تقرير: مريم بارحمة
الهوية الجنوبية ليست مجرد مصطلح يُتداول في الأوساط السياسية أو الثقافية، بل هي تجسيد عميق لانتماء شعب الجنوب بأكمله إلى أرضه وتاريخه وتراثه. إنها مزيج من اللغة والعادات والآداب والتقاليد والرموز التي شكلت وجدان المجتمع الجنوبي منذ قرون، وأصبحت اليوم محل صراع بين قوى تسعى لطمسها وأخرى تحرص على ترسيخها في ذاكرة ووعي الأجيال القادمة. في هذا السياق، يبرز المجلس الانتقالي الجنوبي كفاعل رئيسي في المعركة الثقافية للحفاظ على الهوية الجنوبية بكل أبعادها.
في خضم التحولات السياسية والعسكرية، ومع اشتداد المواجهة بين مشروع الدولة الجنوبية ومشاريع الهيمنة والاحتلال، تبرز "الهوية الجنوبية" كأحد أهم الأسلحة في يد أبناء الجنوب. إنها ليست مجرد تعبير عن الماضي، بل مشروع وطني جامع، يمثل الذاكرة الجمعية، والركيزة الأساس للحرية والاستقلال.
الهوية الجنوبية اليوم ليست بخطرٍ طبيعي، بل هدف رئيس لحرب ناعمة يقودها خصوم المشروع الجنوبي من الحوثيين والإخوان والشرعية المختطفة – مستخدمين أدواتهم الإعلامية والتعليمية والثقافية، لمحاولة إعادة دمج الجنوب في هوية يمنية مصطنعة تم بناؤها بعد الوحدة القسرية عام 1990.
ولكن... من يقود معركة الدفاع عن هذه الهوية؟ وكيف يتمسك بها الشعب رغم كل التحديات؟ وما دور المجلس الانتقالي الجنوبي في ترسيخها وحمايتها؟
-الجذور والمعاني للهوية الجنوبية :
الهوية الجنوبية ليست مصطلحًا فضفاضًا، بل تعبيرًا عن:تاريخ سياسي مستقل قبل 1990، حيث كانت دولة الجنوب (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) تمتلك سيادة وحدودًا معترف بها. ونضالات جنوبية ممتدة ضد الاحتلال منذ اجتياح 1994، وحتى إعلان المجلس الانتقالي في 2017. وإرادة سياسية وشعبية لاستعادة الدولة الجنوبية بهويتها وتاريخها ورموزها وعلمها الوطني.
-جذور حضارية :
جذور حضارية ممتدة عبر الزمن الهوية الجنوبية هي خلاصة لمجموعة من العناصر المتداخلة التي تميز مجتمع شعب الجنوب عن غيره من المجتمعات.
فهي تتكون من:اللغة واللهجة
حيث تحتفظ مناطق الجنوب بلهجاتها المحلية المميزة، كاللهجة العدنية والحضرمية واليافعية وغيرها. ثقافة وتقاليد ولهجة جنوبية متميزة عن الشمال.
التراث الشعبي:
من أغانٍ شعبية ورقصات تقليدية مثل العدة والبرع الحضرمي والشرح اللحجي.الزي التقليدي: الذي يعكس التميز الجنوبي في الشكل واللون والنقوش، كالزي الحضرمي والشبواني واليافعي واللحجي والسقطري.
المعتقدات والعادات الاجتماعية:
كطريقة الزواج، وأسلوب الضيافة، والعلاقات الأسرية الممتدة.
الرموز الوطنية الجنوبية:
مثل علم الجنوب وشعار الدولة الجنوبية السابقة.الهوية الجنوبية لا ترتبط فقط بماضٍ مجيد، بل تتجدد باستمرار في وعي الأجيال من خلال التقاليد الثقافية، والتعليم، والموسيقى، والشعر، وأسلوب الحياة.-الآثار الجنوبية والبناء المعماري ذاكرة الجنوب المحفورة في الحجر تُعد الآثار والمعمار الجنوبي من أبرز مظاهر الهوية الجنوبية، إذ تعكس تاريخًا عريقًا وشخصية حضارية فريدة، ومنها:
العاصمة عدن:
مدينة تاريخية ضاربة في القدم، من أبرز معالمها صهاريج الطويلة، قلعة صيرة، بوابة عدن، والمعمار العدني الذي يجمع بين الطابع الهندي والعربي.
محافظة حضرموت:
مدنها مثل شبام (مانهاتن الصحراء) وسيئون وتريم، تتميز بعمارة طينية شاهقة، ومساجد أثرية مثل مسجد المحضار.
محافظة شبوة:
مدينة عتق التي تجمع بين التاريخ والعصرنة، وآثار حضارة قتبان القديمة، وتتميز ببناء طيني، ومساجد آثرية.محافظة لحج: عُرفت كعاصمة فنية وثقافية، بقصورها التاريخية وحدائقها ومراكزها الموسيقية.محافظة الضالع ويافع: المعمار الحجري العريق والقلاع الأثرية التي تعكس صمود وتاريخ السكان.
محافظة أبين:
آثار زنجبار القديمة والمعالم العثمانية.المهرة وسقطرى: بطابعها البيئي والمعماري الفريد الذي يعكس التنوع الثقافي والبيئي للجنوب.هذه المعالم ليست فقط مواقع سياحية، بل تمثل شاهدًا حيًا على عمق الهوية الجنوبية، وعلى قدرة الإنسان الجنوبي على الإبداع والبناء.
-المجلس الانتقالي الجنوبي حامي الهوية وقائد المعركة الثقافية منذ تأسيسه في مايو 2017، تبنّى المجلس الانتقالي الجنوبي الهوية الجنوبية كأحد أهم الثوابت الوطنية، واعتبرها خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه، ولعب دورًا محوريًا في استعادة الهوية الجنوبية من محاولات الطمس والتشويه التي تعرضت لها خلال سنوات الاحتلال اليمني. وقد تجلى دوره في حماية الهوية الجنوبية عبر عدة محاور:
-السياسة الوطنية لتعزيز الهوية
وضع المجلس الهوية الجنوبية في قلب مشروعه السياسي، مؤكدًا في جميع بياناته وخطاباته أنها غير قابلة للتفريط أو التفاوض.تعزيز فكرة الجنوب الفيدرالي المستقل ضمن رؤية تحافظ على التنوع داخل الجنوب دون المساس بالهوية العامة.-دعم التعليم الوطني الجنوبيتبنّى مشاريع لإعادة صياغة المناهج بما يعكس تاريخ الجنوب الحقيقي، ورموزه النضالية، وخصوصيته الثقافية.
ودعا إلى إدراج محتوى يعزز الهوية الجنوبية في المناهج الدراسية، وتوثيق تاريخ الجنوب الحديث والمعاصر. ودعم المعلمين والنقابات التعليمية التي ترفض فرض مناهج الاحتلال اليمني المضللة.
-تعزيز الإعلام الجنوبي :
أنشأ المجلس العديد من الوسائل الإعلامية الجنوبية منها قناة عدن المستقلة، وإذاعات، ومواقع إلكترونية، وصفحات تواصل اجتماعي؛ لنشر الوعي وتعزيز الهوية الجنوبية. ومواجهة الإعلام اليمني المعادي الذي يروّج لمفاهيم تذويب الجنوب ضمن هوية يمنية مزيفة. ودعم الصحفيين والمثقفين والمؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي للدفاع عن الهوية وكشف حملات التشويه.
-المناسبات الوطنية والرمزية :
إحياء المناسبات الجنوبية مثل ذكرى إعلان فك الارتباط، وذكرى تأسيس الجيش الجنوبي، ويوم الاستقلال 30 نوفمبر. ورفع العلم الجنوبي في كافة المناسبات والميادين الرسمية، وإعادة إحياء الرموز الوطنية كتثبيت علم الجنوب في المؤسسات، وترديد النشيد الجنوبي في الفعاليات العامة. واعتباره رمزًا مقدسًا. تكريم الرموز الجنوبية وإحياء سير الشهداء والأبطال، وربط الأجيال الجديدة بهم.
-التمكين المجتمعي والثقافي :
دعم المجلس الانتقالي الفعاليات الثقافية والمهرجانات التي تعزز التراث الجنوبي، ومعارض الفنون والتراث، والأمسيات الشعرية التي تحتفي بالموروث الجنوبي.دعم المبادرات الشبابية والنسوية في مختلف محافظات الجنوب لنشر الهوية وتعزيز قيم الانتماء. وعمل على إنشاء مراكز بحثية وتوثيقية تعنى بالتراث والتاريخ الجنوبي، ومنها "مركز دعم صناعة القرار" التابع للأمانة العامة للمجلس.ـتضمين الهوية الجنوبية في الخطاب السياسي من خلال تأكيد القيادة الجنوبية، وعلى رأسها الرئيس القائد عيدروس بن الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، في كافة المحافل الداخلية والخارجية على أن استعادة الدولة الجنوبية هو استعادة للهوية والانتماء.
-التحديات التي تواجه الهوية الجنوبية
الهجمة الإعلامية المنظمة وسائل إعلام تابعة للحوثيين والإخوان تشن حملات ممنهجة للطعن في الهوية الجنوبية، ووصمها بالانفصالية، أو الزعم أنها صناعة مؤقتة، ومحاولة تصوير الجنوب كمنطقة بلا ماضٍ أو هوية. وكذلك استغلال وسائل التواصل الاجتماعي لبث شائعات، وتأجيج الفتن المناطقية داخل الجنوب.
التزييف التاريخي:
بإلغاء أو تشويه تاريخ دولة الجنوب السابقة. والاختراق الثقافي من خلال فرض أنماط ثقافية دخيلة على المجتمع الجنوبي. وتهميش دور الثقافة في مرحلة ما بعد الوحدة حيث تعرضت المراكز الثقافية والمعالم الجنوبية للإهمال والطمس.-فرض المناهج التعليمية المركزية استمرار فرض مناهج تروج لوحدة مشئومة انتهت فعليًا، وتطمس نضالات الجنوب وتاريخه. كذلك تهميش الرموز الوطنية الجنوبية وتقديم رموز الاحتلال كمحررين أو قادة وطنيين.
-محاولات تزييف التاريخ :
تزوير الوثائق التاريخية ومحاولة خلق سردية جديدة توهم الأجيال القادمة أن الجنوب لم يكن يومًا دولة مستقلة. وتجنيد أكاديميين وكتاب مأجورين لنشر مقالات تحرف الوعي الجمعي الجنوبي.
-الاختراق الثقافي والفكري :
تسويق الفنون والمسلسلات التي تسخر من اللهجة الجنوبية أو تروج لثقافة دخيلة. واستهداف الرموز الثقافية والفكرية الجنوبية وإقصاؤهم من المشهد العام.
-التمسك الشعبي بالهوية الجنوبية ظاهرة تستحق التأمل رغم حجم الحملات والتحديات، إلا أن الشعب الجنوبي أثبت في كل محطة أنه متمسك بهويته الوطنية ، وأن الهوية ليست شعارًا سياسيًا فقط، بل هي نمط حياة وقناعة راسخة.
يتجلى ذلك في:
إحياء المناسبات الجنوبية في كل محافظات ومناطق الجنوب. فمئات الآلاف يشاركون في كل مناسبة جنوبية، يهتفون ويُحيون الأناشيد الوطنية الجنوبية. وتنامي استخدام الأزياء الشعبية الجنوبية والاحتفاء بالتراث في الأعراس والفعاليات. تصميم ملصقات فنية وأناشيد شعبية تعزز الوعي بالهوية الجنوبية وتوثق المسيرة النضالية. وتوارث الأجيال الجديدة الذاكرة الجنوبية من آبائهم وأمهاتهم، رغم محاولات التشويه، وصعود جيل جديد من الشباب يعتز بالهوية الجنوبية، ويستخدمها كأداة مقاومة ناعمة. وازدياد النشاطات الثقافية والفنية الجنوبية في مختلف محافظات الجنوب.
-معركة الوعي والهوية من يقودها اليوم ؟
أصبحت المعركة الثقافية في الجنوب ساحة أساسية لا تقل أهمية عن الجبهة العسكرية. ويقود هذه المعركة: المجلس الانتقالي الجنوبي كمرجعية سياسية وثقافية. والكوادر الإعلامية والأكاديمية الجنوبية. والشباب الجنوبي عبر الإنترنت ومنصات التأثير. والمرأة الجنوبية التي تنقل الهوية عبر الأسرة والمدرسة والجامعة ومنصات التواصل الاجتماعي. كما أن الجاليات الجنوبية في الخارج تعلب دور محوري في تعزيز الانتماء لدى أبنائها وتدافع عن الجنوب وهويته في المحافل الدولية.
-رؤية مستقبلية لتعزيز الهوية الجنوبية :
من أجل ترسيخ الهوية الجنوبية، هناك حاجة إلى:
-إقرار مشروع وطني شامل للهوية الجنوبية يتبناه المجلس الانتقالي كمكون سياسي وتمثيلي.
-إنشاء مركز وطني للهوية الجنوبية يعنى بالبحوث والتأريخ والتوثيق.
-إدماج الهوية الجنوبية في المناهج التعليمية بكل مراحلها.
-إطلاق قناة فضائية جنوبية دولية تخاطب الداخل والخارج بلغة الجنوب وتروج لتاريخه وثقافته.
- تشجيع الأدباء والكتاب والفنانين الجنوبيين على إنتاج أعمال تبرز الهوية وتدافع عنها.الهوية الجنوبية ليست مجرد قضية ثقافية، بل ساحة صراع حقيقي تحدد مصير أمة بأكملها. وفي هذه الساحة، لا يقف المجلس الانتقالي الجنوبي كمراقب، بل كقائد مؤسسي لهذه المعركة، محاطًا بشعب الجنوب المتمسك بانتمائه، ومستعد لبذل الغالي والنفيس دفاعًا عن هويته وتاريخه ومصيره.وإذا كانت المعارك العسكرية تُكسب بالرصاص، فإن معركة الهوية الجنوبية تُكسب بالوعي، والثبات، والتمسك الشعبي. الجنوب هويته وطن ولن يفرّط فيها مهما اشتدت المعارك.