مدريد - لم يعد خافيا أن جماعات الضغط تسيطر على القمم العالمية الكبرى أكثر من المندوبين الرسميين. وهي تشارك بصفتها من “الضيوف”، ولكن أغلبيتها تخدم شركات تجارية كبرى. ويكمن هدفها في عرقلة تبني سياسات تتعارض مع مصالح من يوظفها.
وتساهم جهود جماعات الضغط في تخفيف الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات حاسمة وخفض أرباح الأعمال التجارية الخاصة الكبيرة، وتقليل المستحقات المالية الموعودة للدول الفقيرة من القوى الصناعية التي تتحمل العبء الأكبر من سياساتها، وغير ذلك.
وتتغلغل جماعات الضغط بطرق مختلفة حتى تحقق أهدافها. وقالت منظمة الشفافية الدولية بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد 2024 “إن الوقت قد حان لمعالجة عالم مفاوضات المناخ الغامض.”
وأضافت أن “حشد مليارات الدولارات يتواصل سنويا لتمويل المبادرات التي تحد من الانبعاثات، وتمويل التكيف مع المناخ، وحماية مناطق الحماية الحيوية ولكن عدم اتخاذ تدابير قوية لمكافحة الفساد يجعل هذه الموارد الأساسية مهددة بالتسرب، وبذلك تصبح الفجوة المالية الحالية معرضة لخطر البقاء مفتوحة.” وأكدت أن “بإمكاننا فعلا أن نرى دليلا على حدوث ذلك.”
وذكرت أن التوتر بين خفض الانبعاثات وتوفير العوائد المالية في تجارة انبعاثات الكربون يتسبب في الاستيلاء على الأراضي وانتشار الرشوة وحساب المشاريع مرتين والإبقاء على أسعار أرصدة الكربون سرية.
واعتبرت أن الموافقة لم تكن سليمة على أكثر من 90 في المئة من أرصدة الكربون خلال 2024.
وتتراوح تقديرات إجمالي الثروة العالمية المجهولة وغير المشروعة من 7 تريليونات دولار إلى 32 تريليون دولار (حوالي 10 في المئة من إجمالي الثروة العالمية).
ويشكل هذا المبلغ أكثر من 100 ضعف الـ300 مليار دولار التي وعد بها المسببون الرئيسيون للدمار المناخي في العالم كـ”تعويض” للبلدان الفقيرة الأكثر تضررا.
ووافقت الدول الغنية على تعبئة 300 مليار دولار سنويا لمساعدة دول الجنوب العالمي على التعامل مع درجات الحرارة المرتفعة والتحول إلى الطاقة المتجددة ضمن اتفاقية تمويل المناخ كوب 29 في قمة المناخ في باكو خلال نوفمبر 2024.
ورد نافكوت دابي، رئيس سياسة تغير المناخ في منظمة أوكسفام الدولية، بأن “الحكم الشنيع الصادر عن محادثات المناخ في باكو يعتبر في النهاية جنوب الكرة الأرضية قابلا للاستهلاك، مثل البيدق على رقعة الشطرنج، وتبقى ‘الصفقة’ التي تبلغ قيمتها 300 مليار دولار والمفروضة على البلدان الفقيرة غير جادة وخطيرة، وهي انتصار بلا روح للأغنياء، وكارثة حقيقية لكوكبنا ومجتمعاتنا التي تتعرض للغرق والتجويع والنزوح اليوم بسبب تغير المناخ. فماذا عن الوعود بالتمويل المستقبلي؟ إنها جوفاء مثل الصفقة نفسها.”
وأضاف أن الأموال المطروحة على الطاولة تعدّ زهيدة مقارنة بما هو مطلوب. وأكد أنها “ليست حتى ‘أموالا’ حقيقية بل هي مزيج متنوع من القروض والاستثمار المخصخص. إنها مخطط هرمي عالمي سيستغله نسور الأسهم الخاصة وأفراد العلاقات العامة.”
وكتبت منظمة الشفافية الدولية في ديسمبر 2024 “تصوّر مليارات الدولارات الممتصة من الأموال العامة. تختفي الأموال المخصصة لبناء المدارس والمستشفيات والبنية التحتية في شبكة من الحسابات الخارجية والعقارات الفاخرة والشركات الوهمية (…) هذا ليس خيالا. إنها حقيقة استنزاف الفساد للموارد من أفريقيا ومناطق أخرى، بما يترك الشعوب تتحمل الكلفة”.”
ويعتمد تحليل المنظمة على حالات الفساد التي أكدتها قرارات المحاكم، إضافة إلى اتهامات موثوقة بالفساد وتهريب الثروة إلى الخارج.
وخلصت منظمة الشفافية الدولية إلى وجود شبكة كبيرة من الشركات والعقارات والحسابات المصرفية والسلع الفاخرة.
وحوالي 80 في المئة من الأصول موجودة في الخارج، وغالبا ما تكون بعيدة عن المكان الذي غُرس فيه الفساد في الأصل، حيث اعتُمدت الشركات والصناديق الائتمانية في 85 في المئة من الحالات لإخفاء ملكية الأصول. وتُستغل هياكل الشركات المعقدة العابرة للحدود أو العديد من الشركات الوهمية لإبعاد الأفراد الفاسدين (وأموالهم القذرة) عن الأصول المعنية.
وتعتبر العقارات الأداة المفضلة لغسيل الأموال. فبينما تعد الشركات الأداة المفضلة لإخفاء الهوية، تصنف العقارات من بين أفضل الخيارات لغسل الأموال المسروقة.
وكانت فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة المواقع المفضلة لشراء العقارات المرتبطة بأنشطة مشبوهة.
منظمة الشفافية الدولية أدرجت جزر العذراء البريطانية وفرنسا وهونغ كونغ وبنما وسيشيل وسنغافورة وسويسرا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وجهات رئيسية للأموال القذرة
وبرزت هونغ كونغ وسويسرا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة بصفتها وجهات رئيسية للحسابات المصرفية المستخدمة لدفع الرشاوى أو نقل الأموال القذرة أو تخزينها.
وتبدو الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي جذابة بشكل خاص، حيث تتيح الجنسية أو الإقامة في بلد واحد الوصول إلى كامل الاتحاد الأوروبي.
وقد مُنحت نسبة عالية من التأشيرات الذهبية مقابل أموال مصدرها “مافيا” الاتجار بالمخدرات والمواد السامة، وكذلك من الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين.
وأدرجت منظمة الشفافية الدولية جزر العذراء البريطانية وفرنسا وهونغ كونغ وبنما وسيشيل وسنغافورة وسويسرا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وجهات رئيسية للأموال القذرة.
وتحذر منظمة الشفافية الدولية، وهي الحركة الدولية التي تعمل على تسريع التقدم العالمي في التصدي للتدفقات المالية غير المشروعة والممارسات التعسفية التي تديم أوجه عدم المساواة الاقتصادية وتقوض التنمية المستدامة، من “عدم المساواة، وهو عائق رئيسي أمام التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. وينطبق هذا خاصة على حالة أفريقيا، حيث فاقمت جائحة كورونا التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية.”
وتضم أفريقيا الغنية بالموارد 10 دول من بين 20 دولة في العالم تنعدم فيها المساواة حتى بعد عقدين من النمو الاقتصادي المرتفع.
ويتزايد الفقر المدقع، “بينما يمتلك ثلاثة مليارديرات أفارقة ثروة أكثر من أفقر 50 في المئة من مجمل سكان القارة.”
ويعتبر البنك الدولي الفساد تحديا رئيسيا لهدفي القضاء على الفقر المدقع بحلول سنة 2030 وتعزيز الرخاء المشترك لأفقر 40 في المئة من السكان في البلدان النامية.
وذكر أن “للفساد تأثيرا غير متناسب على الفقراء والفئات الأكثر ضعفا. ويزيد هذا التكاليف ويقلل الوصول إلى الخدمات، بما يشمل الصحة والتعليم والعدالة.”
كما أكد أن الفساد في شراء الأدوية والمعدات الطبية يرفع التكاليف ويمكن أن يؤدي إلى سلع دون المستوى المطلوب أو حتى ضارة.
ويتواصل كفاح المجتمع العالمي ضد تغير المناخ، وتبقى مكافحة الفساد مهمة لضمان وصول الموارد إلى من يبقون في أمس الحاجة إليها ولوفاء اتفاقية تمويل المناخ بوعدها بالعدالة والإنصاف