حشود غفيرة شهدها اكبر الملاعب الرياضية في نهائي دوري عدن الكروي بين فريق الشعلة وفريق الوحدة ( على الارجح حيث انني لم اشاهد المباراة ) وقد وجدت الأطراف المؤيدة للسلطة القائمة في عدن في هذه الأجواء الجميلة مؤشرا على تطبيع الحياة وتعافي عدن وانتعاشها بعد سنوات من الفوضى والركود رغم عدم وجود مايدعم هذه النظرة خاصة أن السياقات الحالية لا تجعل كرة القدم والنشاط الرياضي في طليعة اهتمامات الناس .
الحقيقة أن مثار الدهشة نابع من حضور هذا الكم الكبير من الجمهور رغم الأوضاع الاقتصادية السيئة والتردي الكبير في الخدمات الأساسية والانفلات الأمني وحالة الكٱبة والإحباط واليأس التي يعيشها الشباب
قد يتم تفسير هذا التناقض بأن " الانتماء البديل " فرض حضوره الطاغي على شرائح واسعة من المجتمع في ظل ضمور الانتماء لفكرة الوطن فالإنتماء احتياج انساني اصيل من خلال الشعور بالانتماء الى فكرة ما تجعل الإنسان جزء من جماعة يحتمي بها ويقدم لها الولاء ويهتف بشعاراتها وهنا توفر كرة القدم هذا الاحتياج النفسي الهام
بالإضافة إلى قيمة جوهرية أخرى توفرها كرة القدم ويفتقر إليها الشاب في حياته وهي العدالة وسريان القانون على الجميع داخل أرضية الملعب ووجود فرص متساوية للنجاح أمام الفرق المتنافسة وبالتالي حين تنسد قنوات الانتماء الوطني الطبيعي يلجأ الناس إلى انتماءات أخرى بديلة خاصة حين تحيط بحياتهم كل مبررات الإحباط واليأس الناتج عن البطالة والفقر والأزمات المتلاحقة سواء على الصعيد المادي أو النفسي
في رواية " زيارة إلى قبور الموتى " للعظيم ثيودور دستوفسكي يقدم صورة مليئة بالبؤس والتعاسة لمجموعة من السجناء في سيبيريا سمعوا أن إدارة السجن ستشتري مجموعة من الأحصنة وهنا بدأ كل فريق من السجناء يشجع نوع من الأحصنة ويتحمس لرأيه بل ومستعد للقتال من أجل أن ينجح رهانه رغم أنهم يعيشون في وضع مأساوي من السجن والعزلة والكبت وانعدام الحرية لكن رغبة الانتماء إلى هدف معين بقيت تتفاقم في دواخلهم وتشتعل لتصنع مسارهم في الحياة
يمكن الاستفادة من كرة القدم والرياضة عموما من أجل تماسك المجتمع وصياغة هويته وهي عامل مهم في تعزيز الهوية وتكريس روح الجماعة والتوحد والاصطفاف ضمن شروط أخرى متعددة ينبغي الاهتمام بها وتجذيرها في الوعي العام