الناقد برس / تقرير خاص لـ"الأمناء" يستعرض الدلالات السياسية والأسباب التي أنهت ما تسمى بـ"الوحدة اليمنية"
تاريخ النشر: السبت 25 مايو 2024
- الساعة:22:59:09 - الناقد برس/الأمناء / تقرير / سالم لعور
- كيف عملت قوى التطرف الشمالية بإصدار الفتاوى التكفيرية لاستباحة دماء أبناء الجنوب؟
- ما أبرز المجازر التي ارتكبها نظام صنعاء المحتل بحق أبناء الجنوب ؟
- كيف جاء إعلان الجنوب فك الارتباط بعد أربع سنوات من قيامها ؟
- كيف أصبح المجلس الانتقالي كيانا سياسياً جامعا لأبناء الجنوب ؟
- لماذا اختفت احتفالات عيد الوحدة المشؤومة ٢٢ مايو في الشمال والجنوب ؟
- هكذا ماتت الوحدة !!
يعد يوم ال 22 مايو 1990م يوماً مشؤوما في حياة اليمنيين شمالاً وجنوبي بعد أن تم إعلان وحدة اندماجية وبشكل مفاجئ بين الجنوب والشمال ، وأُعلن رئيس الجمهورية العربية اليمنية علي عبد الله صالح رئيساً ورئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الجنوبي علي سالم البيض نائباً للرئيس في دولة الوحدة .
وحدة اندماجية مشؤومة :
الوحدة التي أعلن عنها بين دولتي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية لم تستند على الأسس والمنطلقات العلمية , وبالتالي استحال ان تكون وحدة قابلة للاستمرار، فمنذ توقيع القيادتين السياسيتين في البلدين في 30 من شهر نوفمبر 1989 على اتفاقية الوحدة ، مرورا بإعلانها في ٢٢ مايو 1990 وحتى قيام حرب صيف عام 1994 التي شنها نظام علي عبدالله صالح على الجنوب ، وتم اجتياح الجنوب خلالها بالقوة العسكرية . . هذه الحرب قضت على المشروع الوحدوي في مهده صيف 1994م، وتعتبر اللحظة الأولى لموت الوحدة التي شيعت في تابوت أبدي إلى مزبلة التاريخ بعد أن ارتكب نظام صنعاء بعد اجتياحه للجنوب بالقوة العسكرية وبمشاركة من القوى الظلامية والكهنوتية والدينية المتطرفة في الشمال اليمني ، أخطاء فادحة بحق الشركاء الجنوبيين الذين وجدوا أنفسهم هدفاً للاغتيالات السياسية التي طالت قيادات الجنوب السياسية والعسكرية والأمنية ، وثم نشطاء الجنوب الذين تعرضوا من قبل نظام صنعاء للإقصاء والتهميش وتسريحهم قسريا من وظائفهم العسكرية والأمنية والمدنية ، وتحويلهم إلى التقاعد الإجباري ، وممارسة شتى أنواع القتل والمضايقات والملاحقات والزج بهم في زنازين السجون .
نهب ثروات الجنوب :
ولم يقف الظلم والقهر والاستبداد الذي تعرض له الجنوبيون عند هذا الحد ، بل أمتد لتنهب عصابات حرب صيف عام 1994 الشمالية ثروات ومقدرات الجنوب من النفط والغاز وكل الإيرادات من الموارد المعدنية والسمكية والسياحية وغيرها من المؤسسات الإيرادية الأخرى كالموانئ والمطارات والإيرادات الجمركية والضريبية وغيرها ، ومن ثم خصخصة وتدمير المئات من المؤسسات والمرافق الجنوبية وكمثال لا للحصر تم طمس مصانع ناجحة بحجة (الخصخصة) ، إذ بلغ عدد المصانع في الجنوب – وتحديداً في العاصمة عدن – إلى أكثر من 20 مصنعاً، جميعها كانت ناجحة في انتاجها الذي كان يفي بتغطية احتياجات السوق المحلية والبعض الآخر منها كان يتم تصدير منتجاته إلى بعض الدول المجاورة، وكذا العشرات من المؤسسات التعليمية والصحية والعسكرية والأمنية الجنوبية
وارتكبت أكثر من (698159) حالة انتهاك قامت بها قوات الاحتلال اليمني بحق أبناء الجنوب المسالمين خلال 20 عام من الفترة 1994 الى 2014 توزعت بين التصفية الجسدية والإقصاء والتهميش والإخفاء والتدمير والنهب والسلب ، وما تلاها من أعمال القتل والانتهاكات ضد أبناء الجنوب من عام ٢٠١٥ وإلى اليوم .
وقامت قوات الاحتلال اليمني خلال حرب صيف 1994م بتدمير أكثر من ( 963) منشأة ( عسكرية ومدنية وخدمية وصحية وتعليمية واقتصادية) .
مجازر الاحتلال اليمني :
ارتكبت قوات الاحتلال اليمني مجازر عديدة بحق أبناء الجنوب منها مجزرة سناح ومجزرة رصيف التواهي ومجزرة المعجلة وقصف مدينة الضالع بالدبابات وغيرها من المجازر التي لن تسقط بالتقادم.
نهب ثروات الجنوب النفطية :
وقُسم نظام الاحتلال اليمني أراضي محافظات الجنوب بعد احتلالها عام 1994م، إلى حوالي 97 قطاعاً نفطياً وقُسمت محافظة حضرموت إلى أكثر من( 56 )قطاعاً نفطياً وقُسمت محافظة شبوة إلى أكثر من 18 قطاعاً نفطياً، ومحافظة المهرة إلى 8 قطاعات نفطية، وقُسمت بقية المحافظات(عدن- لحج- أبين) مع مساحة المياه الاقليمية الجنوبية لخليج عدن والبحر العربي وأرخبيل سقطرى إلى نحو (13 )قطاعاً نفطياً.
وكشفت إحصائية شبه دقيقة أعدتها جهات معارضة للحكومة اليمنية أن (400 مليار دولار ) أربعمائة مليار دولار هو الرقم الذي وصلت إليه أسعار النفط المنهوب من حقول النفط في حضرموت وشبوة بجنوب اليمن منذ اجتياح الجنوب في العام 1994م.. ويشير أحد المهندسين اليمنيين في وزارة النفط والمعادن إلى أن حجم العائدات المالية من صادرات النفط خلال الأعوام 2000-2010م قد بلغت نحو ( ثلاثة تريليون ومئة وسبعة وستين مليار) ريال يمني.
ثروات الذهب المنهوبة في الجنوب :
ويقدر حجم الاحتياطي من خام الذهب في وادي مدن ومنطقة المحمدين في محافظة حضرموت ما يبن 678.000 – 962.619 طناً، ويتم إنتاجه بصورة سرية جدا من قبل شركات أجنبية متعاقدة مع متنفذين من كبار مشايخ (آل الأحمر) اليمنية وحتى اليوم، حيث يهيمنون على أكثر من 21 منجماً للذهب ومن صادراتهم المنهوبة يحتلون المرتبة العاشرة في بورصة سوق الذهب العالمية.
فتاوى التكفير الدينية بحق الجنوبيين :
ولم تغب عن ذاكرة شعبنا الجنوبي تلك الفتوى الدينية الباطلة والظالمة لعلماء اليمن الشمالي المتعلقة في تكفير أبناء الجنوب وجواز قتلهم واجتياح أرضهم وجعلها غنيمة ونهب كل مقومات الدولة الجنوبية.
وفي حرب 94 واحتلال الجنوب عسكريا، عمدت قوى صنعاء اليمنية إلى ممارسة ارتكاب المجازر وجرائم القتل وتدمير كل مؤسسات دولة الجنوب السابقة كالمرافق الحكومية ومعسكرات الجيش وسرقة المصانع والمستشفيات والبسط على الأراضي، ثم شرعت في طمس هوية الجنوب. ومن ضمن الحروبات التي شنها نظام صنعاء الغاشم على الجنوبيين، منها الحروب العسكرية الغير مبررة، وعمليات القتل والتدمير، وعمليات الاغتيالات، والتصفية الجسدية الجماعية. وعمليات الإرهاب، والتهميش والنزوح والتهجير القسري، والسلب للحقوق، والتجويع والتعذيب الحكومي بافتعال الأزمات.
وجاءت الحرب التي اندلعت في عام ٢٠١٥م واجتاحت خلالها ميليشيا الحوثي الانقلابية المدعومة من إيران العاصمة عدن وعدد من المحافظات الجنوبية واستطاع الجنوبيون تحرير عدن ولحج وأبين والضالع وشبوة ، وتحرير الساحل الغربي إلى ضواحي الحديدة ، واستطاع الجنوبيون وبدعم من التحالف العربي بناء قوات جنوبية ومقاومة بطله لمواجهة الحوثيين في جبهات التماس الحدودية .
إعلان عدن وتأسيس الانتقالي :
وفي الرابع من مايو عام 2017، شهد أبناء الجنوب حدثًا عظيمًا في تاريخه، تم فيه "إعلان عدن التاريخي" ، نتج عن هذا الحدث الكبير، تفويض شعب الجنوب "للرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي"، في إنشاء كيان سياسي واحد لينقل معاناة وقضية شعب الجنوب( استعادة دولة الجنوب) بحدود ماقبل 90 في المحافل الإقليمية والدولية.
وأعلن الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي، بعد أسبوع من إعلان عدن التاريخي، عن تأسيس هيئة رئاسة "المجلس الانتقالي الجنوبي" الممثل لقضية شعب الجنوب، وقد بذل الرئيس الزُبيدي جهودا كبيرة، وفتح العلاقات مع جميع المكونات الوطنية الجنوبية من أجل توحيد اللحمة الوطنية، من جانبها رحبت المكونات بهذا معلنةً انضمامها للمجلس الانتقالي بعد الحوار الوطني الجنوبي في مايو 2023، الذي انبثق عنه إعلان "الميثاق الوطني الجنوبي"؛ مما أدى إلى وصول معاناة وصوت شعب الجنوب إلى المجتمعين الإقليمي والدولي، إضافة إلى حضور وطرح قضية شعب الجنوب في مجلس الأمن الدولي .
ويرى ناشطون سياسيون جنوبيون أنه وبعد ثلاثين عاما مضت منذ إعلان الرئيس البيض فك ارتباط دولة الجنوب عن الجمهورية العربية اليمنية، بعد أكثر من أربعة أعوام من قيام وحدة اندماجية بين البلدين أن الوحدة ماتت ، وأنه لا تراجع عن مطلب فك الارتباط .
فشل الوحدة :
من جانبه، قال فضل الجعدي الأمين العام للمجلس الانتقالي الجنوبي، عبر حسابه على منصة إكس: "لم يكن إعلان فك الارتباط في مثل هذا اليوم 21 مايو إلا إعلانا سياسياً على فشل الوحدة وموتها بعد أن لُطخت بالدم على أيدي همجية القبيلة والعسكر والدين السياسي، قتلوها بدم بارد وحولوها بحرب 94 القذرة إلى احتلال متخلف للجنوب وانقلاب على الشراكة وكل المواثيق والاتفاقات".
إعلان فك الارتباط :
وأوضح الدكتور صدام عبدالله المستشار الإعلامي الخاص للرئيس الزبيدي ورئيس قطاع الصحافة والإعلام بالمجلس الانتقالي ، أن الذكرى الثلاثين لإعلان فك الارتباط هي فرصة للتأمل في الماضي واستخلاص الدروس والعبر من تجارب النضال الطويلة، وأيضًا لتجديد العهد بالمضي قدمًا نحو تحقيق أهداف الشعب الجنوبي في إقامة دولة جنوبية مستقلة ذات سيادة .
وأضاف د. صدام في منشور له على منصة إكس: "أن هذا اليوم (في إشارة لذكرى فك الارتباط) يُمثل لحظة فارقة في تاريخ الجنوب، حيث جاء إعلان فك الارتباط بعد أربع سنوات من الشراكة الفاشلة في الوحدة التي انتهت بانقلاب قوى صنعاء وشن حرب دامية على الجنوب"، مؤكداً أن إعلان فك الارتباط عبّر عن تطلعات شعب الجنوب نحو الحرية والاستقلال بعد سنوات من التهميش والقمع. ورغم التحديات والصعوبات التي واجهها الشعب الجنوبي إلا أنه شعلة الأمل في تحقيق استعادة الدولة ظلت متقدة .
هكذا ماتت الوحدة :
وختاماً أثبتت أحداث حرب صيف عام ١٩٩٤م وما نتج عنها من احتلال الجنوب بالقوة العسكرية ، ومرورا بالحرب القمعية التي نظام صنعاء على حركة الاحتجاجات والثورة السلمية الجنوبية التي انطلقت عام ٢٠٠٧ م ، ومرورا بحرب عام ٢٠١٥م وما تلاها من حروب أخرى للقاعدة والأخوان وحزب الإصلاح والتي استهدفت الجنوب أرضا وإنسانا وكذلك حرب الحوثيين على الجنوب وتخادمهم مع الإخوان والإصلاح والتنظيمات الإرهابية باستمرار الحرب على الجنوب .. كل هذه الإحدات في مجملها تؤكد أن الوحدة قد ماتت ليس اليوم بل في مهدها بحرب صيف عام ١٩٩٤م على الجنوب . . ولم يعد هناك ذكر للاحتفالات بعيد ما يسمى الوحدة اليمنية ٢٢ مايو في كل مناطق اليمن الشمالي ولا في مناطق الجنوب العربي الإ في مساحة ضئيلة وفي مديرية واحدة من مديريات محافظة مأرب ، ولم تعد هناك مساحة تسيطر عليها الشرعية اليمنية التي يتدثر الأخوان وقوى الأرهاب لباسها سوى بمديريتين بمأرب وبجزء من جغرافية مدينة تعز التي يتقاسمها معهم الغزاة الحوثيين.. وهكذا ماتت الوحدة اليمنية المشؤومة والتي تم تشييعها في تابوت القهر والظلم والطغيان إلى مزبلة التاريخ.