب التأخر التشريعي، وبسبب مجلس النواب الذي لا يتواجد أو حتى ليس لديه دراسةٌ لمقترح قانون الجرائم الإلكترونية. وهي جريمةٌ حديثةٌ تعبر الحدود، وتُرتَكَبُ في الفضاء الإلكتروني. والواقع يشهد كيف أن هناك جرائم كبيرة حدثت لبعض الدول، حيث كان من يقوم بها أفرادٌ في دولٍ أخرى، والسبب في ذلك هو طبيعة الفضاء الإلكتروني.
وقال : إن موضوعنا يحمل جانبًا قانونيًّا، فالقانون اليمني مُقَصِّرٌ في هذا المجال، وقد عملنا على مقترحاتٍ لإيجاد قانونٍ لهذه الجريمة. ولأوضحَ هذه الجريمة، سأورد لكم معلوماتٍ بسيطة: في عام 2011م، كان ثلاثة مليارات شخصٍ يتمتعون بحق الوصول إلى الإنترنت، أي أكثر من ثلث سكان الكرة الأرضية، وما نسبته 6% منهم من المستخدمين في الدول النامية، فيما أكثر من 54% من مستخدمي الإنترنت دون الخامسة والعشرين عامًا.
وأضاف إن الفضاء الإلكتروني، بقدر ما خلق فضاءً عامًّا للقاء والانتقال، فإنه كَوَّنَ أيضًا بيئةً لانتشار الجريمة سواءً ارتكبها أفرادٌ أو جماعاتٌ، وقد حدد نمطًا جديدًا من الجرائم يُطلق عليه "الجريمة الإلكترونية". والبعض يطلق عليها "الجريمة التكنولوجية"، أو "جرائم الإنترنت"، أو "الاحتيال الإلكتروني"، أو "الجرائم النظيفة"؛ لكونها جرائمَ لا تترك آثارًا ماديةً بعد وقوعها، باعتبارها تنتهك حقوقًا رقميًّا. وهذه الطبيعة الخاصة أوجدت تحدياتٍ أمام مستجدات الاستدلال والتحقيق والحكم، وتواجه مشاكل كثيرةً، خاصةً في الجانب القضائي، وهذا عائدٌ إلى غياب القانون، مما يستدعي سرعة استصدار قانونٍ بشكلٍ عاجلٍ لمواكبة هذا التطور. أما ما تقوم به نيابة الصحافة، فهي تنظر في جزئيةٍ معينةٍ من جرائم النشر، بينما هناك أنواعٌ عديدةٌ أخرى: كالسرقة، والنهب، والغش، والتدليس، وعليه يجب تأهيل القضاة والمحققين والنيابة العامة، ويجب تزويدهم بالمعلومات الكافية حول كيفية التعامل مع هذا الجانب.
وهذا يُشكِّلُ واقعًا جديدًا أمام سلطات التحقيق والقضاء، يتمثل في غياب التشريع المنظم للجريمة الإلكترونية، ومحاولة تطويع المعلومات الجديدة في كيفية التعامل معها. كما يجب أن يكون هناك نوعٌ من التأهيل لهذا الجانب، فضلًا عن عدم وجود سلطاتٍ متخصصةٍ، مشيرا إلى إنها جريمةٌ لا أثرَ لها ماديٌّ، ومسرحُ الجريمة معنويٌّ وليس ماديًّا، وكلها تتم عبر الفضاء الإلكتروني، بل قد يمتد أثرها من دولةٍ إلى أخرى، مما ينشئ صعوبةً أمام جهات الاختصاص في التحقيق، علاوةً على كون الدليل الإلكتروني سهلَ التغيير والعبث فيه. فهي مشكلةٌ تستحق الدراسة، وقد خلق الفضاء الإلكتروني فرصةً للمجرمين لارتكاب جرائم تحمل خصائصَ فريدةً من نوعها، كما خلق فرصًا جديدةً لهم مثل الاقتصاد الإلكتروني والعبث فيه.
ودعا الدكتور باصهي السلطات في مجلس القيادة الرئاسي إلى استصدار توجيهاتٍ تعمل على ضبط هذا الجانب، سواءً بإقرار مجلس النواب أو بتجاوزه.
وفي الندوة، تحدث الدكتور ياسر باعزب مُعَبِّرًا عن سعادته بالمشاركة في هذه الندوة التي يأمل من خلالها تعزيز دور الإعلام، الذي يُفترض أن يكون جزءًا من الحل لا جزءًا من المشكلة، خاصةً في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي. وانتقد باعزب دور الإعلام قائلًا: "للأسف لم يُسخَّر الإعلام لصالح المجتمع، واليوم تُشكِّل مواقع التواصل الاجتماعي – رغم منحها فرصةً لتداول المعلومات – جانبًا سلبيًّا يتمثل في الشتم والإساءة والتحريض، مع غياب أخلاقيات العمل الصحفي الهادف".
وتطرَّق إلى أبرز أخلاقيات العمل الصحفي، مثل الموضوعية والحيادية، مُشيرًا إلى أن بعض الوسائل تعتمد على أسلوب الإثارة وجذب الجمهور في برامجها التلفزيونية، دون تبني البرامج الهادفة. ونوَّه إلى أن أكبر أخلاقيات العمل الصحفي تتمثل في الموضوعية والحيادية، قائلًا: "دائمًا نقول إن الصحفي حين يكتب على جدران مواقع التواصل الاجتماعي، فإنه يرسم شخصيته أمام الناس؛ فما تعكسه كتاباته من أخلاقيات ينعكس تلقائيًّا على متابعيه وأصدقائه".
وأكَّد باعزب أن الصحفيين – كجزء من النخبة المثقفة – يجب أن يحرصوا على أخلاقيات العمل الصحفي والأخلاق العامة، مُذكِّرًا إياهم بأنهم "أدوات تنوير وتثقيف، وليسوا أدوات لتلميع الآخرين أو خلق المشاحنات المجتمعية".
وختم باعزب حديثه بالتطرق إلى أبرز سلبيات الصحفيين، مثل:
- الكذب والتلفيق.
- الانحياز وعدم الدقة.
- خلط الآراء وشخصنة القضايا (خاصة المجتمعية أو السياسية).
- التعدي على حقوق الآخرين.
- عدم الالتزام بالحياد في نقل القضايا.
واختتم قائلًا: "الصحفي الناجح لا يحتاج إلى قوانين أو رقابة حكومية، بقدر ما يحتاج إلى سلوكٍ قائمٍ على الرقابة الذاتية، والأخلاقيات المهنية، والحيادية، والنزاهة، والدقة، والشعور بالمسؤولية، والمساواة في حقوق المواطنين، والأمانة، والاستقامة، والابتعاد عن التمييز والتزييف، وتجنب الأخطاء اللغوية والإملائية، والالتزام بالمُثُل الأخلاقية، واحترام حقوق الآخرين، وعدم انتهاك حقوقهم الملكية والفكرية من خلال سرقة المنشورات والتقارير ونسبها إلى النفس".
في الندوة، تحدَّث جسار مكاوي، رئيسُ الدائرة القانونية بالمكتب التنفيذي لنقابة الصحفيين:
«أضع بين يدي القضاة والصحفيين والأكاديميين أننا ندرك جميعًا -حسب القانون والاتفاقات الدولية والعهود السيادية والسياسية- أن الصحافة حُرَّة، ويجب توفير الحماية للصحفيين من أجل الحدِّ من الانتهاكات التي قد تواجههم. ونحن نتحدث عن التدابير التي يجب أن تتخذها النيابة في إطار هذه الحماية، والتي ينبغي أن تُتَاح للصحفي لتجنب التعسف الذي قد يُواجهه. ندرك أن هناك قوانين ناقصةً في مضمونها وإجراءاتها، كما أشرتم، كون المشروع القانوني قديمٌ، مما يتحتم علينا اتخاذ إجراءات تُعزِّز حماية الصحفي».
وأَثْرَى الندوةَ مجموعةٌ من الحاضرين، الذين تحدَّثوا عن جملة من القضايا، أبرزها الثناءُ على دور النقابة ووقوفها إلى جانب الصحافة والصحفيين، ودورها في تنقية مستنقع مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك الردود على بعض استفسارات الحاضرين من الجهات القانونية والحقوقية والنقابة في تعاملها مع قضايا مهمة شهدتها العاصمة عدن مؤخرًا.
وخلصت الندوة إلى قراءة البيان الختامي والتوصيات عن ندوة قانونية "جرائم النشر الإلكتروني، المشكلات والمعالجات" جاء فيه، عُقدت في العاصمة عدن ندوة قانونية متخصصة بعنوان:
"جرائم النشر الإلكتروني: المشكلات والمعالجات"،
وذلك تزامنًا مع اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يُصادف 3 مايو من كل عام، وفي سياق الحاجة المجتمعية إلى تعزيز الثقافة القانونية الرقمية وضبط الممارسات الإعلامية على منصات النشر الإلكتروني.
ناقشت الندوة جملة من المحاور المتعلقة بجرائم النشر الإلكتروني، وسبل المواجهة القانونية، وأثر تلك الجرائم على الأمن المجتمعي والحريات الإعلامية، كما تناولت الإشكالات العملية التي تواجهها النيابات والقضاء في هذا النوع من القضايا.
وبعد استعراض أوراق العمل والنقاشات الغنية والمداخلات القانونية المتخصصة، خلصت الندوة إلى التوصيات الآتية:
1. دعوة السلطات القضائية والتشريعية إلى الإسراع في إصدار تشريعات حديثة خاصة بجرائم النشر الإلكتروني، تراعي خصوصية البيئة الرقمية وتحفظ التوازن بين حرية التعبير وحماية النظام العام.
2. إنشاء نيابات ومحاكم متخصصة بقضايا تقنية المعلومات والنشر الإلكتروني، وتدريب القضاة وأعضاء النيابة العامة على آليات التعامل مع الأدلة الرقمية وفقًا للمعايير الدولية.
3. صياغة مدونات سلوك إعلامية وقانونية تلزم العاملين في المجال الإعلامي بالمهنية والالتزام بالضوابط الأخلاقية في النشر، وتحد من ظواهر التشهير والتضليل والخطاب العنصري والكراهية.
4. تعزيز التعاون المؤسسي بين نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين والسلطة القضائية، لتأسيس قنوات مشتركة للتشاور، والتصدي للاعتداءات على الصحفيين، وضمان استقلال العمل الصحفي.
5. إطلاق برامج توعوية موجهة للإعلاميين والناشطين الرقميين والجمهور العام، لتعزيز الثقافة القانونية المرتبطة باستخدام وسائل التواصل والمنصات الرقمية.
6. التأكيد على عدم إحالة الصحفيين والإعلاميين إلى النيابات الجزائية العامة في قضايا النشر الصحفي والإعلامي، واعتبار الجهة المختصة قانونًا بالنظر في هذه القضايا هي نيابة الصحافة والمطبوعات والنشر الإلكتروني، احترامًا للطبيعة الخاصة للعمل الصحفي، وضمانًا للعدالة المهنية وعدم تسييس الممارسة الإعلامية.
7. التشديد على ضرورة احترام الرموز الوطنية والإنسانية، ورفض أي شكل من أشكال الإساءة أو الإهانة للشهداء والمناضلين والجرحى أو أسرهم، تحت أي ذريعة أو مبرر، باعتبار ذلك سلوكًا مرفوضًا قانونيًا وأخلاقيًا، ويشكل تعديًا على القيم المجتمعية العليا، ويجب أن يكون موضع مساءلة قانونية ومجتمعية واضحة.
8. دعوة المؤسسات التعليمية والإعلامية إلى إدراج مفاهيم النشر الإلكتروني المسؤول ضمن مناهجها وبرامجها، وتطوير بحوث أكاديمية في الجرائم الرقمية والتشريعات الإلكترونية.
9. التوصية بإنشاء مرصد جنوبي للنشر الإلكتروني يعمل على رصد التجاوزات، وتحليل اتجاهات المحتوى الرقمي، ورفع تقارير دورية للجهات القضائية والنقابية ذات الصلة.
ويؤكد المشاركون أن ضمان حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير في العصر الرقمي لا يتعارض مع تفعيل أدوات القانون، وأن الإعلام المسؤول يشكل صمام أمان لحماية القيم العامة وتعزيز التماسك الوطني، كما يشكل شريكًا رئيسيًا في بناء دولة القانون والمؤسسات.
عدن/ أعد التقرير- رعد الريمي
صادر بتاريخ 5/5/2025 عدن
نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين