كتب / عبدالحكيم الدهشلي
يفصلنا ايام معدودة فقط عن إتمام العام العاشر من الحرب اليمنية الدائرة ،والتي تخللها الكثير من المواقف والغموض والتناقضات منذ بدايتها ،وسبق أن نشرت العديد من المنشورات المتصلة بصلب هذا الموضوع.
اليوم وبعد أن اقتربنا من إتمام العام العاشر من الحرب أردت أن أذكر الكل للعودة بالذاكرة إلى الأيام الأولى للحرب،لغرض التقييم لمجرياتها
والاستنتاج السليم لاهدافها ومآلاتها ،لاسيما بعد أن وصلت الأوضاع في محافظات الجنوب المحرر إلى أسوأ حالاتها وعلى مختلف الأصعدة والمستويات،والتي لم تصل إلى هذه المستويات قط في تاريخ شعب الجنوب.
وكما يعلم الجميع بأن الحروب وعلى مدى التاريخ القديم والحديث لن تستمر إلى ما له نهاية مهما طال أمدها ،لابد لها أن تصل إلى مرحلة تضع فيها اوزارها، كما نعلم في الوقت ذاته بأن الحروب التي لم يتمكن إحدى طرفيها بحسمها عسكرياً لصالحه خلال سته اشهر ،تتحول إلى حرب سجال ولن يكن هناك طرف منتصر عسكرياً،بل يتم حسمها بحل سياسي ،وهذه الحرب ليست باستثناء ،لابد لها أن تصل إلى نهاية ،وبالحل السياسي ،وليس غيره لاسيما بعد أن تجاوزت مراحل الحسم العسكري بكثير ،بالرغم أن شعب الجنوب ومقاومته البطلة استطاعوا تحقيق الانتصارات ودحر الغزاة المحتلين الجدد خلال مائة وعشرون يوماً تقريباً ،لكن كما يعلم الجميع حصل هناك الكثير من الخلط والتغيير في المواقف والتفريط من جهة ،والتداخل والتناقض من جهة أخرى، سواء كان مما يسمى بالشرعية اليمنية ،او من دول الرباعية المعنية أو الممسكة بالملف اليمني، وهو ما أعاد الحياة للطرف الآخر الذي سمي بالانقلابي في بداية الحرب.
ومن هذه الحقائق التي ينبغي اخذها كمستمسكات وحجج قانونية ضد الأطراف الأخرى :-
-الالتفاف على الواقع الذي فرضته الحرب منذ بدايتها وهو واقع الدولتين شمال وجنوب ،وهذا ما أكدته مجريات الحرب ومنذ بدايتها بأنها حرب شمالية جنوبية ،وبرهنته مواقف الشماليين الذين تركوا قوات الحوثيين المتجهة إلى الجنوب تمر مرور الكرام في أغلب محافظاتهم دون أي مواجهة تذكر ،في الوقت الذي هم يمتلكون عشرات الوحدات العسكرية والأمنية في كل محافظة إضافة إلى تسليح القبائل الذي لا يقل عن تسليح الوحدات العسكرية،كما أن هناك براهين أخرى أكدتها جميع مراحل الحرب .
-إبقاء أهم المواقع الاستراتيجية من الناحية العسكرية بدون تحرير في الوقت الذي كان بإمكان المقاومة الجنوبية المسنودة بطيران التحالف العربي تحريرها آنذاك خلال ايام فقط.
- الاحتفاظ بالقوات العسكرية النظامية المرابطة في محافظتي حضرموت والمهرة ، وكذا القوات المتمركزة في تعز في الوقت الذي فيه الجبهات خالية من القوات النظامية.
- عملية التخادم بين الشرعية والحوثيين والتي كللت بتسليم الجبهات التي تتمركز فيها قوات الشرعية للحوثيين ،وعلاوة على ذلك تسليمها المديريات التي حررتها المقاومة الجنوبية منها مديريات بيحان الثلاث .
- التخلي عن القبائل آلتي واجهت الحوثيون مثل قبائل حجور وغيرها .
- سحب القوات من جبهات التماس مع الحوثي وفتح جبهات قتال مع القوات الجنوبية، التي صنعت النصر الوحيد في هذه الحرب ،وهذا ما حصل في شبوة ،وابين .
- فرض اتفاق ستوكهولم الذي أنقذ الحوثيون وقواتهم من هزيمة مؤكدة بعد أن كانت مدينة الحديدة وميناؤها على وشك السقوط بايدي المقاومة الجنوبية،حيث نص الاتفاق على سحب القوات الجنوبية،تحت مبرر دواعي إنسانية ،وهو ما حرر أكثر من نصف قوات الحوثيين التي كانت مرابطة في تلك الجبهة بحكم امتدادها الكبير وأهميتها .
- عدم تقييم مراحل الحرب منذ بدايتها ،والذي من خلاله يتم معرفة مكامن الضعف والقوة ،واتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة لتصحيح الإختلالات ،واجراء التغييرات وغيرها.
- ربط قيادة الجنوب وقواته المسلحة باتفاقيات وبعملية التداخل والشراكة مع الشرعية ،التي لم تخدم الجنوب وشعبه فحسب بل أتت لخدمة الطرف الآخر (الشرعية)وإعادتها إلى الواجهة بعد أن كانت على وشك الانهيار والسقوط .
- استغلال الشرعية لعملية التداخل والشراكة مع الانتقالي الجنوبي،لاستكمال مخططها الهادف إلى تدمير الجنوب وانهاك شعبه وتمزيق نسيجه الاجتماعي ، حتى يظل وضعه هش وسهل الميراس والاتقضاض عليه بعد أن تضع الحرب أوزارها ،وذلك من خلال فرضها الحرب الشاملة والممنهجة والمفتوحة عليه ،واغراق مدنه بالمواطنين الشماليين تحت مسمى النزوح.
كل هذه الحقائق وغيرها اجزم بأنها كانت ممنهجة لإضعاف الجنوب وشعبه وقواته العسكرية ،من خلال استمرار الأوضاع في حالتي حرب واللا حرب حتى تحقق تلك الأطراف أهدافها أو الجزء منها، وفي الوقت ذاته تعتبرها تلك الأطراف وتجار الحروب فرص للتكسب ،وتكوين المليارات على حساب دماء ومعاناة الشعبين الشمالي والجنوبي على حد سواء ،ولم يعد هناك عدو أو انقلابي أو خطر للمد الصفوي والشيعي ، بل أفصحت المراحل عن الكثير من الأهداف التي كان يجهلها الكثير من عامة شعب الجنوب، وبعد أن تبينت كل هذه الحقائق التي كان ينبغي على القيادة الجنوبية ترجمتها مبكراً ،ووضع لها الخطط والاحترازات اللازمة لمواجهتها وافشالها في حينها ،صار عليها اليوم وبشكل حتمي لا يقبل التأويل أو التأجيل من القيام بواجباتها الوطنية تجاه وطنها وشعبها ،وإجراء تغييرات شاملة تمكنها من ترتيب وضع شعبها الداخلي ،وإعادة القرار السيادي،و سيطرتها التامة على الأرض وإدارتها،واللذان يمكنانها من وضع نفسها ووطنها في المكان الذي يستحقانهما ،اي وفق معادلة الحرب القائمة ،وما افرزته جميع مراحلها .
وارى بأن المجال لازال أمامها اي (قيادة الانتقالي الجنوبي)لعمل ذلك .
والله ولي التوفيق والهداية والصلاح.
الجمعة 7 مارس 2025 م