(أصبحنا وأصبح الملك لله) هذا ما قاله العم رضوان عندما استيقظ من النوم، فهذا دعاؤه المعتاد في بزوغ كل فجر جديد، فلديه ٦من الأبناء يرعاهم وليس وراءه سبيل لمكسب العيش غير اصطياد الأسماك ومن ثم الذهاب وبيعهم في سوق السمك، وهذه هي مهنة العم رضوان الوحيدة يكافح ويواجه كل عقبات الحياه من أجل إطعام أسرته وتوفير كل احتياجاتهم.
ولكن العقبة الوحيدة التي تواجه العم رضوان هو ولده الأكبر "جهاد" الذي لم يكمل تعليمه وأصبح عالة عليه، فكل الحي يشكو من سوء أخلاقه وبجاحته ومن تجميع أصدقائه أصدقاء السوء إلى وقت متأخر من الليل في الحي وإزعاج أهل الحي بالأصوات العالية وبروائح الدخان والسجائر والعبث بأوراق وأكياس القات وعدم التنظيف بعدهم، ورغم هذا كله لا يكتفي جهاد بهذا الشيء بل يجبر ويرغم والده على إعطائه مصاريفه اليومية مهدداً له إن لم يعطه سيترك المنزل وسينضم إلى الجماعات الإرهابية! ومن حب أبيه له، كونه ولده الأكبر، يخضع مرغما لكل أوامر ولده.
وفي يوم من الأيام شعر الأب بوعكة صحية ولم يذهب لاصطياد الأسماك كعادته، فطلب من جهاد أن يذهب بدلا عنه ويأخذ الزورق ويصطاد الأسماك ومن ثم يبيعهم من أجل توفير مصاريف المنزل كون إخوان جهاد لم يبلغوا العمر الذي يسمح لهم للعمل والاصطياد في البحار.
خضع جهاد لأمر والده ففرح الأب كون جهاد بدأ يتغير وسيساعده في العمل في حال حدث معه أمر ما.
ذهب جهاد ضاحكاً ضحكة مكر بأنه خدع والده وسيذهب بالزورق في نزهة هو وأصدقائه ولم يفعل ما أمره به والده.
أخذوا الدخان والسجائر كي ينبسطوا في رحلتهم وأصدقائه مشجعين له وضاحكين بأن الخطوة التي خطاها بالضحك على والده خطوة يجب أن يقدس عليها وأن لا أحد يخطو تلك الخطوة إلا إذا كان شجاعا ويحمل كل معاني الرجولة!
أحس بالانبساط أكثر وأكثر من ما سمعه من أصدقائه، وبينما كانوا في طريقهم في منتصف البحار بدأت السماء تغيم وبدأت السحاب تظهر، لم يبالوا بتلك العلامات وواصلوا طريقهم.
وفي منزل جهاد اشتد مرض الأب وكان يوصي أبناءه أن لا يتركوا تعليهم، فالعلم نور، وأن يتمسكوا بتعاليم دينهم ويتبعوا ما أمرهم به الله ورسوله ويجتنبوا ما نهاهم عنه.
نزلت الأمطار واشتد نزل الغيث فلم يقدر جهاد وأصدقاؤه لا أن يواصلوا طريقهم ولا أن يعودوا!
ما هذا؟ ما هذا؟ ما هذا؟
أنه إعصار، إعصار بدأ يتلاعب بالزورق ويحملهم يمينا ويسارا حتى قلب بهم.
وهاهم يصارعون الموت، لم يستطع أن ينجو من الغرق غير شخص واحد من وكان والده قد أتقن تدريبه للسباحة وهو جهاد.
عاد جهاد منكوس الرأس ليس لديه وجه يقابل أباه به، ودموعه تتسلل على خديه حزينا على غرق أصدقائه الذي كان السبب في وفاتهم كونه هو من أخذهم للنزهة معه.
وعندما وصل لجوار منزله وكأنه يهيأ له عويل وصراخ، وعندما دخل المنزل كانت هناك الطامة الكبرى!
كانت قد وافت أباه المنية، وكان إخوته الصغار يبكون حزنا على فراق والدهم ويبكون جوعا وهم ينتظرون جهاد كي يدخل عليهم بما يسدون جوعهم به.
ومن هنا شعر جهاد بالأسف والندم واحتضن إخوته وتغير تغيراً جذريًا وكان لهم الأب والأخ والصديق ولم يعد لسابق عهده أبداً.